Site icon IMLebanon

«فاينانشيال تايمز» .. أيقونة الصحافة المالية في أيدي اليابانيين

FinancialTimes

كانا إناجاكي وليو لويس

منذ إنشائها في عام 1888، غطت “فاينانشيال تايمز” عمليات استحواذ لا تعد ولا تحصى، وموجات مفصلة من عمليات الاندماج وتصويب الأوضاع، وتبادل أصول وأقطاب جشعين في قطاعها هي بالذات.

لكن على الرغم من التكهنات الدائمة، إلا أنها لم تغير مالكها منذ عام 1957، عندما أقدمت شركة الإنشاءات البريطانية “إس بيرسون إندستريز” التي راكمت مصالح تجارية راوحت من صحف محلية إلى مصرف لازار الاستثماري، على شراء حصة مسيطرة في “فاينانشيال تايمز” لتكون بمنزلة “استثمار محافظ سليم”.

“فاينانشيال تايمز”، الصحيفة اللندنية ذات اللون الوردي، تحت شعار “الصناعة، والتجارة، والشؤون العامة”، قدمت ذلك الخبر من خلال فقرتين فقط، مشيرة بشكل رسمي إلى أن “إدارتها وسياستها ستستمران تماما كما في الوقت الحاضر”.

وبحلول الوقت الذي أعلنت فيه شركة بيرسون عن صفقة بمبلغ 844 مليون جنيه استرليني لبيع “فاينانشيال تايمز” لشركة نيكاي بالأمس، بالكاد كان يمكن التعرف على الشركتين على النحو الذي كانتا عليه قبل 58 عاما، باستثناء التقيد الصارم بسياسية استقلالية التحرير التي تم تأسيسها في وقت مبكر.

بمعرفة أن استثمارها في بنك لازارد سيستثير انتقادات في حال كان يرى أن “فاينانشيال تايمز” تتأثر بجدول أعمال البنك، تعهد المالك الجديد في عام 1957 بأن البنك لن يلعب أي دور في قرارات غرفة الأخبار، باستثناء تعيين رئيس التحرير. وافتتاحيات “فاينانشيال تايمز” لا تزال منذ عام 1888 تظهر تحت عنوان: “دون خوف ودون محاباة”.

وباعت بيرسون منذ فترة طويلة حصتها في بنك لازارد والأصول المتباينة، مثل أعمال الشمع وحقول الكروم وشركات الإنتاج التلفزيوني، للتركيز على سوق التعليم العالمي، حيث تطلق على نفسها الآن لقب “شركة التعليم الرائدة في العالم”.

وبررت مكان “فاينانشيال تايمز” في المحفظة بالقول إن هذه المنظمة الإخبارية تجلس على طيف “التعليم” هذا. وكانت شركة بيرسون تستخدم محتوى “فاينانشيال تايمز” في الدورات التعليمية المهنية وتمتعت بقوة فتح الأبواب التي تمتلكها علامة “فاينانشيال تايمز” التجارية. لكن “فاينانشيال تايمز” نادرا ما كانت أولوية استثمارية في الأعوام الأخيرة، والمساهمون غالبا ما تساءلوا عما لخصه محلل الأخبار، كين دوكتور، يوم الخميس بقوله إنها “في مكان غير مناسب”.

تلك الأسئلة كانت مسموعة أكثر عندما كانت “فاينانشيال تايمز” تخسر الأموال قبل أكثر من عقد من الزمن، ثم انحسرت حين ارتفعت الإيرادات الرقمية وهوامش الربح. في الأسبوع الماضي قال المحلل كلاوديو أسبيسي، من برنشتاين، إن هذا لم يكن الوقت المناسب للبيع: “أداء فاينانشيال تايمز جيد وآفاقها، إن كانت تتغير، فهي تتغير نحو الأحسن”.

لكن كلما تهافت المالكون اللافتين للنظر، مثل روبرت ميردوك رئيس مجموعة نيوز كورب، وجيف بيزوس رئيس أمازون، على صحف مثل “وول ستريت جورنال” أو “واشنطن بوست”، نفض المحللون الغبار عن نماذجهم التي تقول إن الكل أكبر من مجموعة أجزائه. وجادلوا بأن “فاينانشيال تايمز” كانت بمنزلة جائزة قد تكون مفيدة أكثر لمالك آخر.

في أواخر الثمانينيات بنى ميردوك حصة في شركة بيرسون، لكن سرعان ما باعها. ومع إقدام مشترين محتلمين أكثر حداثة، مثل مجموعتي البيانات المالية “بلومبيرج” و”تومسون رويترز”، على مخاطبة ممثلي شركة بيرسون، قام أعضاء مجلس الإدارة بواجبهم لإيجاد قيمة للمساهمين المتحمسين، مع حرص على الوفاء بالتزام أسلافهم بحرية التحرير في الصحيفة. نتيجة لذلك، كانت مسألة مستقبل “فاينانشيال تايمز” واحدة من المسائل الأكثر حساسية التي واجهها جون فالون، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي في بيرسون في كانون الثاني (يناير) 2013. فهو يشرف على إعادة هيكلة شاملة ويواجه في الوقت نفسه اضطرابا رقميا في أسواق الكتب التقليدية، وميزانيات تعليم تركز على اختصار النفقات في الولايات المتحدة، وجدلا متزايدا حول أعمال التقييم في الشركة.

مارجوري سكاردينو، الصحافية السابقة التي تولت إدارة شركة بيرسون خلال الأعوام الـ 16 السابقة، تعهدت بأن بيع “فاينانشيال تايمز” سيكون “على جثتي”. لكن فالون اعتمد معادلة مصاغة بحذر، واصفا العلامة التجارية بأنها “ذات قيمة عالية وجزء ذو قيمة كبيرة” من شركة بيرسون، لكن دون أن يلتزم بالاحتفاظ بها.

وفي أواخر عام 2012، قال روبن فريستون، كبير الإداريين الماليين، في أحد مؤتمرات المساهمين: “نحن ننظر إلى ملكية ذلك ونقول: هل نحن أفضل المالكين لها؟ حتى الآن الجواب هو ’نعم‘. لكن هذا يمكن أن يتغير”. وعلى مدى العقد الماضي، عملت شركة بيرسون على جعل بيع “فاينانشيال تايمز” في نهاية المطاف أسهل، عن طريق التخلص تدريجيا من أصول أخرى كانت حولها، تتمثل في مصالحها في صحف أوروبية وحصصها في شركات مؤشر فاينانشيال تايمز وشركة آي دي سي لتزويد البيانات المالية.

مع ذلك، احتفظت المجموعة بمجلات متخصصة في الأعمال، مثل “ذا بانكر” و”إنفيسترز كرونيكال”، اللتين امتلكتهما “فاينانشيال تايمز” في عام 1957، وحصة غير مسيطرة بنسبة 50 في المائة في مجلة “الإيكونوميست”، استحوذت عليها “فاينانشيال تايمز” في عام 1928 ـ الحصة الأخيرة تم استثنائها من صفقة شركة نيكاي.

ومع إعادة بيرسون تجديد نفسها، كذلك فعلت “فاينانشيال تايمز” في سوق الأخبار العالمية الرقمية على نحو متزايد. فمن مبيعات أقل من 100 ألف نسخة يوميا عندما اشترتها شركة بيرسون، أصبحت “فاينانشيال تايمز” منتجا عالميا مع أكثر من 720 ألف قارئ يدفعون رسوما، أكثر من ثلثيهم من المشتركين الرقميين.

في عهد ليونيل باربر، رئيس التحرير منذ عام 2005، وجون ريدينج، الرئيس التنفيذي منذ عام 2006، طورت “الصحيفة ذات اللون الزهري” أول أنموذج أعمال رقمية. وكانت تستوفي الرسوم على المحتوى حسب المبدأ، وحازت الريادة في إطلاق أنموذج “مقنن” للوصول إلى الإنترنت وأدخلت أخيرا مقياسا للإعلان يحسب “التكلفة لكل ساعة”، بناء على المدة التي يتم فيها مشاهدة الإعلان الرقمي.

مثل هذه الخطوات، إضافة إلى نمو إجمالي عدد النسخ المبيعة بنسبة 10 في المائة العام الماضي وارتفاع الربحية، ساعدت على إقناع شركة نيكاي بأن “فاينانشيال تايمز” أصبحت علامة تجارية عالمية مع جمهور ذي قيمة، إلى جانب أعمال تنمو رقميا وتتميز عن الصحف المطبوعة المنافسة.

ووفقا لدوكتور: “فاينانشيال تايمز تعتبر بطل الكؤوس في صناعة الأخبار”.

ومع اشتداد المنافسة من الصحف المطبوعة والمنافسين الرقميين الجدد الممولين جيدا، سيتم اختبار تلك النظرية الآن، كذلك السؤال حول ما إذا كان أي مالك جديد سيحترم استقلالية التحرير.

وبالنسبة لكبار المسؤولين التنفيذيين في شركة نيكاي، أكبر شركة إعلامية في اليابان، كان شراء “فاينانشيال تايمز” بمنزلة الصفقة التي كانوا يطاردونها منذ أعوام، في محاولة لتحويل الاسم المحلي بشكل كبير إلى علامة تجارية عالمية والنجاة من خلال التحول إلى الصحافة الرقمية.

وشركة نيكاي، التي تم تأسيسها في عام 1876، لديها 3.12 مليون مشترك، وبنت نفسها لتصبح المطبوعة المالية الأكثر قراءة من قبل الرؤساء التنفيذيين والموظفين الإداريين في اليابان.

وجاءت الصفقة البالغة 844 مليون جنيه بعد أربعة أشهر فقط من تعيين صحيفة “نيكاي” رئيسا تنفيذيا جديدا، هو ناوتوشي أوكادا الذي واصل تطبيق استراتيجية وضعها سلفه، تسونيو كيتا، الذي سعى إلى تعزيز المحتوى الرقمي في “نيكاي” مع إطلاق نسخة رقمية من الصحيفة في عام 2010 والاستثمار في “مونوكل”، مجلة نمط الحياة، وإيفرنوت، الخدمة الرقمية لكتابة الملاحظات القائمة في وادي السليكون. ولا يزال كيتا رئيسا لمجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة نيكاي الأوسع.

وكافحت الشركة لبناء اسمها في الخارج، وهي تتصارع مع عبء واجهته الشركات اليابانية الأخرى، يتمثل في سوق محلية تتقلص وتهرم. فأقل من 30 في المائة من الشعب الياباني يملك أسهما في إحدى الشركات، ما أدى إلى حصة أصغر من القراء بالنسبة لشركة نيكاي. وإجمالي عدد النسخ المبيعة من الصحف اليابانية في آذار (مارس) كان 39.7 مليون، بانخفاض نسبته 15 في المائة على مدى الأعوام الـ 13 الماضية، وذلك وفقا لجمعية ناشري ومحرري الصحف اليابانية. وعانت شركة نيكاي من تراجع بنسبة 11 في المائة خلال الفترة نفسها. واعتبارا من حزيران (يونيو)، كانت شركة نيكاي تملك عدد نسخ مبيعة يبلغ 2.73 مليون مع 430 ألف مشترك رقمي.

وأطلقت الشركة صحيفة باللغة الإنجليزية تحمل اسم “نيكاي آسيا ريفيو” في عام 2013 لبناء ملفها خارج البلاد، لكن الصحيفة تعاني من أجل صنع جمهور.

وفي وقت الإطلاق، وبحسب شخص مطلع، قالت إدارة الشركة إن “نيكاي” ستصبح “صحيفة آسيوية تتميز تماما عن فاينانشيال تايمز وعن وول ستريت جورنال”. وأضاف المصدر: “إن شراء فاينانشيال تايمز يتعارض مع ما كان يقال لنا دائما”.

وجاذبية “نيكاي” باعتبارها مصدرا للمعلومات عن الأسهم اليابانية كانت تتنامى منذ أن أصبح شينزو آبي رئيسا للوزراء وبدأت بورصة طوكيو بمسيرة صاعدة أثارت معدلات قياسية من الاستثمار الأجنبي في الأسهم اليابانية.

وكما يشير بعض المحللين بانتظام، فإن صعود الأسهم اليابانية يميل تاريخيا لأن يكون نتاجا للتطور من استراتيجية “شراء السوق” إلى سوق أكثر انتقائية من منتقي الأسهم.

لكن في الوقت الذي أصبحت فيه عملية البيع علنية يوم الخميس، عبّر بعض الأشخاص داخل شركة نيكاي عن قلقهم إزاء السعر. سعر الصفقة البالغ 160 مليار ين سيؤثر في الميزانية العمومية في “نيكاي”، التي كان لديها 103 مليارات ين من النقدية ومعادلات النقدية اعتبارا من نهاية كانون الأول (ديسمبر). في عام 2014 ارتفعت مبيعات المجموعة بنسبة 4.4 في المائة لتصبح 300 مليار ين (2.4 مليار دولار) في حين أن صافي الأرباح انخفض بنسبة 10 في المائة إلى 10.26 مليار ين.