Site icon IMLebanon

صعود جعجع وتراجُع عون وموقف “الحزب”

 

 

كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:

ينظر «حزب الله»، من دون شك، بعين القلق إلى نجاح الدكتور سمير جعجع في تسجيل نقاط عدة لمصلحته في فترة وجيزة، مقابل العماد ميشال عون الذي سُجِّل في مرماه نقاط عدة. وبالتالي، ما موقف الحزب من هذا التراجع مقابل ذاك التقدم؟

صورتان مسيحيتان طبعتا المشهد السياسي في الفترة الأخيرة: الصورة الأولى تتصل بالحراك السياسي للدكتور جعجع على أكثر من مستوى وصعيد: إعلان «وثيقة نوايا» مع العماد عون بعد زيارة مفاجئة لمنزل الجنرال في الرابية، ما أدخلَ العلاقة بين الطرفين في مرحلة فك اشتباك مفتوحة على شتى الاحتمالات. التطبيع مع النائب سليمان فرنجية في ظل علاقة يسودها الاحترام على رغم الاختلاف ومفتوحة على التطوير.

تفاهم مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على الخطوط العريضة. لقاء مع النائب وليد جنبلاط في كليمنصو في «ردّ إجر» على زيارة الأخير إلى معراب وإبقاء الخطوط مفتوحة والطرقات سالكة.

علاقة جيدة مع الرئيس نبيه بري يتخللها رسائل متبادلة غير مباشرة. تثبيت ركائز العلاقة مع «الكتائب» بعد انتخاب النائب سامي الجميّل رئيساً للحزب من أجل طَي أيّ سوء تفاهم وفتح صفحة جديدة تواكِب الانطلاقة الجديدة للرئيس المنتخَب.

زيارة رئيس الحكومة تمام سلام في السراي بغية التوسّط لحل الأزمة الحكومية مع عون حفاظاً على الاستقرار السياسي الذي يشكّل مصلحة للجميع، على رغم أنّ «القوات» هي خارج الحكومة. اللقاء مع الملك السعودي الذي أظهر مدى المكانة المميزة لرئيس «القوات» داخل المملكة، كما أكد على الارتباط العضوي لجعجع بمحور السلام في المنطقة. تنقية العلاقة مع الرئيس سعد الحريري من أي شوائب، والتوافق على أولويات المرحلة ومتطلباتها.

الصورة الثانية ترتبط بأداء العماد عون الذي وضع أهدافاً سلطوية محددة وبقي متمسّكاً بها على رغم استحالة تحقيقها، وإدراكه أن الرئيس الحريري كان مقتنعاً بهذه الأهداف التي حال دون ترجمتها موازين القوى الخارجية.

وبالتالي، تمسّكه بأهدافه بمعزل عن الظروف الموضوعية التي تسمح بتحقيقها أدّى إلى الآتي: إنهيار علاقته بالحريري التي كانت وصلت إلى مرتبة متقدمة وطَوت جزئياً الصورة السلبية للجنرال داخل الوسط السني الذي كان بدأ يتقبّل الكلام عن وسطية عون.

إنهيار علاقته الناشئة بالسعودية التي يدرك العماد عون انّ تطويرها يتطلب وقتاً وثباتاً، وأن الأمر لا يتعلق به شخصياً، بل يتصل بالمنهج المتّبع في المملكة، وأكبر دليل على ذلك العلاقة مع جنبلاط التي انتقلت من المستوى الاستراتيجي والأبواب المفتوحة إلى الباردة والأبواب المغلقة نتيجة خضوعه للقرار السوري الذي قضى بإقالة حكومة الحريري.

فشله في إقامة علاقة متوازنة مع بري في موازاة علاقته مع «حزب الله» تضمن وقوف رئيس المجلس أيضاً إلى جانبه. إتّساع الهوة بينه وبين فرنجية بسبب عدم إيلائه الأهمية اللازمة لهذه العلاقة، ولا تخصيص ايّ جهد لصيانتها، ولا تسليف رئيس المردة أي موقف يوازي دعمه له في الرئاسة.

الدخول في مواجهة مع قائد الجيش العماد جان قهوجي تحت عنوان التعيين لا التمديد مع إدراكه انّ العنوان الفعلي للمواجهة هو مع القوى السياسية لا مع قهوجي الذي لا يمكن ان يحرجه ليخرجه، لأنّ مسؤوليته الوطنية وقسمه العسكري يُرتّبان عليه الاستمرار في موقعه إلى حين تقرر السلطة السياسية خلاف ذلك.

تصدّع علاقته للمرة الأولى وبشكل واسع مع المؤسسة العسكرية، وهذا التصدّع ينعكس على شعبيته داخل الشارع المسيحي الذي كان يؤيّد عون باعتباره ابن هذه المؤسسة التي يحضنها وتحضنه، فيما اصطدامه معها يؤدي إلى التراجع عن تأييده. إطلاقه مواقف من قبيل الفيدرالية أو تبرير التفكير بها بفعل إيصال المسيحيين قسراً إلى هذا الواقع، الأمر الذي وَلّد نقزة إسلامية من طروحاته.

استخدامه الشارع جَدّد النقزة الدولية منه من زاوية خرقه للخط الأحمر الدولي بالاستقرار واستمرار الحكومة، أحيا الانطباع الدولي باستعداد عون للقيام بأي شيء تحقيقاً لأهدافه. عدم تجاوب الشارع المسيحي مع دعوات عون، هذا الشارع الذي أولويته اليوم لقمة عيشه والحفاظ على الوضع القائم…

وإزاء هذا الوضع، أيّ صورة الدكتور جعجع التي راكمت الثقة بأدائها وسلوكها ووسّعت هامش حراكها السياسي من خلال مبادرات عدة، وصورة العماد عون التي تضررت بشكل واسع خارجياً وداخلياً، وحيث لم يبق إلى جانبه سوى «حزب الله» الذي هو بأمسّ الحاجة إلى غطاء مسيحي وتحالفات وطنية، خصوصاً انها أصبحت صعبة ومتعذرة داخل الوسط السني، وبالتالي إزاء هذا الوضع كيف سيتصرف «حزب الله»؟ وهل من مصلحته أن يواصل عون غرقه السياسي؟

وما قيمة هذا الغطاء المسيحي إذا فقد حيثيته السياسية وشعبيته المسيحية؟ وكيف سيتصرف حيال التقدم المتواصل لجعجع والتراجع المتواصل لعون؟ وهل من مصلحته أن يُهزَم عون سياسياً بعجزه عن تحقيق أي من أهدافه السياسية؟ وهل سيبقى في موقع الداعم لعون على مستوى الموقف، ولكن من دون التدخل لتزكية خيارات رئيس التيار العوني؟

وهل يجب توقّع المزيد من تَشدّد «حزب الله» ودعمه لعون بعد زيارة جعجع للسعودية، بمعنى أن يخوض جدياً معركة رئيس التيار العوني من خلال تخلّيه عن المزاوجة في موقفه بين حرصه على الحكومة وحرصه على عون بالذهاب نحو دعم الأخير بشكل مطلق؟ وهل على رئيس «القوات» أن يحتاط أكثر على أمنه وحياته بعد كسره جزئياً للتوازن داخل البيئة المسيحية؟

لا شك أن موقف «حزب الله» صعب جداً، فهو لا يريد الذهاب بعيداً في المواجهة مع «المستقبل» دفاعاً عن أهداف حليفه في وثيقة التفاهم، وفي الوقت نفسه ليس بوارد التفريط بهذا التحالف، وقد يكون المخرج الذي يحفظ ماء وجه الحزب العاجز عن تقديم الخدمات السياسية الرئاسية والعسكرية لعون يكمن في استقالة الرئيس تمام سلام، هذه الاستقالة التي تُفرمل التحرّك والتصعيد العونيين، وتوفّر على الحزب الإحراج بدعمه ومواكبته، لأنّ التمديد العسكري يتحوّل إلى أمر واقع.