كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:
«راحت السكرة وجاءت الفكرة» لدى مسؤولي وكوادر وجمهور «تيار المستقبل»، بعدما بنوا على الخطوات التصالحية التي أجراها الرئيس سعد الحريري للقيادات الزرقاء في السعودية، والاستعدادات التي واكبتها لانجاح الافطار الرمضاني المركزي في 12 تموز في مختلف المناطق اللبنانية، آمالا كبيرة بأن يتبع كل ذلك حلحلة على الصعيد المالي، أقله في دفع الرواتب المتراكمة منذ أكثر من ستة أشهر للموظفين في مؤسسات التيار والملتزمين معه، الذين باتوا يعيشون على وعود لا يوجد أي بصيص أمل لتلبيتها، أقله في المدى المنظور.
وتشير المعلومات الى أن بعض الموظفين المحظيين والمقربين من مواقع القرار، كانوا يعيشون على بعض السلف المالية التي كانت تحسم من رواتبهم المتراكمة، لكن هؤلاء فوجئوا مع بداية شهر تموز بانقطاع هذه السلف.
كذلك، لم يستطع «تيار المستقبل» أن يقدم أية خدمات ومساعدات مالية أو عينية أو صحية خلال شهر رمضان أو عيد الفطر، الأمر الذي أدى الى نقمة شعبية بدأت تظهر معالمها في أكثر من مكان، لا سيما لدى الطبقات الفقيرة التي أحرجت منسقي التيار في أكثرية المحافظات اللبنانية بطلباتها، بعد أن وقفوا عاجزين دون تحقيقها، إلا من تقديمات بسيطة جدا من جيوب بعضهم.
وكان العديد من كوادر التيار تلقوا وعودا بأن ما يقوم به الرئيس الحريري من لقاءات ومصالحات في السعودية بين مختلف الوزراء والنواب والمنسقين، يهدف الى تفعيل عمل التيار من جديد، وأن الافطار المركزي سيكون محطة للانطلاق، لا سيما بعد الخطاب الذي سيلقيه «زعيم المستقبل»، لكن ما تم تسريبه عن لقاءات السعودية بأن الحريري أبلغ الوزراء والنواب والمنسقين «أن الأزمة المالية مستمرة الى أجل غير مسمى»، جعل هذه الوعود تتلاشى، ودفع كثيراً من المستفيدين الى إعادة حساباتهم، خصوصا أن ما كان قبل الافطار والخطاب بقي على حاله ولم يتبدل، سواء على الصعيد المالي أو على الصعيد السياسي.
ويشير مطلعون على أجواء «تيار المستقبل» الى أنه يواجه مشكلة أساسية على المستوى الشعبي مردها الى استمرار إغلاق حنفية المساعدات منذ انتخابات العام 2009، فضلا عن توقف كل المشاريع التي كان وعد بتنفيذها، لا سيما في عرسال بقيمة 15 مليون دولار، وفي طرابلس والشمال بكلفة 20 مليون دولار والتي كان الحريري أعلن عنها على الهواء مباشرة في برنامج «كلام الناس»، حيث حرص على نقل اجتماع لكوادره المتخصصين بالانماء عبر تقنية «السكايب» لكن من دون أن يترجم شيء من هذه المشاريع على أرض الواقع.
ويذكّر المتابعون بالقول المأثور: «الطفر يولد النقار»، لافتين الانتباه الى أن ما يشهده التيار من صراعات وخلافات بين أركانه سوف يستمر بالرغم من اللقاءات التصالحية التي أجراها الحريري، لأن مشاكل التيار لن يكون لها حلّ إلا من خلال أمرين: الأول، انفراج الأزمة المالية التي تضيق حلقاتها يوما بعد يوم على كل المستقبليين، وبالتالي العودة الى تقديم المساعدات والخدمات. والثانية، عودة الحريري الى لبنان، بعدما فشلت نظرية القيادة عن بعد، والتي دفعت بعض القيادات الى أن تفتح على حسابها في بعض الأمور الأساسية، ما جعل «تيار المستقبل» أسير كثير من التناقضات في مواقفه.
وتقول مصادر قيادية مستقبلية لـ «السفير» إن أحدا لا يستطيع أن يعرف كيف يمكن مواجهة هذه الأزمة المالية، لافتة الانتباه الى أن السعودية يجب أن تعي هذا الأمر كونها معنية فيه، وإلا فان «تيار المستقبل» سيتحول مثل أي حزب سياسي ينطلق بتمويل ذاتي.
وتضيف هذه المصادر: نعرف تماما صعوبة أن يسير التيار بتمويل ذاتي، لكن الواقع يفرض ذلك، وعلى جمهور «المستقبل» أن يقبل بهذا الأمر وأن يتعايش معه الى أن يصار الى حل هذه الأزمة، ومن كان يسير الى جانب التيار من أجل المال أو الراتب الشهري ربما قد يتخلى عنه، وهذا غير مأسوف عليه، أما الانسان الملتزم بمبادئ وسياسة التيار فسيتمسك به مهما اختلفت الظروف، وأهلا وسهلا به.