اكد مصدر بارز في المعارضة السورية لصحيفة ”الشرق الأوسط” إن حزب الله ، يضغط على المقاتلين المعارضين في الزبداني للخروج من المدينة، ضمن تسوية تقضي بانسحابهم من دون أسلحتهم “والضغط عليهم للاستسلام”، في حين يجتمع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا اليوم السبت مع فصائل المعارضة في إسطنبول، للبحث في القضايا الميدانية.
وكانت معلومات قد تحدثت عن اجتماعات يعقدها ممثلون عن “حركة أحرار الشام” التي تسيطر على أحياء في الزبداني، الواقعة في ريف دمشق الغربي، مع أطراف دولية لإنجاز اتفاق يقضي بـ”خروج آمن” للمقاتلين المعارضين من الزبداني، بعد أسابيع على إطلاق حزب الله والقوات الحكومية حملتهم إلا أن المصدر المعارض، نفى لـ”الشرق الأوسط” وصول القضية إلى مستوى مناقشة اتفاق، قائلاً إن حزب الله “يدفع باتجاه تسوية مشابهة، تعني استسلامًا للمقاتلين المعارضين، تختلف عن اتفاقات حمص القديمة ( أيار 2014) لجهة عدم السماح للمقاتلين بالاحتفاظ بأسلحتهم الفردية”. وتابع أن الحزب “بدأ استنزاف المقاتلين المعارضين في الداخل، منذ الأربعاء، بعد السيطرة على سهل الزبداني، وإغلاق آخر الأنفاق التي كان يستخدمها المقاتلون في الداخل للتحرك والتسليح”. وأردف المصدر المعارض أن حزب الله، يرفض أن تبقى الأحياء في الداخل بعهدة مقاتلين معارضين يحتفظون بأسلحة فردية على غرار اتفاقات سابقة في بلدة المعضمية أو غيرها في ريف دمشق، بل إن الحزب “يضغط كي يستسلم المقاتلون المعارضون.. ولكن لا يمكن التعويل على وعوده لأنه سينكثها”. واستطرد “في حال تم الاتفاق على خروج مقاتلي المعارضة، فإن الوجهة المحتملة لانسحابهم ستكون باتجاه شمال سوريا، حيث تتمتع حركة أحرار الشام بنفوذ واسع”.
جاءت هذه الاقتراحات بعد إعلان ناشطين في ريف دمشق تقدمًا محدودًا للثوار. إذ أبلغ إسماعيل الداراني، عضو مجلس الثورة السورية في ريف دمشق “الشرق الأوسط”، أن الثوار تقدّموا في الزبداني من جهة الشلاح، وتمكنوا من استعادة نقطتي تمركز للقوات الحكومية هي بناء سمير غانم على طريق سرغايا وبناء الططري على طريق الشلاح، مشيرًا إلى “وقوع عدة إصابات بين عناصر الجيش”. كذلك تحدث عن “احتراق حاجز العقبة بالكامل وتدمير آلياته واغتنام شيلكا وعربة (بي إم بي) BMP وأسلحة”، وقال إن المواجهات أسفرت عن وقوع “عشرات القتلى لحزب الله وقوات النظام”. وذكر الداراني أيضًا أن قوات النظام وحزب الله: “قصفت من حاجز الحوش وخدام وقلعة التل على المدينة”، وتحدث عن سقوط مئات القذائف من حواجز الحوش والمعسكر والأتاسي وخدا، إلى جانب صواريخ من نوع “فيل” الشديدة الانفجار التي استهدف الزبداني.
من جهتها، كتبت صحيفة “المستقبل”: “أنه بعد الهزائم التي تلقتها قوات ميليشيا حزب الله مع قوات نظام الأسد منذ نحو ثلاثة أشهر في عدد من المدن السورية، لم يكن امام المجموعتين من مخرج سوى مدينة الزبداني الاستراتيجية، مع تأكيد الماكينة الإعلامية لحلفاء النظام أن المعركة فيها تندرج في نطاق معركة القلمون نفسها، التي سبق أن روجت لها ميليشيا الحزب منذ عدة أشهر ثم خفتت رويداً رويداً وتتحول مرة أخرى إلى الزبداني بعيداً عن المسار الذي كانت تجري فيه معركة القلمون.
كانت مدينة الزبداني حتى هذا الحين تعيش هدنة مفترضة مع قوات النظام التي تحاصرها منذ نحو عامين، وسط محاولات متكررة لاستعادة السيطرة عليها وقصفها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، قبل أن تأتي الحملة العسكرية الأخيرة. سعى النظام عبر الاعتماد الكثيف على سلاح الجو، لتمهيد الطريق أمام دخول عناصر ميليشيا «حزب الله«، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن المواجهات لم تكن بهذه السهولة، على الرغم من نقل المعركة من الجبل إلى المدينة، فمعركة الزبداني لم تكن سوى معركة مؤجلة بين الطرفين.
نظام الأسد لن يتوانى عن تسوية المدينة بالأرض، وهي في الأساس مدمر نصفها، في ظل القصف المتواصل بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والدبابات ومدافع الهاون والغراد وراجمات الصواريخ، والحشد من ثلاثة محاور، هي محور سهل الزبداني، ومحور مستشفى الباقوني، ومحور طريق الشيخ زايد خلف حاجز الشلّاح، بهدف اقتحام المدينة.
لم يكن مستغرباً التقدّم الذي أحرزته قوات النظام و”حزب الله” من الجهة الغربية للمدينة، عبر السيطرة على منطقة قلعة التل المطلة على الزبداني من الجهة الغربية ومنطقة الجمعيات بعد ذلك، إذ إن الحشد المتوقع دخوله لعناصر “حزب الله” هو من الخاصرة الغربية للمدينة، بغية تأمين خطوط دفاع رئيسية على الحدود اللبنانية، ومنع أي رد فعل لقوات المعارضة من هذا الجانب، إضافة إلى أن معظم طرقات إمداد النظام لـ “حزب الله” بالأسلحة تمر عبر الزبداني من هذا الجانب، فضلاً عن وجود عدد من المقرات العسكرية للحزب القريبة من هذه المواقع، لكن المعلومات المتضاربة تشير إلى تبادل السيطرة على هذه المنطقة بين الثوار وميليشيات النظام وحزب الله.
على قاعدة الاستنزاف وحرب العصابات في القلمون، تحاول مجموعات المعارضة السورية تسيير مجرى المعارك في الزبداني، لكن الظروف الميدانية مختلفة، والواقع العسكري أيضاً، لأن القلمون مساحة شاسعة وواسعة من الجبال الوعرة والهضاب والوديان، فيما الزبداني مدينة آهلة بسكانها ومحاصرة منذ أكثر من عامين.
لم تستطع ميليشيا “حزب الله” الحسم في القلمون، استنزفته حرب الجرود، ولم يعلن النصر المدوي، كما وعد، وعلى الرغم من مرور ثلاثة أشهر على انطلاق المعارك هناك، تخللتها هدن حيناً ومفاوضات أحياناً، انتقلت الأنظار إلى الزبداني، تلك المنطقة التي كانت ما قبل الثورة السورية إستراتيجية بالنسبة لـ”حزب الله”، حيث كان عبرها يأتيه السلاح.
تقود ميليشيا “حزب الله” معركة الزبداني متقدمة على قوات الأسد، عسكرياً عزز الحزب هجومه بحشود عسكرية كبيرة، وإسناد جوي من نظام الأسد، من أجل حسم هذه المعركة، وإعلان النصر سريعاً، وقد حاول الدخول إعلامياً إلى الميدان تزامناً مع انطلاق المعارك بما أنه يريد إرساء جو إعلامي إنتصاري يهدف إلى رفع المعنويات في صفوف مقاتليه وجمهوره ويسهم بإحباط الخصم، في تقليد لما حصل خلال معركة القلمون، خصوصاً أن الحزب يحاول من خلال معركته الجديدة استعجال النصر في المدينة المحاصرة مستفيداً من الحصار ومن مساحتها المضبوطة نوعاً ما.
بالنسبة لحزب الله، فإن هذه المعركة مصيرية، أولاً لعلاقته بها قبل الثورة، وثانياً لانخراطها باكراً في الحراك الشعبي ضمن صفوف المعارضة، وعدم قدرة النظام السوري على استعادتها والدخول إليها باستثناء مرة واحدة بالتفاوض، ليعود وينسحب منها، وبالتالي فإن الدخول إليها اليوم يعتبر «انتصاراً كبيراً» عسكرياً ومعنوياً، خصوصاً أن هناك تسريبات تشير إلى قرار واضح وحاسم لديه بضرورة حسم المعركة، حتى وإن اضطر الأمر لاستنساخ نموذج معركة القصير، في اتباع سياسة الأرض المحروقة والسيطرة التامة.
هناك فارقان أساسيان بين الزبداني والقصير، الأول أن طريقة خوض المعارك في الزبداني اعتمدت على قصف مدفعي وصاروخي عنيف، عبر استراتيجية يعتمدها الحزب ويطلق عليها اسم “الرعب بالنار”، وهذا ما لم يحصل بهذا الحجم في القصير، والثاني هو الحصار المحكم الذي يفرضه الحزب على المدينة، ومن جميع الجهات، بمعنى أنه لم يترك أي ممر آمن لمقاتلي المعارضة للخروج من تلك المنطقة على خلاف الوضع في القصير، فميليشيا الحزب لا تريد خروج المقاتلين من تلك المنطقة إلى أي منطقة أخرى بسبب قرب الزبداني من دمشق ومن القلمون.
اللافت في هذه المعركة أن حجم الخسائر التي تكبدتها ميليشيا حزب الله خلال هذه الأيام كبير جداً وعلى الرغم من الاستعجال في إعلان الانتصار في تلك المنطقة إثر الدخول إلى منطقة الحي الغربي أو منطقة الجمعيات إلّا أن ذلك لم يدم طويلاً، حيث اضطر الحزب الى الانسحاب بعد 24 ساعة من تلك المنطقة بعد استهدافه بعمليات عسكرية كبيرة.
وعلى الرغم من إيحاء “حزب الله” إعلامياً أن المعركة في الزبداني “استراتيجية” وقد تغير معادلات في الأزمة السورية، إلا أن قوات المعارضة تنفي ذلك وتعتبر أن جلّ ما يفعله الحزب هو البحث عن انتصار معنوي يغطي فشل القلمون.
صمود أبناء الزبداني حتى الآن في مواجهة الجار والحليف القديم «ميليشيا حزب الله» الذي كانت قوافل السلاح والعتاد تمر من جرودها إلى مخازنه ومخابئه ومعسكراته الحدودية مع سورية، يثبت أن الهالة العسكرية والإعلامية التي كان الحزب يتمتع بها قد تكسرت وفقدت الكثير من هيبتها وقيمتها في ظل الهزائم المتوالية للنظام وحلفائه في مختلف أنحاء سورية، فأن تحاول بناء مجد عسكري وإعلامي على اقتحام مدينة محاصرة منذ عامين لا تتجاوز مساحة سيطرة المعارضة فيها أكثر من 5 كيلومترات، يشير إلى حجم الدرك العسكري الذي وصلت إليه ميليشيا حزب الله، بعد أن غاصت في «الدرك الأخلاقي» منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة ضد حليفه في دمشق!