زياد الدباس
لا بد بداية من الإشارة إلى العديد من الحقائق المهمة. الحقيقة الأولى أن اقتراض الحكومات ليس مرتبطاً بحجم الاقتصاد أو تنوع الموارد، وبالتالي لا توجد دولة في العالم خالية من الديون، فالحكومات تلجأ إلى الاستدانة لتمويل الاحتياجات الموقتة ولتمويل عجز الموازنة في حال انخفضت إيراداتها عن نفقاتها المتوقعة، وتصدِر المصارف المركزية سندات أو صكوك خزانة قصيرة الأجل لتمويل العجز.
وثمة دول تحقق فوائض في موازناتها العامة، ومنها دول خليجية، تلجأ إلى الديون من خلال إصدار السندات أو الصكوك أو غيرها من أدوات إدارة السيولة في الاقتصاد. ويمكن استخدام أدوات الدين القصيرة الأجل لامتصاص السيولة من الاقتصاد في حالة التضخم. وثمة أهمية للدَّين العام، فهو يمثل وسيلة للمؤسسات المالية ومؤسسات الإقراض المتخصصة، إضافة إلى الأفراد، لتنويع أصولهم وفرصهم الاستثمارية بدلاً عن الاستثمار في أصول تحمل أخطاراً مرتفعة مثل الأسهم أو في أصول منخفضة السيولة كالعقارات. والسندات التي تصدرها الحكومات مهمة باعتبارها تمثل مرجعية أساسية لتسعير الأصول الاستثمارية نتيجة انخفاض أخطارها، وبالتالي تُعتبَر مرجعية أساسية في تسعير عائدات الأصول الأخرى بهدف تحقيق التناسب بين مستوى العائدات ومستوى الأخطار. وبالتالي ليست المديونية صفة خاصة بالدول الفقيرة بل تشمل الدول الغنية أيضاً. فمديونية الولايات المتحدة، مثلاً، تبلغ 18 تريليون دولار أو ما يعادل 105 في المئة من الناتج القومي الإجمالي. وللجوء إلى الاستدانة لتغطية النفقات العامة تأثيرات إيجابية فهو يساهم في خفض مستوى البطالة ويكافح ركود الاقتصاد.
لكن الديون السيادية تشكل أزمة وقد تؤدي إلى الإفلاس عندما تفشل الحكومات في خدمة ديونها المقومة بالعملات الأجنبية لصعوبة تأمين العملات المطلوبة لتسديد الالتزامات المستحقة. ويساهم فشل أي حكومة في تسديد التزاماتها نحو ديونها السيادية أو ظهور مؤشرات تشير إلى ذلك، في خفض تصنيفها الائتماني في سوق الاقتراض الدولي، ما يؤدي إلى فقدانها ثقة المستثمرين في الأسواق الدولية وعدم اشتراكهم في مناقصات لشراء سنداتها في المستقبل، وبذلك تقفز الفوائد والنفقات المستحقة على هذه الديون، فتتراجع أكثر ثقة المستثمرين الأجانب العاملين في هذه الدول، وقد يسحبون استثماراتهم. ويؤدي خروج أموال ضخمة من النقد الأجنبي إلى نقص كبير في كميات العملات الأجنبية لدى هذه الدول يؤثر سلباً في قيمة عملاتها الوطنية ومتانتها.
إن سوء الإدارة المالية وعدم كفايتها لدى بعض الدول من الأسباب الرئيسة وراء أزمات الديون السيادية، خصوصاً إذا أفرطت هذه الحكومات في عدم موازنة نفقاتها مع عائداتها المالية المختلفة. ويفضل العديد من الحكومات تحمل عبء الدين العام على خفض الإنفاق العام أو رفع الضرائب خوفاً من الأخطار السياسية التي قد تصاحب هذه القرارات. وقد يقفز الدَّين العام بنسبة كبيرة في حالات الطوارئ مثل الكوارث والأزمات المالية والحروب، وهي حالات لا يساهم رفع الضرائب في حلها.
وبلغ عدد الدول التي أعلنت إفلاسها خلال القرنين الماضيين 83 دولة نتيجة تخلفها عن دفع التزامات ناجمة عن ديون داخلية وخارجية. وبالتالي فإن إفلاس اليونان لو حصل لن يكـــون الأول من نوعه تاريخياً فالأرجنـــتين أعلنت إفلاسها مرتين خلال 13 سنة، فيما أفلست إسبانيا أربع مرات خلال القرن السادس عشر بسبب الإنفاق على السفن الحربية المخصصة لحماية تجارتها مع القارة الأميركية.