عزة الحاج حسن
ليس غريباً أن تهبط أسعار الذهب الى أدنى مستوى منذ خمس سنوات، نظراً الى اجتماع العديد من الأسباب الكفيلة بتكبيد المعدن النفيس خسائر كبيرة. ولم تنحصر هذه الأسباب بظروف آنية كالبيانات القوية للوظائف في الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من تعميقها خسائر الذهب وإزكائها المخاوف من استمرار الهبوط، بل اتّسعت الأسباب لتشمل أحداثاً وظروفاً دولية جعلت من أونصة الذهب مادة غير جذابّة للمستثمرين.
الحدثان الأبرز على الساحة الدولية أخيراً، أي الإتفاق في شأن البرنامج النووي الإيراني بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً، والإتفاق الأوروبي في شأن الديون اليونانية، بعثا الطمأنينة في الأسواق العالمية، وهو ما خفّض من لجوء كبار المستثمرين والدول على السواء، الى شراء الذهب، الذي يعتبر استثماراً آمنا في أوقات الأزمات، وخفّض بطبيعة الحال سعر أونصة الذهب الى أدنى مستوى لها منذ شهر شباط من العام 2010، حتى أنها وصلت الى مستوى 1077 دولاراً، ورفع بالتالي من خسائر المعدن النفيس أكثر من 4 في المئة خلال الأسبوع الجاري، وهو أكبر هبوط أسبوعي منذ شهر تشرين الأول من العام الماضي.
ولم تقتصر أسباب سلوك الذهب مساراً انحدارياً على انفراج الأزمتين الإيرانية واليونانية، بل كان لارتفاع سعر صرف الدولار أثر كبير في مسار الذهب، وبحسب خبراء، فإن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي في الثلث الثاني من العام الجاري، ووصوله الى مستوى 0.9 يورو- وهو مستوى لم يبلغه الدولار منذ شهر نيسان من العام الماضي- أديا الى تراجع جاذبية المعادن التي يتم تداولها بالدولار، وبالتالي الى تفوق عرض المعدن النفيس على طلبه.
ولا ننسى الأثر الذي تركته الصين على تراجع سعر الذهب هذا العام، وذلك بعد أن أعلنت الأسبوع الفائت عن ارتفاع حجم مدخراتها من الذهب بنسبة 57 في المئة، غير أن حجم الأرتفاع أتى دون توقعات الأسواق فانعكس انخفاضاً على سعر الذهب، باعتبار أن الصين وهي المنتج الأول للمعدن الأصفر في العالم، لم تعد مهتمة كثيراً بشراء الذهب وادخاره، كما في السابق، ما يعني انخفاض الطلب بشكل كبير. ويبقى السؤال الى أين تتجه أسعار الذهب في المستقبل القريب؟
ورغم استبعاد ارتفاع أسعار الذهب هذا العام، بسبب القوة النسبية للإقتصاد الأميركي مقارنة مع أوروبا والأسواق الناشئة، إلا أن المسار الإنحداري المستمر منذ عامين بصدد بلوغ نهايته، بحسب شركة جي.اف.ام.اس الإستشارية لدى تومسون رويترز، التي توقعت أن يبلغ تراجع أسعار الذهب مداه هذا العام عند 1080 دولاراً للأونصة.
وفور تلاشي عدم اليقين المحيط بتوقيت رفع الفائدة الأميركية، سيصبح الذهب مؤهلاً للصعود من جديد. وبحسب خبراء فإن عوامل عديدة تترقّبها بورصة الذهب ستشكّل دافعاً لانتعاش الأسعار خلال العام المقبل، وتشمل أزمة الديون الأوروبية، ومخاوف التضخم، وتغيّرات في أسواق الصرف الأجنبية والسلع الأولية وإمكانية تدهور مناخ العلاقات الدولية في السنوات القليلة المقبلة، كلها تطورات من المرتقب أن تعيد البريق للمعدن الأصفر في المرحلة المقبلة، وسط توقعات ببلوغ متوسط سعر الأونصة خلال العام 2016 نحو 1250 دولاراً.