يعمل بلال (اسم مستعار- 38 سنة)، وهو سوري الجنسية، في شركة “سوكلين”، في دوام صباحي أو ليلي، لمدة 12 ساعة متواصلة، بينما أجره الشهري لا يتجاوز الـ500 دولار. يتجول بلال في الطرق جاراً معه مستوعب النفايات المتنقل، لجمع النفايات التي خلّفها الناس في الشوارع. وعند انتهاء عمله يعود لينام في مبنى الـBMG المملوك من قبل شركة “سوكلين” في الكرنتينا، وهو مخصص للعمال الأجانب كما للبنانيين غير القادرين على العودة يومياً الى قراهم البعيدة. “أنام في غرفة صغيرة مع عدد من العمال، ونتشارك مراحيض بالكاد صحية أو نظيفة وقلّما تخضع لصيانة”، يقول بلال.
أمّا لبيب (اسم مستعار)، فهو لبناني الجنسيّة، أربعينيّ، يعمل أيضا في “سوكلين” ولكن في قسم فرز النفايات، راتبه حوالي مليون ومئيتي ألف ليرة. ساعات عمل بلال ولبيب الاثنتي عشرة هي فعلياً ثماني ساعات عمل قانونية، بينما الساعات الأربع الإضافية غير مدفوعة. يقول لبيب إن عمله في قسم الفرز في “سوكلين”، والإحتكاك الدائم بروائح النفايات هو “أشبه بالإنتحار”. لكنه يعرف إن هناك وظائف يجب أن يملأها الفقراء ليظلوا فقراء ومغلوب على أمرهم. “أعمل كي أؤمن لقمة عيشي، فلدي أولاد يجب أن أطعمهم وأعلمهم، واشتري لهم ما يريدون. وهكذا تتراكم الديون والالتزامات والقلق في الوقت نفسه”.
يؤكد لبيب ان الوقاية داخل وخارج المعامل غير كافية. ويضيف: “يلزمنا بدلة أوكسيجين كاملة مع نبريش وكمامة، وقد سبق أن أحضروا لنا موتورات تضخ الأوكسيجين، ولكنها ذهبت كامتيازات لأصحاب المناصب في الإدارة. وقد وعدنا بأننا سنحصل عليها من جديد، الا أننا نعرف أنهم لن يحضروا لنا شيئاً”. أما في ما يخص الطبابة والفحوص الدورية التي يجب ان يخضع لها العمال للتأكد بأنهم غير مصابين بأمراض مضرة أو مميتة، فـ”الادارة لا تقوم بأي منها. اذ يجب أن تتدهور صحة العامل قبل أن يطالب الادارة مرات عديدة باخضاعه لفحوص ومن بعدها ينظرون في ما اذا كان طلبه ضرورياً أم لا. وهم مَن يحددون التقديمات الطبية. واذا ازدادت حالة العامل سوءاً يأخذونه الى مركز محترم للعلاج”.
بالإضافة الى ذلك يغيب اهتمام الجهات الرسمية بتحسين ظروف العمل، وتأمين الشروط الدنيا للسلامة والصحة المهنية. خصوصاً تجاهلها لانتهاكات أصحاب العمل لقانون العمل، وتحديداً حرمان العمّال من سلاحهم الوحيد للدفاع عن مصالحهم، أي العمل النقابي.
ففي العام 2003 تأسست في لبنان نقابة لسائقي سيارات نقل النفايات، واستطاعت الحصول على اتفاق خطي موقع من وزارة العمل ينص على حرية ممارسة العمل النقابي والحق بفتح مركز لها والعمل بحرية. كان احد المطالب الأساسية لهذه النقابة تحسين أوضاع العمال الصحية، لأن قطاع جمع النفايات من القطاعات المُضرة بالعاملين فيها، نتيجة لما يتنشقونه من نفايات ومواد مضرة بالصحة كبقايا مواد المستشفيات والمصانع وغيرها. كما طالبوا بتقليص ساعات العمل لـ6 ساعات في المجالات المضرة بالصحة، وفقاً لما نص عليه قانون العمل اللبناني، في المادة 32. يومها، وفور تأسيس النقابة، عمدت “سوكلين” إلى فصل العديد من أعضاء النقابة.
وفي العام 2005 حاول عمال “سوكلين” مجدداً تحسين أوضاعهم عبر الانتساب الى وحدة النقابات والعمال المركزية في “حزب الله”، اعتقاداً منهم أنه بامكان طراد حمادة، وزير العمل حينها والمحسوب على الحزب نفسه، الضغط على “سوكلين” كي تسمح لهم بالعمل النقابي. الا ان ما حصل كان العكس تماماً. فقد قام أعضاء وحدة النقابات والعمال بالتصويت على طرد نقابة سائقي شاحنات النفايات من صفوفها من دون علمها.
يقول رئيس النقابة طه نصار، لـ”المدن”، ان ادارة “سوكلين” “تلجأ عمداً الى توظيف النسبة الأكبر من العمال من غير اللبنانيين، وذلك كي لا تضطر للتصريح عنهم إلى وزارة العمل، وبذلك تتهرب من دفع الضريبة، ومن تأمين الضمانات الاجتماعية لهم. وقد وصلت نسبة العمالة غير اللبنانية في الشركة إلى 97 في المئة. وفي الوقت الذي تزعم فيه سوكلين وغيرها من الشركات أنها غير قادرة على تأمين وظائف للبنانيين، تفتح أبواب التوظيف للعمال الأجانب”.
يشير طه الى ان الظروف الصحية المزرية وظروف الاقامة للعمال الاجانب التي يخجل من توصيفها “تتطلب من وزارة العمل والجهات المختصة مراقبة ظروف عملهم وحياتهم ولا سيما تدابير السلامة والانارة والتهوئة والمياه الصالحة للشرب والمراحيض والمنامة وغيرها”. وعن رحلة التوظيف يشرح طه أن العمال الاجانب يستقدمون من الخارج من خلال مكاتب توظيف يدفع لها العمال قيمة 100 دولار لكي يدخلوا إلى عالم “سوكلين”. “لكن لا ضمانات للعمال. وبعضهم لا يملك أوراقاً تعرف عنهم. ناهيك عن انعدام تواصلهم مع غيرهم. كما تنفي الادارة مسؤوليتها عن أي شيء يحصل مع العمال. فهم يوظفون ويصرفون في لحظة”، وفقه.
أما العمال اللبنانيون فيعملون وفقاً لعقود مؤقتة، وذلك لضمان عدم تثبيتهم في الشركة. فهي تلجأ إلى صرفهم قبل انتهاء مدة العقد، “لكنها تُعيد توظيفهم في وقت لاحق وعبر العقد المؤقت نفسه. والأمر نفسه يتكرر في شركات التنظيف الأخرى أو البلديات، فلا ضمانات ويتم في أغلب الأحيان صرف العمال تعسفياً”، وفق طه.
وبالرغم من هاتين التجربتين غير المشجعتين، الا ان النقابة لم تستسلم، فانتسبت منذ سنوات إلى الاتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين، وما زالت تمارس عملها في محاولة لتنظيم العمال من جديد، من أجل الحصول على حقوقهم البديهية التي تستمر السلطات في اهمالها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ “المدن” حاولت مراراً الاتصال بسوكلين لتأمين وجهة نظرها في المسألة المثارة لكنّها لم توفّق في الحديث مع أي من مسؤولي الشركة.