Site icon IMLebanon

عين التينة في عيون الرابية… متى تصبح في قلبها؟

كتبت ألين فرح في صحيفة “النهار”:

لم ينظر العماد ميشال عون يوماً الى الرئيس نبيه بري إلا من منظار التحالف. فرغم غياب “الكيمياء” بين الطرفين واختلاف المواقف في موضوعات متنوعة وبعضها حسّاس، و”الاتهامات” بعقد تسويات على حساب حليف الحليف، لم يصدر عن عماد الرابية كلام ضد عين التينة أو يستشف منه أنه مناوئ للرئيس بري.

هذا الموقف من الرابية يدلّ على استشراف كبير وفهم عميق لمسألة في غاية الأهمية تتعلق بالضغوط الهائلة التي يتعرّض لها عموماً المكوّن الشيعي في شقّه المقاوم، في لبنان وخارجه، وهي ضغوط عسكرية وأمنية ومالية وسياسية وقضائية، تصل الى حدّ الحصار بكل المفاهيم والمعايير، وفق مصادر الرابية. “لذلك يدرك العماد عون، وهو على تحالف مع الحزب المقاوم منذ توقيع مذكرة التفاهم، أنه لا يسعه، من منطلق الحلف المذكور أو من المنطلق الوطني الجامع، أن يبعثر البيت الشيعي، أو أي مكوّن آخر في لبنان. حتى انه إذا نادى بحقوق المسيحيين أصرّ، بالتكرار والتأكيد، على أنها حقوق وطنية بامتياز وليست من قبيل الحقوق الفئوية”. من هذه المنطلقات، يدرك العماد عون جيداً أن هامشاً معيناً قد ترك للرئيس برّي في التحرّك باتجاهات مختلفة تحت أكثر من شعار أطلقه برّي نفسه على تحرّكاته، كتدوير الزوايا أو مدّ الجسور أو الحرص على الحوار بين “حزب الله” وتيار “المستقبل”.

الا أنه في الوقت عينه، ودائماً وفق المصادر عينها، ليس في إمكان العماد عون أن يتقبّل تدوير الزوايا في ما يتعلق بالحقوق الوطنية للمكوّن الذي يملك الحيثية التمثيلية الأقوى فيه، أي المكوّن المسيحي. كما أنه لا يمكنه أن يتجاوز الميثاق والدستور في مقاربة الاستحقاقات والمسائل الوطنية. فالرئيس برّي يعرف تماماً موقف الجنرال هذا، لذلك يحرص على القول دائماً بأن لا خلاف استراتيجياً مع عون، انما تنشأ بعض الاختلافات في وجهات النظر من مواضيع محددة كالتشريع مثلاً في مجلس النواب، وحال خلو سدّة الرئاسة ومسألة “تشريع الضرورة” التي يتمسّك بها العماد عون من منطلق أن الأولويات التشريعية تفرض ذاتها، دون سواها من المواضيع، على السلطة التشريعية كالقوانين المتعلقة بإنشاء السلطة كـ”قانون الانتخابات النيابية الموعود والمؤجّل دوماً”، أو القوانين المتعلقة بالمالية العامة للدولة والتي لا تحتمل التأجيل كقوانين قطع الحساب والموازنة والموافقة على القروض المالية وإجازة الإصدارات وما شابه، وقوانين أخرى تتعلق بحياة الناس وحقوقهم المعيشية كسلامة الغذاء وسلسلة الرتب والرواتب، وقوانين تتعلق بالهوية الوطنية كقانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني. لذلك يمكن وصف هذه العلاقة بالثابتة من الناحية الاستراتيجية والمتقلّبة من الناحية السياسية التكتية من دون أن تبلغ حافة الهاوية. وتشير المصادر الى ان “العماد عون بطبعه ريادي وقيادي ومفاجىء في مواقفه، ما ينتظر معه التأقلم من الحلفاء والأصدقاء مع مواقفه، ولو اقتضى الأمر بعضاً من الزمن”.

أضف أنه من المؤكد ان الحزب الحليف المقاوم يسهر بعين يقظة على أن تظلّ هذه العلاقة ضمن حدود لا يبلغ معها التأزيم المطلق. لذا، “هناك من يحرص على أن تظلّ هذه العلاقة قائمة وفقاً لما وصف سابقاً، علماً ان هناك من يتضرر من هذه العلاقة طامعاً الى مصادرة قرار برّي وعقله وقلبه”. إلا أن جماعة الرابية لا يرون أنهم سيجدون الى ذلك سبيلاً، لأنهم يثقون بأن مواقف الرئيس برّي، مهما تقلّبت، لن تذهب الى حدود المحظور، أي فرط التحالف مع العماد عون، الذي لا ولن يخدم أي مصلحة وطنية عليا.

ويكفي أن نرصد كيف تعامل وزيرا برّي في الجلسة الأخيرة للحكومة عند إجراء الخلوة بين الرئيس تمام سلام والوزراء جبران باسيل ونهاد المشنوق ومحمد فنيش، كي نتيقّن أنهما استهجنا إبعادهما عن الخلوة وعن أي تسوية قد تخرج بها في سبيل تفعيل العمل الحكومي واستقراره على آلية دستورية صحيحة. “وهذه إشارة يتلقفها الرئيس برّي المحنّك والذي يعرف، قبل سواه وأفضل من سواه، ان المناطق الوسطى في الصراعات الحادة لا تشبهه ولا تفيده”. في حين أنه يقرأ جيداً مشاركة نواب “التيار الوطني الحر” في شكل مثابر في “لقاء الاربعاء النيابي” في عين التينة وإدلائهم بتصريحات هادئة ومطمئنة.

لذا، تعتقد جماعة الرابية أن الرئيس برّي أفطن من أن يفرّط في أوراق التحالف مع العماد عون والتي هي بين يديه، وهي أوراق ضامنة ومعروفة الأهداف، لمجرّد أن ميولاً أخرى قد تستهويه في الرئاسة والقيادة وقانون الانتخاب. لكن هؤلاء يختمون: “أن تكون عين التينة هكذا في عيون الرابية أمر جيد، ويبقى أن نعمل على أن تصبح عين التينة يوماً في قلب الرابية، وهذا أمر متاح إذا صدقت النيات”.