Site icon IMLebanon

إمبراطورية بطاقات الائتمان

visacreditcards
وسط مباني متعهدي البنتاغون، والنقابات المهنية في إحدى ضواحي غرب العاصمة الأمريكية واشنطن، يقع مبنى منخفض تحميه مناظر طبيعية، ومحاط بسياج تعلوه أسلاك شائكة. أما الجدران الخارجية فهي خليط من الأبيض والرمادي والأخضر لإرباك المارة عند محاولة الحكم على حجمه من مسافة بعيدة. كما يوفر خندق بعمق 24 قدماً خطاً دفاعياً أخيراً ضد أي شخص يحاول تحطيم جدرانه من خلال مركبة.
وفي حين قد يُعتقد بسهولة أن هذا الحصن قاعدة لإحدى وكالات التجسس الغامضة، إلا أنه في الواقع مكان لشيء أكثر بساطة، ولكن أكثر قوة. فهذا هو المركز الرئيسي لـفيزا -شركة بطاقات الائتمان العالمية. وعندما تمشي عبر الماسح الحيوي الأمني إلى مركز البيانات الخاص بها، من خلال غرفة يوجد بها شاشات فيديو ضخمة وصفوف قديمة من وحدات تخزين البيانات الخاصة بشركة (إي إم سي– EMC) وهي تحوي ملايين المليارات من المعلومات الجاهزة للاستدعاء الفوري، ستجد حاسباً مركزياً ضخماً من فئة (Z) خاص بشركة (آي بي إم)، يقوم بما يصل إلى 100 مليار من العمليات الحسابية كل ثانية. تقريباً في كل مرة يقوم فيها شخص ما باستخدام بطاقة (فيزا) في أي مكان في العالم، تعبر العملية من خلال هذه المنشأة أو من خلال منشأة شقيقة في ولاية كولورادو.
تتحقق الشركة من 500 متغير بشكل فوري، من موقع العميل إلى عادات الإنفاق الخاصة به إلى موقع التاجر، ثم ترسل علامة قبول أو رفض فيما يتعلق بالسماح بالمبلغ ليتم دفعه أم لا. إنها نوع من المعالجة المركزية والحواسيب العملاقة التي كان من المفترض أن يطمسها وادي السيليكون منذ سنوات مع شبكات تبادل المعلومات بين اثنين من الأجهزة والأجهزة الرخيصة المتصلة بالإنترنت.
ولاتزال (فيزا) صامدة. كما أن الشركة، التي بدأت قبل 57 عاماً كجمعية غير ربحية للبنوك، أصبحت عامة عشية الأزمة المالية في عام 2008 وخاضت تلك الفترة بـإجمالي عائد على حقوق المساهمين نسبته %390 على مدى السنوات الـ6 الماضية، وحطت في مرتبة 263 في قائمة (غلوبال 2000) لأكبر الشركات في العالم والتي قامت بها (فوربس) عام 2015.
كما أنها واحدة من أكثر آلات النقد ضخامة على كوكب الأرض. وقد حققت (فيزا) هوامش أرباح تشغيلية بنسبة %60 على عائدات قدرها 12.7 مليار دولار في العام الماضي، وتدفقاً نقدياً بقيمة أكثر من 7 مليارات دولار أمريكي “حيث تتضاءل بجانبه النفقات الرأسمالية البالغة 500 مليون دولار”. قامت (فيزا) بالتعامل مع 100 مليار عملية شراء بقيمة 6.8 ترليون دولار، وفقاً لتقرير (نيلسون) الذي يرصد صناعة بطاقات الائتمان. وهذا ضعف ما حققه المنافس (ماستركارد) و14 مرة ضعف (أمريكان إكسبريس). و(فيزا) تعتقد أن هناك تعاملات أخرى نقدية وبالشيكات بقيمة 11 ترليون دولار في العالم كل عام، والتي قد يتم القيام بها إلكترونياً. وقد نما حجم معاملات (فيزا) نمواً متزايداً بنسبة %10 سنوياً منذ الاكتتاب العام.
ومع ذلك، فإن هناك تهديدات. فقد ربح تجار التجزئة المليارات من الدولارات في دعاوى مكافحة الاحتكار متهمين الشركة بمساعدة البنوك في الإبقاء على الرسوم، والتي يمكن أن تقتطع ما مقداره %2.75 من عائدات التاجر أيضاً، مرتفعة جداً. العملاء يحبون الائتمان السهل، ولكن يكرهون أسعار الفائدة التي يمكن تصل إلى %20. كما يرى أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في الساحل الغربي (فيزا) باعتبارها ديناصوراً احتكارياً، ويضخون مئات الملايين من الدولارات إلى المنافسين الذين يستخدمون (بيتكوين- Bitcoin). وفي الوقت نفسه، ترقب البنوك، التي تجمع الجزء الأكبر من الرسوم من التجار، بحذر جهود (فيزا) لتجاوزها وإقامة علاقات مباشرة مع تجار التجزئة من خلال تقديم معاملات على الإنترنت بنقرة واحدة، وتوفير بيانات متعلقة بسلوك المستهلك تمتلكها (فيزا) فقط.
لا شيء مما سبق يبدو أنه يرعب الرئيس التنفيذي لشركة (فيزا) تشارلي شارف، حيث يقول: “بمرور الوقت سيكتشف جميع الراغبين في منافسةـ (فيزا)، تماماً كما فعلت الشركات حديثة العهد بالنجاح مثل (باي بال) و(سكوير وأوبر)، إنه ببساطة من الأسهل والأفضل اقتصادياً أن تتعاون مع شركته بدلاً من محاربتها. ويضيف: “إن الشركات الأخرى لا تقوم بما نفعله نحن”، كما يقول شارف، 50 عاماً، الذي كان نائباً لرئيس شركة (JPMorgan Chase) جيمي ديمون لفترة طويلة، وتولى منصبه في (فيزا) في عام 2012: “إنهم لا يملكون الشبكة التي نملكها نحن”.
إنه بالفعل مندفع نحو القيام بما سيأتي بعد ذلك: توفير النهاية الخلفية لأنظمة الدفع التي تعتمد على الهواتف الذكية مثل (أبل باي) والإعدادات المماثلة لـ(سامسونغ) وغيرها من الأجهزة النقالة. حيث أمضى الفريق الفني الخاص بشارف أكثر من سنة في العمل مع شركة (أبل) قبل إطلاق (أبل باي) في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. الخطة هي: جني المزيد من مليارات الدولارات من الرسوم سنوياً من خلال جعل (فيزا) وسيلة الدفع المفضلة لكل شيء، وصولاً إلى الهامبرغر بقيمة دولار واحد في مطاعم (ماكدونالدز) وأجرة تاكسي لمسافة قصيرة في سنغافورة، مع كون الهدف النهائي متمثلاً في استبدال النقد نفسه.
يقول جيمس مكارثي، وهو نائب الرئيس التنفيذي المسؤول عن الابتكار والمدير السابق لشركة (آي بي إم) والذي انضم إلى (فيزا) في عام 1999: “استغرقنا الأمر 50 عاماً للوصول إلى 36 مليون تاجر على مستوى العالم”، ويضيف، وهو يحمل جهاز الـ(آي فون) خاصته في الهواء، “نملك الآن 7 مليارات من هذا”.
وقد عمل شارف في أسواق رأس المال منذ سن المراهقة. وقد تدرب في مكاتب والده في شركة (Shearson Lehman Bros) في نيويورك من سن الـ13 وحصل على وظيفة المساعد الشخصي لجيمي ديمون أثناء سنته الأخيرة في جامعة (جونز هوبكنز). وبدلاً من الذهاب إلى (وول ستريت) بعد تخرجه في عام 1987 التحق بديمون في شركة للإقراض في بالتيمور معروفة باسم (Commercial Credit)، بإدارة مصرفي طموح اسمه سانفورد ساندي ويل. ورافق على مدى العقدين التاليين ويل وديمون في العمل بالسوق المالي المتطور فيما اشترى ويل (شيرسون) و(سالومون سميث بارني) و(ترافيلرز انشورانس) وفي النهاية، (سيتي غروب) في عام 1998.
بعد حدوث خلاف بين ديمون وويل في أواخر التسعينيات، لحق شارف بديمون في عام 2000 إلى (Bank One) في شيكاغو، حيث أصبحت علاقة كل منهما وثيقة ببعضهما. ثم تم تعيينه مديراً مالياً في سن الـ35 ثم التحق ببنك (جي بي مورغان تشيس) رئيساً للخدمات المالية للأفراد، بما في ذلك الرهون العقارية، عندما قام بشراء (بانك ون) في عام 2004. وقد قاد شارف أعمال التجزئة وخدمات التمويل العقاري في بنك (جي بي مورغان) خلال الأزمة المالية، أخذ البنك الكبير أموال الإنقاذ الفيدرالية فقط “لأنه طُلِب منا ذلك” كما قال ديمون في وقت لاحق، ولكنه استقال من هذا المنصب في عام 2011 ليصبح شريكاً في الذراع الاستثمارية الخاصة ببنك (جي بي مورغان) البالغ قيمتها 10 مليارات دولار. يقول ديمون، الذي هو الآن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك (جيه بي مورغان تشيس): “إن شارف جاء إليه باحثاً عن التغيير بعد سنوات في نفس الوظيفة في مجال التجزئة.