جمال القعقور
بعد أن اقفل مطمر الناعمة بقرار شعبي، تفاقمت أزمة النفايات وأصبحت المادة الاعلاميّة الأولى في الاعلام المحلّي متجاوزة كافة الأخبار والحوادث المحليّة الأخرى وبالتالي أدار المواطن ظهره لكل ما يحدث حوله من اخبار سارة وغير سارة، من حروب وصراعات مجاورة والاتفاق النووي الاقليمي، واضحى حديثه اليومي موضوع النفايات التي افترشت أرصفة وطرق بيروت وبعض المناطق، ولا يعود الاهتمام الكبير بهذا الموضوع إلى الاضرار الصحيّة والروائح الكريهة والمناظر التي تعكس صورة المسؤولين عن التقصير في هذا الملف فقط، بل لأن الكيل طفح والرأي العام أصبح يتحدث عن حكومة فاشلة ونظام حكم عاجز عن تقديم ادنى مقومات الحياة الكريمة للمواطن، سواء كان لهذا النظام رأس أو لم يكن، فالأحوال هي هي، جميعنا نعيش في دويلة تحكمها طبقة اختلفت على طريقة تقاسم هذه الجبنة الى أن أصابها العفن، ورغم ذلك لا تزال هذه الطبقة تتناحر من اجل نصيب أكبر لبلد صغير الحجم في المساحة، وقليل العدد السكاني حصلت فيه حروب انتهت منذ أكثر من 23 سنة. ولغاية اليوم لم تتمكن حكومات الـ 8 وحكومات الـ 14 منفصلة أو مجتمعة من توفير الحياة الكريمة لأبنائه.
الموضوع يتجاوز حجم ملف النفايات ليصل الى مشكلة اكبر تتعلّق في سوء ادارة الوطن بسبب استمرار بعض أطراف السلطة والسياسييّن، في اعتماد الأسلوب القديم للنهب والسرقة الذي يعتمد على بلع كل شيء دون تقديم أي شيء يُذكر للمواطن، وبالتالي تستمر الأزمات المتعلقة بفقدان أدنى الخدمات المستحقّة التقديم للمواطن من ماء وكهرباء وهاتف وطرق ومعالجة النفايات وغيرها، ويزداد حجم الدين وتتبخّر القروض التي تدفع من الهيئات العربيّة والدوليّة لإنجاز المشاريع ومنها مثلا مشاريع توفير المياه الى بيروت الكبرى. وثمة سبب آخر أدّى الى سوء الاحوال المالية والاقتصاديّة والخدماتيّة في البلاد وبالتحديد ما يخص مستوى الاداء الضعيف لدى بعض المسؤولين في طريقة الادارة والتخطيط، وعلى سبيل المثال تأخير انجاز واقرار نظام السير منذ العام 1998 ولغاية العام 2015، وتطبيق عشوائي غير منظم لهذا القانون الذي ولد ميتا بسبب استمرار المحسوبيّات والتقصير الواضح في طريقة متابعة هذا الموضوع من قبل وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، كما يحصل في الدول الأخرى وتاليا انحصر الموضوع بقوانين سطّرت على نحو جميل على الأوراق وتطبيقها لا يوازي الضجّة الاعلاميّة التي واكبت هذا النظام الجديد للسير.
إن بعض السياسيّين والهيئات الاقتصاديّة الذين ساهموا في تأسيس نظام ضريبي على قياسهم منذ العام 1993 وابتدعوا نظريات لا تمتّ بصلة الى علم الاقتصاد والمال، كنظرية الجنّة الضريبيّة التي طبّقت على حساب ضرائب مباشرة أثّرت على اصحاب الدخل المتوسط والمحدود، التي سددت النقص الذي حصل في قيمة الواردات من خلال تطبيق الضريبة على الاستهلاك بدلا من تطبيقها على الدخل والتهرّب من إقرار نظام الضريبة الموحدة على الدخل التصاعديّة، جميعها عوامل أثّرت سلبا وساهمت في جمود الأسواق والحركة الاقتصاديّة لأنّها ساهمت في اضعاف القوّة الشرائيّة للمواطن التي تعتبر أساس استقطاب الاستثمارات الخارجيّة الى لبنان ، ولم يلتفت أصحاب هذه النظريات الا الى الآثار المباشرة للضريبة التي رفضوا سدادها إلى الخزينة، كما لم يصغوا الى آراء كبار الخبراء المالييّن والاقتصاديين وخبراء الضرائب والبنوك والهيئات الدوليّة التي كانت تحذر دائما من سوء الادارة الضريبيّة في لبنان منذ العام 2002 (اي بعد ظهور الأثر السلبي لسياسات 1993 وما بعدها). والمستغرب بكاء هؤلاء السياسييّن والهيئات الاقتصاديّة على أطلال ساهموا هم بظهورها.
مسموح في هذا البلد أن تجمّد أجور الموظفين والعمال سنوات وسنوات ولا تعطى لهم زيادات سنويّة تواكب نسبة التضخم، ومسموح ان يحرم الموظف من تنفيذ قرار يتعلق بتوفير طبابة الأسنان عبر الضمان الاجتماعي، ولا مشكلة لدى المسؤول في عدم تطبيق قانون راتب المعوّق المقرر منذ سنوات، وحرمان الموظف أيضا من ضرورة اقرار زيادة التخفيضات العائليّة الضريبيّة واقرار زيادة التعويضات العائليّة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وممنوع في الوقت عينه حصول المواطن على حياة كريمة.
وللمسؤولين نقول: ضعوا خلافاتكم السياسيّة وخصوصا الخارجيّة في ثلاجة الحل الاقليمي، واستفيدوا من حاجات الوطن والمواطن للخدمات كافة من طرق وقطارات ومياه وكهرباء وضمان شيخوخة وغيرها وصولا الى النفط والنفايات، استثمروا اموالكم في هذه المشاريع وبذلك تحققون أرباحًا لن نحسدكم عليها لأننا سنحصل بالمقابل على حياة كريمة” وخير مثال يمكن الاشارة اليه في هذا المجال التجربة الناجحة لكهرباء زحلة التي استقلّت عن ملف الفساد ووفرت الكهرباء باستمرار الى أهل وسكان زحلة والجوار وخفّضت بشكل كبير وملحوظ من كلفة فاتورة الكهرباء.