الوضع “خطير جدا” من الوجهتين الطبية والبيطرية. “التهديد حقيقي لصحة الانسان والحيوان معاً، لامكان انتشار امراض خطيرة”، هذا يحذر منه المفتش البيطري في التفتيش المركزي الطبيب البيطري الدكتور جوزف أحوش في حديث الى “النهار”. التراكم العشوائي المتفاقم للنفايات في شوارع بيروت وبقية المناطق يعني امراً واحداً: انذار أحمر. وتؤكّد الاختصاصية بحقل الميكروبات في جامعة القديس يوسف البروفسورة دولاّ كرم سركيس أن “الازمة تستدعي تحركاً سريعاً من السلطات لحماية المواطنين”.
لكلّ عابر سبيل قرب تلال النفايات أن يدرك انه يمر قرب “مصدر خطر على الصحة العامة، نتيجة الادارة السيئة للنفايات المنزلية”. هنا وهناك، تتكوّن بالثواني، وعلى مدار الساعة، “اعشاش البرغش والذباب والصراصير والجرذان والفئران. وبتكاثرها، يكون خطرها على الصحة العامة كبيرا جدا”، تحذّر سركيس. “هذا الوضع غير الصحي يشجّع على تكاثر البكتيريات والطفيليات التي تكون بدورها مصدراً لأمراض معدية”.
نفايات منزلية. صحيح. لكن بعضها، كحفّاضات الاولاد المتسخة وأطعمة معينة كاللحوم والفضلات وغيرها التي تحتوي على باكتيريات، تشكل أرضية خصبة لتكاثر الجراثيم، خصوصا في ظل حرارة ورطوبة مرتفعتين مساعدتين. وتقول سركيس: “صحيح اننا لن نلمس تلك النفايات، غير ان المرور قربها يعني احتمال التلوث بباكتيرياتها وجراثيمها”. للبرغش والذباب والصراصير تقنية خاصة. “تحط على الناس والاطعمة. تنقل الينا بكتيريات النفايات بالاحتكاك المباشر بنا، أو عبر اللسع أيضاً”.
أياً تكن وسيلة انتشار الباكتيريات، فما يتعامل معه المواطنون هو خليط منوّع منها. “قد تكون السلمونيلا، أو أي شيء آخر”. عامل اضافي يزيد التحدي، “تحمض النفايات المتراكمة في ظل حرارة مرتفعة يتسبب بانبعاث روائح كريهة. ومن المحتمل ان يؤثر ذلك على الجهاز التنفسي، أما عبر التسبب بالحساسية أو تحريكها”. ويمكن أيضاً ان تتسبّب هذه النفايات وباكتيرياتها “بتلوث المياه الجارية”.
السلطات المعنية تتحمل مسؤولية “تأمين السلامة الصحية العامة”، تؤكد سركيس. “قد تعمد الى حرق النفايات أو طمرها، والى مكافحة البرغش والذباب والصراصير والجرذان والفئران. كمواطنين، علينا غسل أيدينا، ورش مساحيق مكافحة البرغش والذباب في البيوت. نعم، من الممكن ان نحمي منازلنا وأطعمتنا وأنفسنا. لكن على السلطات التحرك بسرعة لاحتواء الازمة، لأن الامر يتجاوز قدرات المواطنين على المعالجة”.
تراكم نفايات، تكاثر غير طبيعي للجراثيم فيها. من وجهة بيطرية، الوضع “يؤثر على الانسان والحيوان معاً”، يؤكد احوش. والتحذير ضروري جدا. “تراكم النفايات في هذا الشكل قد يؤدي الى ان تنقل الجرذان والفئران مرضا خطيرا جدا اسمهLeptospirosis (داء البريميات)، الى جانب الطاعون”. في اللائحة ايضا، هناك مرض الكلب “الذي لم نره في لبنان من اكثر من 15 عاما، ومرض كيس الكلاب”.
في المعادلة، تراكم النفايات يعني لأحوش “تزايد أعداد الجرذان والفئران، مع ما يعني ذلك من تعرضها للاصطياد من الحيوانات الشاردة التي تتضاعف اعدادها في جوار النفايات، لما تؤمنها لها من وجبات كبيرة من الطعام”. والمطلوب “ايجاد حل سريع، لان الامر خطير”، يؤكد. “وزارتا الزراعة والصحة هما المعنيتان مباشرة بالامر، إما عبر مكافحة الحيوانات الشاردة، اما عبر استخدام الادوية المناسبة لمكافحة الجرذان والفئران التي تعتبر العامل الاول الناقل للامراض. على المسؤولين الاسراع الى قطع الطريق على الازمة، قبل استفحالها”.
في شوارع متفرقة، مادة بيضاء تغطي تلال النفايات. وما يخشاه احوش هو ان تكون بعض المواد المستخدمة “خطيرة على الحيوانات الشاردة والبيتية”. سامة، من حيث الاعتقاد، كي تقضي على الجراثيم وتكاثرها. وهذا يعني انها “قد تكون خطيرة ايضا على الحيوانات والبشر والبيئة والخضار. نطالب بان يعلنوا اسمها. يقولون انهم يرشون مواد، ونرى انها بيضاء. فاذا كان الكلس، فلا مشكلة كبيرة. ولكن ماذا لو كانوا يستخدمون مواد سامة لمكافحة الحشرات والجرذان، والتي قد تتسرب الى الارض وتركد فيها سنوات؟ نريد ان نعرف ما المواد المستخدمة”.
ما ينصح به أحوش أصحاب الحيوانات الاليفة هو ان يتجنّبوا قدر المستطاع تنزيهها قرب النفايات. “اذكرهم بضرورة تلقيحها دورياً”. وبالنسبة الى الحيوانات الشاردة، “الافضل الابتعاد عنها قدر المستطاع وتجنب الاحتكاك بها، منعا لانتقال اي جراثيم محتملة منها”. في رأيه، معالجة المشكلة لا تعني ان تداعياتها انتهت. “اذا اصيبت حيوانات وجرذان بأمراض معينة، فستبقى تعيش في الطبيعة بأمراضها. وبالتالي، لن تنتهي تداعيات المشكلة بسرعة، كما يُعتقد”.