IMLebanon

جعجع: أتوقع تصعيداً إيرانياً على جميع الجبهات

geagea-gov..

من تلة معراب ينظر سمير جعجع الى المشهد السياسي العام في المنطقة. بغض النظر عن التفاصيل الداخلية المعلقة، يستهوي قائد “القوات اللبنانية” الحديث عن تطورات الشرق الأوسط وأبعد وصولاً الى موسكو وواشنطن.

يغوص جعجع في تفاصيل اليمن، كما لو أنه سياسي يمني مخضرم. ينتقل بسرعة الى تطورات سوريا، ومعاركها، وموازين القوى فيها، وبينهما يعرج على لبنان المرتبط بالمنطقة. بين كل هذه الملفات تبرز شخصية جديدة لجعجع لا يعرفها كثر: جعجع السياسي الأبعد من معراب وجبل لبنان.

فعلياً تبدو نظرة جعجع الى الداخل كذلك. بعد أن ترك شعارات الحرب السابقة وتلى مراراً فعل الندامة، إنتقل الى مفاهيم يبدو واثقاً منها ومن ضرورتها، وفي أولويتها: الدولة الديمقراطية والمؤسسات الشرعية والطائف. ذلك لا ينطبق وفق الزعيم المسيحي على الداخل اللبناني فقط، بل يتعداه الى المنطقة برمتها. يعمم شعاراته ويسقطها على الدول المحيطة بوصفها الوصفة الأنجع، للأكثريات كما الأقليات، بما أنه رافض لكل ما سوق في المرحلة الماضية من صراع بين أكثرية سنية وأقليات من طوائف أخرى. وحدها الشراكة بنظر جعجع يمكن أن تحمي المسيحيين في لبنان وسوريا والعراق.

خلف جعجع لا يزال شعار حملته الإنتخابية “الجمهورية القوية” حاضراً، بعد أن إنتقل من خانة “المرشح المستحيل” الى “المرشح الدائم”. وعلى الرغم من كل ما يحصل في لبنان، لا يزال متمسكاً بإمكانية تحقيق هذا الشعار، الذي تلتقي معه المملكة العربية السعودية التي استقبلته مؤخراً استقبال الرؤساء رافعة مشروع “قيام الدولة اللبنانية” وتحويله الى أفعال منها الهبات المقدمة للجيش اللبناني.

من الزيارة – الحدث و”الجيدة جداً” ينطلق جعجع في حديثه لـ”المدن”. بالنسبة إليه هي إحدى الإشارات من المملكة على الإهتمام بلبنان وخصوصاً بقيام الدولة ودعم الإستقرار فيه. يكرر أنها تأتي في إطار التعارف عن كثب على الإدارة الجديدة، مشيراً إلى أنه جرى التركيز فيها على الشأن اللبناني بالإضافة إلى الجولة في الأفق الإقليمي.

لم تتغير النظرة السعودية بحسب جعجع إزاء سوريا، كل ما يحكى عن إمكانية إعادة تواصل مع بشار الأسد نتيجته صفر، يقول: “لا صحة على الإطلاق لذلك”، وعملياً “نظام الأسد غير موجود، ووضعه المجمد باق بفعل القوة الإيرانية، والخيار السعودي واضح لا تراجع عنه، أي دعم الشعب السوري وخياراته”.

الحدث الدولي الأبرز أي الإتفاق النووي الإيراني، يضعه جعجع في سياقه الطبيعي، لا يريد تحميله أكثر مما يحتمل، لا سيما أنه لا يحمل أي ملاحق سياسية متعلقة بالمنطقة، وهو مرتبط بالمسألة النووية فقط، وتفاصيل التخصيب والمراقبة الدولية. من وجهة نظر جعجع لم يحمل الإتفاق لا هزيمة ولا إنتصار لإيران، لكن “النظام هناك لا يمكن أن يحتمل أي هزيمة وتركيبته تتطلب دوماً الإنتصار ولغة الإنتصارات”، لكن ما يقلقه هو “محاولة الإيراني التصعيد أكثر في المنطقة من أجل القول لشعبه وجمهوره بأنه ما زال قوياً ومشروعه موجوداً”.

في المرحلة المستقبلية يعتبر جعجع أنه سيكون لإيران إمكانيات مادية أكبر وعليه فإن الإتفاق سيؤدي إلى التصعيد في الشرق الأوسط، من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات ومن الصعب المراهنة على تراخ إيراني في هذه المرحلة. وكغيره من السياسيين يعتبر أن لا سياسة أميركية واضحة في الشرق الأوسط، بل تردد في مكان ما، ويضيف: “يجب الفصل بين أميركا كقوة عظمى وهذه الإدارة الحالية التي تريد إنتزاع أمور معينة كما فعلت مع النووي”.

بالعودة الى السعودية من البوابة اليمنية، يعتبر جعجع أنه لا يمكن الإستهانة بالسعوديين ولا بالدول الخليجية، لكنهم يفضلون عدم استخام القوة إلّا في مكان الدفاع عن النفس كما جرى في اليمن، وغالباً يبحثون عن حلول سلمية، وهذا ما تمت ترجمته في إطلاق “عاصفة الحزم”، وبدء التحضير مع المقاومة الشعبية اليمنية لإستعادة الشرعية في اليمن، وأولى نتائجه ما حصل مؤخراً في عدن.

من اليمن وسوريا والسعودية وغيرها يعود جعجع الى لبنان. يشير إلى أن السعوديين سألوه عن الإستحقاق الرئاسي ومصيره، فقدّم وجهة نظره المتمثلة بأن إيران تمارس نفوذها في لبنان عبر نقاط قوتها المعتمدة على “حزب الله”، وهي لا تريد للدولة أن تكون قوية، لأنه بمقدار ما تكون الدولة ومؤسساتها ضعيفة يستفيد الحزب، ويبقى مسيطراً على القرار الإستراتيجي، ولذلك لا تريد إيران تسهيل الإنتخابات الرئاسية.

لكن ماذا عن الحراك الفرنسي إن كان الأفق مسدود إيرانياً؟ لا يتوقع جعجع تسهيلاً إيرانياً للإستحقاق الرئاسي وإن كان الحراك الدولي جدياً جداً، لكن في المقابل يستبعد أن تكون العرقلة الإيرانية مقدمة لنسف الطائف لأن “الأكثرية تريده ولا يمكن فعل شيء رغماً عن اللبنانيين”.

الحديث عن القوة الإيرانية في لبنان ونسف الطائف يقود تلقائياً الى أحداث 7 أيار وإتفاق الدوحة. يعتبر أنها “محطة مرحلية غير قابلة كي تعاد”، وهنا يستذكر حين وقع على الإتفاق ووضع بجانب توقيعه كلمة “بكلّ تحفظ”. ويقول: “كنت أتوقع ما سيجري في ما بعد وهذا ما حصل”، أما اليوم فالوضع تغيّر، وفق جعجع، ولا قدرة لـ”حزب الله” لـ”جرنا إلى ما لا نريده، لأن لبنان ليس اليمن، ولدينا الحد الأدنى من الدولة والمؤسسات، وعلى رأسها الجيش الذي استطاع حماية لبنان ووحدته ومواجهة أي اعتداء عليه”، وعليه يضع دعوته الى تشكيل لواء لأنصار الجيش في القرى البقاعية الحدودية في إطار “القتال بإمرة الجيش وليس لأهداف حزبية أو سياسية”.

برز جعجع في الفترة الأخيرة بشخصية سياسية جديدة. إبتكر مبادرات وأطلق حركة سياسية جديدة، تقاربَ مع خصمه التاريخي النائب ميشال عون، ليبدو مرتاحاً إلى أقصى الحدود لما قام به بالتوصل إلى ورقة إعلان النوايا، ويقول في هذا الإطار: “قمت بما يمليه عليّ ضميري للحفاظ على المسيحيين وحقوقهم وللحفاظ على الدولة وكل اللبنانيين فيها”.

العلاقة مع الحلفاء يختصرها جعجع بتعبير “جيدة جداً”. لايخفي أنهم يتفقون على أمور، ويختلفون “في مكان ما”، لكنهم وفق جعجع يتفقون في النهاية. يشير إلى الإتفاق على تشريع الضرورة، و”إعلان النوايا” خصوصاً مع تيار “المستقبل”، ليستدل بأن “الصراع في لبنان سياسي بحت، وليس مذهبياً”، ويرفض وضعه في سياق الصراع السني – المسيحي على الصعيد الحكومي، ويعتبر أن “المدخل إلى هذه الأزمة بالنسبة إليه هو بإنتخاب رئيس للجمهورية، وبإقرار قانون إنتخابي جديد وعادل”.

في الشق الحكومي أيضاً، لا يغفل جعجع الإشادة والتنويه بالرئيس تمام سلام وأدائه. يقول: “جاء تمام سلام في المرحلة التي يحتاج فيها لبنان إلى تمام سلام، لكن الرجل وصل إلى مكان وجد نفسه فيه مكبلاً”، ولذلك يتوقع بأن تعود الأمور إلى نصابها في جلسات مجلس الوزراء وهي تحتاج إلى بعض الوقت، وإلى جانبها لا يخفي أن سلام يتمسك جانباً بخيار الإستقالة لأنه يرفض العجز.

بين استقباله في السعودية، والوضع اللبناني المعلق، يفتخر جعجع بوقوفه ضد ما يسمى “حلف الأقليات”، يرى أنه بدعة من قبل محور 8 آذار الإقليمي، وتحديداً النظام السوري، الذي تعرض لمسيحيي لبنان واضطهدهم. وعلى عكس السائد يجزم جعجع أن الجو المسيحي العام أو الأكثرية ليست ميالة لهذا الحلف. وأكثر من ذلك لا يخفي أنه رأس حربة في مواجهة هذا المشروع خصوصاً أن “حماية الأقليات تبدأ بحماية الأكثريات، وقيام الدول الفعلية العادلة في الشرق بأنظمة ديمقراطية وحريات، تستوي فيها حقوق الجميع وواجباتهم”.