جون كاي
كانت انتخابات عام 2015 بمثابة كارثة مُطلقة تقريباً بالنسبة لإيد ميليباند وحزب العمال البريطاني. لكن كان هناك نجاح مهم واحد – نجاح فكري. ضحك المُعلّقون عندما تحدّث ميليباند عن مفهوم “ما قبل التوزيع”، وهو مصطلح غير موفّق كان قد أخذه من الأستاذ جيكوب هاكر في جامعة ييل. مع ذلك، الإعلان الأكثر أهمية في ميزانية ما بعد الانتخابات التي قام بتسليمها جورج أوزبورن، وزير المالية، هذا الشهر كان اعتماد مفهوم “ما قبل التوزيع” كعنصر رئيسي في سياسة حكومة حزب المُحافظين.
من عام 1997 حتى عام 2010، عندما كان جوردون براون وزيراً للمالية ومن ثم رئيساً للوزراء، التأثير المُهيمن في السياسة الاقتصادية البريطانية كان مبدأ أدعوه ليبرالية سوق إعادة التوزيع. فحوى ليبرالية سوق إعادة التوزيع هو الفصل بين الإنتاج والتوزيع، وبين الكفاءة والنزاهة. بصفة عامة، ينبغي أن يُسمح للسوق بالقيام بمهمة توفير السلع والخدمات، والدولة لا ينبغي أن تتدخل إلا لمعالجة النتائج التوزيعية الشاذة. تخلت ليبرالية سوق إعادة التوزيع عن الهدف الاشتراكي القاضي بالسيطرة على وسائل الإنتاج، مع إعادة التأكيد على مخاوف العدالة اليسارية أو الاشتراكية. لقد كانت محاولة لوصف “طريقة ثالثة” بين أصولية السوق وتخطيط الدولة.
ليبرالية سوق إعادة التوزيع كان لديها لبعض الوقت أتباع بين مختصي الاقتصاد. من خلال دراستهم كان يغلب عليهم الإشادة بفضائل السوق لكن كثيرا منهم، خاصة في الجامعات، لديهم ميول سياسية يسارية. هذه العقيدة تلعب دورا كبيرا في تفكير الذين يُشاركون في صُنع السياسة في وزارات المالية والمنظمات العالمية. مع ذلك، طابعها التكنوقراطي يعني أنها لم تملك جاذبية سياسية أوسع بكثير.
المظهر العملي الأهم لهذه العقيدة كان نظام الإعفاء الضريبي الذي أدخله براون في عام 1999 ومن ثم امتد إلى مرحلة حيث تكلفته اليوم تُمثّل حوالي ثُلث إجمالي الإنفاق على الرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة. وحيث إنه كان يتم تشغيلها من خلال النظام الضريبي -وتُلاحقها الإخفاقات الإدارية وادعاءات الاحتيال- فإن الهدف الرئيسي للامتيازات الضريبية هو رفع أجور العاملين ذوي الأجور المنخفضة، خاصة أولئك الذين لديهم أطفال.
عندما أصبح إيان دنكان سميث وزيراً للعمل والمعاشات في الحكومة الائتلافية لحزب المحافظين وحزب الديمقراطيين الأحرار في عام 2010، أطلق خطة طموحة لدمج الإعفاءات الضريبية وغيرها من الفوائد ضمن “إعفاء شامل” واحد. لكن الطرح تأثّر مرة أخرى بأخطاء التنفيذ. لذلك قام وزير المالية باعتماد مسار مختلف: زيادة بنسبة 40 في المائة في الحد الأدنى للأجور – التي تهدف إلى تخفيض اعتماد العاملين ذوي الأجور المنخفضة على الفوائد وتخفيض تكلفة الرعاية الاجتماعية.
هذا هو مفهوم ما قبل التوزيع. بدلاً من إصلاح نتائج السوق، تحاول إصلاح السوق نفسها. لقد تم إدخال الحد الأدنى القانوني للأجور في بريطانيا في عام 1999 بمقدار 3.60 جنيه. مجموعة من الدراسات أظهرت أن هذا الإدخال الحذر بشكل معقول لم يؤد إلى الآثار السلبية (التي كانت متوقعة على نطاق واسع) في الوظائف ذات المهارات المنخفضة، وهذا سمح بتنفيذ زيادات كبيرة على الحد الأدنى القانوني -إلى 6.50 جنيا- منذ ذلك الحين.
لقد قامت حملة “أجر المعيشة” الموجودة منذ فترة طويلة، التي تقوم بتشجيع الشركات الكبرى لتدفع أكثر من الحد الأدنى القانوني، بتحقيق النتائج المرجوّة. تماماً هذا الأسبوع، سلسلة الأثاث السويدية إيكيا أصبحت أول متجر تجزئة كبير يقوم بالاشتراك بالخطة الطوعية، من خلال رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7.85 جنيه اعتباراً من عام 2016. كذلك استخدام الضغط الاجتماعي والتجاري حقق كثيرا من المزايا التي تَفْضُل الإجبار بشكل قانوني، ما سمح بمرونة أصحاب العمل والإظهار للمجتمع أن الشركة تُدرك التزاماتها الاجتماعية.
لذلك فإن استخدام أوزبورن النظام الأساسي هو أكثر توجيهياً مما قد يُفضّله خصومه اليساريون. مع ذلك، التحوّل جذري. بمجرد أن يتم تنفيذ خطته، ستكون الأجور الحقيقية للعاملين ذوي الأجور المُتدنية قد ارتفعت بنحو 50 في المائة في أول عقدين من هذا القرن. السياسات التي ترمي إلى إصلاح الأسواق، عندما تدعمها أدلّة جيدة، تكون فعلا في محلها.