كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
يؤكد الذين التقوا رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، خلال اليومين الماضيين، أنه بلغ مرحلة من القرف والاشمئزاز حيال ما آلت إليه الخلافات السياسية المتعلقة بعمل الحكومة، ونتيجة تفاقم أزمة النفايات التي أخذت تملأ الشوارع في بيروت وبعض مناطق جبل لبنان في الأيام الأخيرة.
ولا يستبعد بعض الوزراء أن يذهب سلام نحو موقف حاسم خلال جلسة مجلس الوزراء التي تُعقد اليوم في السراي الكبيرة، فيعلن رفضه الاستمرار في موقع شاهد الزور على تعطيل المؤسسات فيما تتقاذف القوى السياسية المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، وبعضها يرميها عليه وعلى الحكومة، في وقت لم يتوقف عن التأكيد أن تسيير عمل الحكومة وشؤون الناس شيء والخلاف السياسي الذي أنتج الشغور الرئاسي والحال غير الدستورية التي سببها، شيء آخر يجب ألا يحول دون تسيير شؤون الدولة الملحة فيما الجميع يعرف أن التأزم السياسي معالجته تتم خارج الحكومة.
وتتنازع مجموعة الوزراء الذين يلتقون سلام وجهتا نظر، الأولى تؤيد ذهابه حتى النهاية في رفضه القبول بتعطيل مجلس الوزراء نتيجة الخلاف على طريقة اتخاذ القرارات فيه “فنحن لا نستطيع أن نبقى موظفين عند من يريد تعقيد الأمور ومنع الحكومة من الاجتماع وبحث القضايا التي يرى رئيسها أنها ملحة لتسيير شؤون الناس، فيسمح باجتماعها أو عدم اجتماعها ساعة يشاء. فلماذا يبقى الرئيس سلام تحت رحمة هذا الطرف أو ذاك؟ وفي النهاية ليس هو وحده المسؤول عن البلد. فليترك المسؤولية للقوى السياسية كي تجد حلاً جذرياً لما يعانيه”.
وإذا كان هذا الكلام يعني أن يستقيل رئيس الحكومة، فإن وجهة النظر الثانية تقول: “لمن يقدم استقالته؟ ومن الذي يقبلها أو لا يقبلها؟ هذا فضلاً عن أن غياب رئيس الجمهورية يحول دون إجراء استشارات نيابية وفق الدستور لتكليف غيره (أو حتى إعادة تكليفه)… كما أن الكتل الرئيسة في الحكومة، لا سيما “المستقبل”، “حزب الله”، “أمل” و “اللقاء النيابي الديموقراطي” والكتائب ليست مع هذا الخيار وتطلب منه الاستمرار في المسؤولية”.
سلام والصبر
ويقول مصدر وزاري في قوى 8 آذار وآخر مقرب من “حزب الله” إن “من حق الرئيس سلام أن ينزعج ويشمئز لأنه يريد تسيير عمل الحكومة، لكن لا خيار آخر غير أن يقدر الظروف ويصبر أكثر”. ويقول المصدر إن لا معطيات حول ما إذا كانت الاتصالات التي أجريت في الأيام الماضية توصلت إلى مخارج تسمح بجلسة حكومية تفرمل التصعيد السياسي وتتناول الخلاف على طريقة اتخاذ القرارات فيها، وعلى إصرار زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون على وضع بند التعيينات الأمنية على جدول أعمال مجلس الوزراء. وأبلغت المصادر نفسها “الحياة” أن الاتصالات ستستمر حتى آخر الليل (أمس) لعلها تنتج مخارج معينة لتبريد الأجواء.
ويفيد الذين التقوا سلام في الساعات الماضية بأن ما شهدته زاد من اشمئزازه للأسباب التالية:
1 – أزمة النفايات التي أخذت تملأ الشوارع نتيجة عدم إيجاد بدائل لمطمر الناعمة الذي أقفل بفعل اعتراض الأهالي على استمراره في إلحاق الضرر البيئي بهم، وبتأييد من رئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط ونواب الكتلة الذين يعتبرون أنهم أعطوا المهلة الكافية لإيجاد حلول للمشكلة التي عمرها 10 سنوات. كما أن سلام يتساءل عما إذا كان وراء هذه الأزمة هدف تسييس المشكلة لتضاف الى التأزم الحاصل حول الصلاحيات وعمل الحكومة، بل إن بعض الوزراء يشير إلى أنهم كانوا يأملون تمديداً ما للعمل بمطمر الناعمة.
عدم اكتمال صفقات شراكة
وفي المقابل يدور لغط كبير في بعض الأوساط السياسية والوزارية… من أن بين أسباب التأخر في إيجاد البدائل لمطمر الناعمة وتلزيم عمليات جمع النفايات وفرزها… الخ، في بيروت ومناطق أخرى، عدم اكتمال صفقات شراكة أو إنشاء شركات لتتولى العملية، يقول البعض إن لديه تفاصيل عنها نظراً إلى تحول هذا القطاع مصدر ربح كبير مع الوقت.
2 – إن سلام أبدى انزعاجه، حتى من حلفائه، لهذه الناحية ومن بيان كتلة “المستقبل” أول من أمس الذي حمّل الحكومة مسؤولية إيجاد الحلول لأزمة النفايات، في وقت يعتقد هو أنها نتيجة تراكم عجز الحكومات السابقة عن مقاربة الحلول التي كانت وضعت سابقاً، وبسبب تعطيل عمل الحكومة. واستدعى هذا اتصالات مطولة بينه وبين رئيس الكتلة، رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ليل أول من أمس، أوضح خلالها الأخير أن ما تحذر منه الكتلة هو ترك القطاع الخاص يحدد المطامر البديلة في المناطق بحيث يزداد عددها البالغ الآن أكثر من 800 مكب عشوائي.
3 – إن خلاف سلام في الجلسة السابقة للحكومة، في 9 الجاري مع وزير “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي اتهمه بالتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية وهدر حقوق المسيحيين في ما يخص اتخاذ القرارات ووضع جدول الأعمال في الحكومة، تصاعد بدلاً من أن يتراجع بفعل التسوية على بحث طريقة اتخاذ القرارات في اجتماع اليوم. فتكتل عون اتهم سلام بأنه “وسع بيكاره” وبأنه يضع فيتو على ترشح الأقطاب المسيحيين الأربعة للرئاسة في وقت لم يقل هذا الكلام، ما يعني افتعال أسباب إضافية للتأزم واصطناع مبررات لعرقلة عمل الحكومة، بدلاً من أن يتعقل المعنيون – كما يقول بعض الوزراء الذين اجتمعوا مع سلام – خصوصاً أن الحكومة هي “الخشبة” الوحيدة الباقية التي يجب التمسك بها منعاً لانهيار الدولة”.
وفيما يصر تكتل عون على أن يطرح اليوم مقاربته لطريقة اتخاذ الحكومة قراراتها عبر اعتماد التوافق عليها وعلى وضع جدول الأعمال وعدم قبول تمرير أي قرار لا يوافق التكتل عليه باعتباره وكيلاً رئيساً عن رئيس الجمهورية بغيابه، فإن سلام سيعود للإصرار على حقه في وضع جدول الأعمال آخذاً في الاعتبار أن التوافق لا يعني التعطيل وأن القضايا غير المصيرية أو الأساسية يمكن إنفاذها بالأكثرية وفق الدستور، لأن التوافق لا يعني الإجماع، أو موافقة فريق بعينه.
وتقر أوساط عون بأنها تتعاطى مع آلية اتخاذ قرارات الحكومة على أنها ورقة ضغط من أجل فرض طرح التعيينات العسكرية (تحديداً تسمية العميد شامل روكز لقيادة الجيش). وهذا يعني أنه حتى لو جرى الاتفاق على صيغة اتخاذ القرارات، فإن المشكلة ستطرح مجدداً إزاء إصرار العماد عون على وضع التعيينات العسكرية على جدول الأعمال، حيث ستكون حجة سلام أن لا توافق عليها. فهل أن عون سيرفض بحث أي موضوع آخر بحجة أن اعتراضه يعني أن لا توافق وبالتالي يعترض على مواصلة البحث واتخاذ قرارات أخرى؟
وتقول مصادر متعددة شاركت في الأسبوعين الماضيين في اتصالات التهدئة مع عون، بما فيها نصائح وجهت إليه من بعض سفراء الدول الغربية والعربية، أنه قد لا يعود إلى الشارع في اعتراضه على آلية القرارات، في الأيام المقبلة، لكنه يصر على مواصلة طرح مطالبه داخل الحكومة. وبرر عون رفضه طرح أي موضوع على مجلس الوزراء، عندما ارتفعت أصوات مطالبة مجلس الوزراء بإمساك ملف النفايات، بأن لا ضرورة لذلك لأن الحكومة سبق أن اتخذت قرارات والمطلوب من الوزارات التنفيذ. ويلتقي معه “حزب الله” في هذا الموقف معتبراً أن استراتيجية معالجة النفايات أقرت قبل زهاء 6 سنوات والسؤال هو لماذا لم تنفذ؟
ويشير مصدر وزاري إلى أن القوى المعنية بالحكومة تدخل جلسة اليوم بلا تصور واضح. فالمداولات التي كانت جرت بين “المستقبل” و “حزب الله”، والأخير والنائب وليد جنبلاط، وبين هؤلاء الأطراف جميعاً، ومن ثم مع الرئيس ميشال سليمان، وبين “القوات اللبنانية” وسلام و “القوات” و “المستقبل”، ومع رئيس البرلمان نبيه بري الذي تواصل الجميع معه، لم تصل إلى نتيجة. فالأفكار التي طرحت في هذا الصدد، والتي انطلقت من لقاءات جنبلاط مع هؤلاء الفرقاء هدفت إلى التمهيد لعقد الجلسة في أجواء توافق على سلة خطوات… تعويضاً عن مطلب تعيين قائد الجيش، تشمل: فتح دورة استثنائية للبرلمان على رأس جدول أعمالها قانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية اللذان يطالب بهما عون و “القوات”، إجراء تعيينات إدارية في بعض المواقع الشاغرة تعطي لكل فريق حصته منها، إصدار مرسومي دفتر شروط تلزيم البلوكات النفطية في البحر وتحديد عدد هذه البـــلوكات، المؤجلين نتيجة الخلاف عليهما. واتفق الفرقاء الساعون لتسويق هذه السلة، فريق جنبلاط، “حزب الله”، “المســتقبل” و “القوات” مع بري على أن يشمل اجتماع المجلس النيابي ضمان مواصلته جلـــساته لإقرار قضايا ملحة أخرى مـــالية واتفـــاقات قروض، بعد الانتهاء من دراســـة قانون الانتخاب وإقرار قانون اســـــتعادة قانون الجنسية، فإذا حصل خـــلاف حال دون إقرار قانون الانتخاب لا يتم تعطيل البرلمان. إلا أن العماد عون لم يعط موافقته على ضمان استمرار عمل البرلمان، ما دفع بري إلى الإصرار على توقيع مرسوم فتح الدورة الاستثنائية أولاً ثم النظر بعدها بجدول أعمال اجتماع البرلمان.
وقالت مصادر شاركت في هذه الاتصالات أن عدم ضمان قبول القوى المعترضة على تشريع الضرورة في البرلمان حال دون مواصلة البحث بهذه السلة وأجهض إمكانية التوصل إلى توافق قبل اجتماع الحكومة اليوم وهو ما يجعل اجتماعها مفتوحاً على كل الاحتمالات.