على الرغم من الاتصالات السياسية التي قام بها رئيس الحكومة تمام سلام ووزير البيئة محمد المشنوق، لإيجاد الطرق السريعة للمعالجة الطارئة لأزمة النفايات في الشوارع، إلا أن المعالجات ما تزال في بداياتها، وظهر مؤشر جديد، أمس، يزيد من الاعتقاد بانسداد الافق التقليدية لايجاد الحلول، مفاده أن قوى سياسية، تصنف كبرى، لم تستطع إقناع «جماهيرها» بما اتفقت عليه.
وتبين انه لم يعد هناك من معنى، في الظروف الطارئة، المسارعة في الكشف عن المواقع الجديدة المختارة، خصوصا في ظل اشتداد الأزمة في الشوارع من جهة، وتخوف الناس من ان تصبح المواقع المختارة بشكل مؤقت، دائمة.
هذه الإشكاليات تلخّص ما جرى في اليومين الماضيين من اتصالات رسمية لايجاد مواقع مؤقتة من جهة، والتحركات الشعبية سواء للخروج من هذا المأزق الذي لا يحتمل، أو للاعتراض على مواقع من جهة أخرى.
ولسوء حظ سكان المناطق المنكوبة بتراكم النفايات، فقد تزامن ظهور هذه الأزمة مع موجة حر شديدة ساهمت في تفاعل المواد العضوية في النفايات وفي تصاعد الروائح، على الرغم من الإجراءات السريعة التي نفذها عمال «سوكلين» منذ اليوم الأول للازمة، من خلال الاستمرار في الكنس وتجميع النفايات قرب الحاويات، ورش المبيدات ومادة الكلس التي تقلل من انتشار الموبقات على أنواعها.
ويبدو ان الاتفاق السياسي الذي حصل أمس لنقل النفايات الموجودة على شكل «بالات» من معامل شركة «سوكلين» إلى مطمر مؤقت في سبلين، على ان تبدأ الأخيرة بجمع النفايات من العاصمة بيروت الى المعامل، قد تعثر بعدما قطع أهالي الإقليم الطريق على الشاحنات المحملة، بينما تمت المباشرة بنقل نفايات الضاحية الى موقع مؤقت، في الضاحية.
وتضاربت المعلومات حول مصير المفاوضات لمعالجة نفايات المتن وكسروان مع اتحاد بلديات المتن والبلديات ورئيس حزب الكتائب مع وزير البيئة، اذ أكد البعض ان على وزارة البيئة ان تختار هي المواقع وان لا شيء بعد حول هذا الموضوع، ومن قال انه تم اختيار مواقع والأمر يحتاج الى بعض الوقت، ومن اكد ان الكل يتهرب من تسمية المواقع لاسباب شعبية، فيما بدأت بعض البلديات بإيجاد حلول مؤقتة لنفاياتها، كما في بعض مناطق الجبل.
وهكذا، يمكن الخروج بخلاصة مفادها ان الأزمة تتعمق وان الخيارات باتت محدودة جداً، وأصبحت في دائرة المفاضلة بين السيئ والأسوأ او بين الخطير والأخطر. فالحلول العشوائية التي تقضي بنقل النفايات كما هي الى أي مكان خطيرة بالطبع على كل المستويات، اما الأخطر، في ظل الظروف التي يعيشها لبنان، والتي تتصف بغياب السلطة المسؤولة والمنسجمة بالحد الأدنى، هي ان تبقى وتتراكم في الشوارع وبين الأحياء السكنية وبين ان تتسبب بفتنة اجتماعية ومناطقية ومذهبية، بالإضافة الى تسببها بأضرار صحية وبيئية جمة.
بين هذين الحدين، يرى البعض ان لا افق للخروج من الأزمة التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، الا بالدعوة الى تشكيل خلية أزمة، يدعو اليها رئيس الحكومة وتشارك فيها الوزارات المعنية وممثلون عن القوى السياسية التمثيلية، الممثلة في الحكومة وخارجها واتحادات البلديات المعنية ومنظمات المجتمع المدني المتابعة والخبراء المحايدين.
وذلك بهدف وضع خطة مرحلية للمعالجة، مطعمة بأفكار إستراتيجية وإجراءات عاجلة، كاتخاذ قرارات بوضع ضريبة على بعض المواد، والمباشرة بالفرز من المصدر للتخفيف من حجم النفايات التي ترسل الى المعامل او الى المواقع المختارة، والتخفيف عن البلديات او الشركات التي يمكن ان تلتزم هذه الحلول، لمحاولة كسر الحلقة المفرغة القائمة على تزايد النفايات وخوف الناس وعدم ثقتهم، وتوسيع دائرة من عليهم تحمل المسؤولية عبر المشاركة في إيجاد الحلول.