كريستيان أوليفر
حتى قبل بضعة أشهر، مدينة أثينري من القرون الوسطى في مقاطعة جالواي كانت تدين بشهرتها في الأساس إلى أغنية. مشجعو رياضة الرجبي وكرة القدم في أيرلندا غالبا ما يبدأون فجأة بالأداء المتحمس لـ “ميادين أثينري”، وهي أغنية تتحدث عن مجاعة البلاد المدمرة في القرن التاسع عشر.
في شباط (فبراير)، تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، منح أثينري طعما آخر من الأضواء، حين قال إن مجموعة التكنولوجيا ستبني مركز بيانات بقيمة 850 مليون يورو هناك لدعم الخدمات الحيوية على الإنترنت، مثل خدمة الآيتيونز ومتاجر التطبيقات.
بالنسبة للسياسيين في أيرلندا، التعهد بالاستثمار من أبل، التي يوجد مقرها الأوروبي فعليا في كورك، كان بمنزلة هبة من السماء. إندا كيني، رئيس الوزراء، وعد بأن تكون هناك “فوائد كبيرة للمنطقة” في الوقت الذي يعاني فيه الساحل الغربي الريفي للخروج من أزمة مالية في البلاد.
بشكل حاسم، لفتة “أبل” الكبيرة تشير إلى أن استراتيجية أيرلندا في تحويل نفسها إلى قاعدة أوروبية لشركات التكنولوجيا الرائدة في الولايات المتحدة لا تزال تحقق فوائد وتوفر فرص عمل. ريتشارد بروتون، وزير الوظائف، يصف مركز بيانات جالواي بأنه “مثال كبير على ما هو ممكن من خلال السياسات الصحيحة”.
لكن تلك السياسات، المغرية جدا للشركات متعددة الجنسيات، تواجه الآن تهديدا وشيكا. في قلب علاقة أيرلندا المريحة مع “أبل” تكمن واحدة من القضايا السياسية العالمية الأكثر إثارة للخلافات: الصفقات الضريبية التفضيلية.
ودبلن في طليعة تحقيق يجريه الاتحاد الأوروبي في البلدان التي يشك في أنها تقدم صفقات ضريبية مميزة غير شرعية للشركات متعددة الجنسيات. تقول المفوضية الأوروبية إنها ستصدر “قريبا” قرارات بشأن أربع قضايا اختبار فاصلة: “أبل” في أيرلندا، و”ستارباكس” في هولندا، و”فيات” للمالية والتجارة و”أمازون” في لوكسمبورج.
غرامات بالمليارات
تستخدم بروكسل منهجية ثورية لكن مثيرة للجدل للغاية لمناقشة قضيتها. وإذا حكمت أن هناك مخالفات، فلديها الصلاحيات لفرض بعض من أكبر العقوبات في تاريخ الاتحاد الأوروبي. فبإمكان المفوضية إجبار الحكومات على تعويض عشرة أعوام من الضرائب غير المدفوعة. وبحسب تعبير أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي: “نحن نتحدث بالمليارات والمليارات”.
وكانت “أبل” قد حذرت مساهميها بالفعل من أنها يمكن أن تعاني ضربة “جوهرية” من تحقيق الاتحاد الأوروبي في حال تم إجبار أيرلندا على إرجاع الأموال.
وتشير تقديرات جيه بي مورجان إلى أنه، في أسوأ الحالات، “أبل” عرضة لخطر خسارة نحو 19 مليار دولار. وعدد قليل جدا من محامي الشركات المنافسة في بروكسل يتوقعون أن تكون أية فاتورة بهذا المقدار المرتفع، لكن العقوبات الكبيرة ستقوم مع ذلك بتغيير قواعد لعبة التهرب من الضرائب من خلال إضافة مستوى قوي من الردع.
حتى الآن، الإصلاحات الضريبية كانت تركز إلى حد كبير على المبادئ التوجيهية الدولية الطوعية، التي غالبا ليست لها قوة إلزامية. ودافعت بلدان الاتحاد الأوروبي بإصرار عن حقها السيادي في جمع الضرائب كما تريد. وقاومت بريطانيا بسهولة خطوات توحيد المعدلات الضريبية في أنحاء أوروبا كافة.
لذلك، فإن بروكسل تلجأ إلى نوع التكتيكات المبتكرة التي عادة ما تكون السمة المميزة لمستشاري الضرائب في الشركات متعددة الجنسيات. فهي تجادل بأن الصفقات الضريبية التفضيلية – “رسائل الراحة” التي تمنحها حكومات الاتحاد الأوروبي الشركات – تقع ضمن نطاق مساعدات الدولة. هذا يعني أنها مساعدات غير شرعية من الدولة وبروكسل تستطيع استخدام “سلاحها الكبير” من طلبات الاسترداد لتعويضها.
تقول أنيليز دودز، مقررة ضريبة الشركات في البرلمان الأوروبي: “إن هذه جميعا قضايا مهمة للغاية – والأحكام ستكون مهمة جدا”. كما تؤكد أن هذه القضايا ستصل إلى قلب ما إذا كانت الشركات متعددة الجنسيات ستحصل على مزايا لن تحصل عليها الشركات المحلية. “إنه ذلك النوع من الظلم الأساسي – انعدام تام للفرص المتكافئة – الذي جعل عديدا من ملايين الناس في أوروبا غاضبين”.
وتضيف دودز أن القضايا الأربع الأولى ربما هي مجرد “غيض من فيض”. وتشير كشوفات مبلغي “لوكسليكس” LuxLeaks إلى أنه تم إصدار الآلاف من رسائل الراحة. وتحقق بروكسل بالفعل في أكثر من 100 قضية في 21 بلدا. وتصر المفوضية على أنها لا تعارض الأحكام الضريبية في حد ذاتها، التي تحتاج إليها الشركات متعددة الجنسيات لتوضيح أين سيتم فرض الضرائب على أرباحها، لكنها تستهدف الانتهاكات حيث الشركات تحاول تحجيم التزاماتها إلى لا شيء تقريبا.
وكان من المتوقع أن تعلن مارجريت فيستاجر، مفوضة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، قرارها فيما يتعلق بالقضايا الأربع بحلول نهاية الشهر الماضي لكن تم تأجيل ذلك. “إنهم لا يجازفون”، هذا ما قاله محام على علاقة بالقضايا، موضحا أن المفوضية تحتاج إلى مزيد من الوقت لإنشاء سابقة قانونية لا لبس فيها في تحقيقات معقدة للغاية، حيث المعلومات غالبا ما تستخلص عنوة من الدول غير الراغبة. وقد وبخت المفوضية لوكسمبورج وإستونيا وبولندا جميعا لعدم تقديمها المعلومات.
ووفقا لمحامين مطلعين على التحقيق، هناك إجماع على أن فريق فيستاجر يسعى إلى إصدار طلبات استرداد في فصل الخريف، على الرغم من أن واحدة من القضايا يمكن أن تنتهي قبل ذلك الوقت. مع ذلك، ستواجه المفوضية عندها طلبات استئناف عاجلة في محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، حيث سيتم اختبار حجة مساعدات الدولة لعدة أعوام. ولإخراج أنفسهم من المعركة، يجلب مسؤولو المنافسة في الاتحاد الأوروبي محامين من دوائر أخرى لاختبار منطق المفوضية.
وتصر أيرلندا على أنه لا يوجد ما هو غير قانوني في أحكامها الضريبية، التي تعتبر مبادئ توجيهية “غير ملزمة”. مايكل نونان، وزير المالية، قال في العام الماضي إن دبلن سوف “تكسب القضية بشكل قانوني تماما وأنه لا توجد حجة قوية من المفوضية”. لوكسمبورج وهولندا تقولان أيضا إنهما لم تفعلا أي شيء غير قانوني.
حجة المفوضية
للتغلب على الدول الأعضاء، سيكون على بروكسل أن تسود في ثلاثة مجالات مثيرة للجدل: “الانتقائية”، و”الميزة”، وقيمة الملكية الفكرية.
واحدة من السمات المميزة لمساعدات الدولة غير القانونية هي أنها يجب أن تكون مصممة لعمل، أو قطاع معين. في محاولتها لإثبات “الانتقائية”، دليل المفوضية الأولي بشأن صفقة “أبل” يركز على قرار بين مستشار الضرائب المفروضة على الشركات ودائرة ضريبة الدخل في أيرلندا في عام 1990. وفقا لوثيقة نشرتها المفوضية، قدم مستشار الضريبة في أبل اقتراحه بصحبة تهديد خفي بأن الشركة “تقوم بمراجعة عملياتها في جميع أنحاء العالم”.
بعد ذلك، ركز القرار على حجز شريحة خاصة بمقدار 30 إلى 40 مليون دولار ستقوم أبل بدفع الضرائب عليها. ووفقا للوثيقة، مستشار الضريبة في أبل “اعترف بأنه لم يكن هناك أي أساس علمي للرقم”.
هذا الترتيب أصبح أكثر إذهالا بعد أن حول جهازا الآيفون والآيباد “أبل” إلى أغنى شركة في العالم. وبحسب المفوضية، شركة أبل العالمية للمبيعات، التي مقرها أيرلندا، كانت تمثل 64 في المائة من إجمالي دخل “أبل” ما قبل الضرائب في عام 2011، البالغ 34.2 مليار دولار. وعلى الرغم من هذا، تقول المفوضية إن الضريبة التي دفعت في أيرلندا في عام 2011، حيث مبيعات “أبل العالمية” جميعها محجوزة تقريبا، كانت ما بين مليوني يورو و20 مليون يورو.
بالنسبة للناشطين، القضية واضحة: أيرلندا منحت “أبل” صفقة انتقائية لإبقائها في البلاد. لكن المفوضية يجب أن تكون حذرة في إجراءاتها؛ في نهاية العام الماضي، رفضت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قرارات المفوضية حول الانتقائية في قضيتين من قضايا الضرائب في إسبانيا.
كذلك يجادل محامو مساعدات الدولة، خاصة في قضية لوكسمبورج، بأن أي أحد كان يرغب في “رسالة راحة” كان يحصل على واحدة. من هذا المنطق، رسائل الراحة لا تبدو انتقائية.
يقول جاي مودرال، وهو محام في شركة نورتون روز فولبرايت: “من الصعب تطبيق مفهوم الميزة الانتقائية في سياق الأحكام الضريبية. ففي حين أن كل حكم ينطبق على حالة معينة، إلا أنه من الصعب معرفة كيف يمكن أن تبرهن المفوضية على أن أية شركة في وضع مماثل ما كانت لتحصل على حكم معادل، مع الأخذ في الحسبان الممارسات في الدولة العضو ذات الصلة”.
وتؤكد أبل أنها “عرضة قانون الضرائب نفسه الذي تخضع له الشركات العالمية الأخرى العاملة في أيرلندا”. وتعترض فيستاجر على أن بروكسل تركز على قضايا حيث هناك “شك أنك تستطيع الحصول عليها لكن المنافس الذي بجوارك لا يستطيع”.
الالتزام لحساب “الميزة” التي تمنحها رسالة الراحة يتطلب مبالغ معقدة للغاية حول ما إذا كان من الممكن أن تدفعه أية شركة دون الحكم الضريبي. القضايا معلقة على التسعير التحويلي – الذي بموجبه تشتري الشركات وتبيع السلع والخدمات داخليا بين مختلف الوحدات – تتحول إلى أرباح لدفع الضرائب في السلطة القضائية ذات الميزة الأكبر. وينظر الناشطون إلى التسعير التحويلي على أنه واحد من أخطر المظالم.
لكن لكسب القضية، سيكون على المفوضية أن تكون دقيقة حول حجم الصفقات غير المبررة. واحدة من التفاصيل في قضية “ستارباكس” هي أن عملياتها في سويسرا تبيع حبوب القهوة إلى الوحدة الهولندية بزيادة تبلغ 20 في المائة لتغطية النفقات. وتحديد ما إذا كان هذا مقبولا أم لا يتطلب حكما رائدا في مجال المنهجية الصحيحة من أجل “مبدأ التكافؤ بين الأطراف” – أي تحديد كم كانت ستكون تكلفة الصفقة نفسها لو أنها أجريت في السوق المفتوحة. لكن “ستارباكس” تنفي ارتكاب أي مخالفات.
حساب قيمة مناسبة للملكية الفكرية هو بمنزلة حقل ألغام آخر بالنسبة لمسؤولي المنافسة في الاتحاد الأوروبي. وغالبا ما تجادل شركات التكنولوجيا بأن أرباحها الخاضعة للضرائب ينبغي أن تنسب إلى المعرفة التي يتم توليدها على الساحل الغربي للولايات المتحدة. وتجادل بأن الضرائب أقل في أماكن أخرى، لأن عمليات التجميع الأساسية، والتغليف والتوزيع لا تسهم كثيرا في الأرباح.
وبسبب تداعيات الملكية الفكرية هذه، نجد أن بعض من في المعسكر الأيرلندي حتى يثيرون الحجة الاستفزازية التي تقول إن أي أموال تم استردادها ستكون مستحقة لوزارة الخزانة الأمريكية، على اعتبار أن أرباح “أبل” الخاضعة للضرائب تم إنشاؤها في كاليفورنيا. مهما كان الذي يستحقها، لن تدرج دبلن بوضع الأموال في الميزانية الوطنية، إذ يقول المسؤولون إن الأموال ببساطة “ليست لنا”.
وعلى الرغم من العقبات القانونية، إلا أن فيستاجر تعهدت بالبت في القضايا “في أقرب وقت ممكن”. وقد أظهرت بالفعل رغبة جريئة لتحدي الأسماء الكبيرة، من خلال إطلاق قضايا مكافحة الاحتكار ضد “جوجل” و”جازبروم”. وفيما يتعلق بالضرائب، تعهدت بضمان “إعادة ميدان اللعب المتكافئ”.
وتحظى فيستاجر بالدعم من جيرت يان كوبمان، رئيس مساعدات الدولة في المفوضية. ولاحظ أحد المحامين، بنوع من المزاح فقط، أن البلدان التي تخضع للتحقيق ينبغي أن تشعر بقلق عميق أن كوبمان يتعامل أيضا مع تداعيات مساعدات الدولة المتمثلة في المليارات التي تم ضخها لإنقاذ النظام المصرفي في أوروبا. وفي حين أن كثيرا من مسؤولي المفوضية يشعرون بالتوتر من فرض غرامات بعشرات الملايين من اليورو، إلا أن المحامي حذر قائلا: “كوبمان يعيش في هذا العالم الذي يتسم بالملايين الضخمة”.
وتصر فيستاجر على أن حملتها الضريبية ما هي إلا جزء واحد من مبادرة أوسع للاتحاد الأوروبي. وتعمل المفوضية كذلك على إحياء خطط لإنشاء قاعدة ضريبية مشتركة في الاتحاد الأوروبي – وهي أساسا مجموعة من القواعد ترسم ما يمكن أن تتوقعه البلدان لدفع الضرائب عليه. هذا التنسيق يهدف أيضا إلى المساعدة في تقليص التسعير التحويلي.
سول بيكيوتو، الأستاذ الفخري في جامعة لانكستر، يقول إن قضايا مساعدات الدولة في الاتحاد الأوروبي ما هي إلا “عصا واحدة” لكنها ستساعد على توحيد المعايير. “في مرحلة ما، قد تقول الشركات إن النهج العقلاني أفضل من التعرض للضرب من كل جانب بجميع هذه العصي”.
أيرلندا ـ “أبل”
القضية: صفقات الضرائب المبرمة في 1991 و2007. بروكسل تجري تحقيقا في ما إذا كان المستوى المتدني من الضرائب المفروضة على معظم المبيعات العالمية يعتبر بمنزلة معونة دولة غير مشروعة من دبلن.
الدفاع: تقول أيرلندا إنها لم ترتكب أي عمل غير مشروع أو غير قانوني وشركة أبل تقول إنها لم تتلق أي معاملة خاصة.
لوكسمبورج ـ “فيات”
القضية: قانون ضريبي صدر في عام 2012. تقول اللجنة إن ترتيبات تحويل الأسعار المعقدة يبدو أنها تسببت في إيجاد قاعدة ضريبة منخفضة بشكل مصطنع قيمتها 2.5 مليون يورو.
الدفاع: تقول لوكسمبورج إنها لم ترتكب أي عمل غير قانوني. وتنفي شركة فيات للتمويل والتجارة أنها تلقت أية معاملة تفضيلية.
هولندا ـ “ستارباكس”
القضية: تركز على ما إذا سمحت السلطات الهولندية لشركة القهوة بهندسة فواتير ضريبة منخفضة بشكل مصطنع من خلال عمليات الشراء بين فروعها المختلفة، استنادا إلى اتفاقية في عام 2001. كانت قيمة الضريبة المدفوعة من خلال عملية التحميص – مع الشركة الهولندية الأم – 715876 يورو في عام 2011 و600 ألف يورو في عام 2012.
الدفاع: تنفي كل من هولندا وشركة ستارباكس ارتكاب أية مخالفات.
لوكسمبورج ـ “أمازون”
القضية: قانون ضريبي في عام 2003. تشعر المفوضية بالقلق إزاء دفع الشركة التابعة الرئيسية لشركة أمازون في لوكسمبورج ضريبة لا تذكر لأنها دفعت مبالغ ريع معفاة من الضرائب إلى شراكة.
الدفاع: تنفي لوكسمبورج وشركة أمازون ارتكابهما أية مخالفات.