بقلم طوني أبي نجم
في مراقبة بسيطة لمجريات الأمور على الساحة الإقليمية يتضح أن شعار “ما بعد الاتفاق النووي ليس كما قبله” صحيح بدرجة عالية، إنما على عكس ما راهن عليه محور الممانعة من طهران مرورا بما تبقّى من نظام بشار الأسد وصولا الى حارة حريك في لبنان.
هكذا شهدنا التحوّل الجذري في مسار المعارك في اليمن والتراجع الكبير في صفوف الحوثيين الذين كانوا أولى ضحايا الثمن الذي دفعته إيران على مذبح الاتفاق النووي. وهكذا عادت الشرعية اليمنية الى عدن وسط تقدّم يومي مستمر لشرعية الرئيس عبد ربه هادي منصور. وهكذا أيضاً، وللمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السوري يتم الإعلان رسميا عن اتفاق أميركي- تركي لإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية- التركية، وذلك في تطوّر نوعي قد يغيّر مسار المعارك في سوريا، كما يعلن هذا التدخل على الأراضي السورية ما يشبه الاعتراف الرسمي الدولي بسقوط نظام بشار الأسد. وهنا أيضا تكون إيران تدفع مزيدا من الأثمان في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي، بفعل الإقرار بضرورة الإستغناء عن بشار الأسد.
تبقى 3 ملفات مهمة أيضاً: ملف محاربة “داعش”، الملف العراقي والملف اللبناني.
في ملف محاربة “داعش” التوافق الأميركي- الإيراني واضح، إضافة الى الحزم العربي في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي، ما يدفع الى طرح أسئلة عن مدى إمكانية التوصل الى تعاون أميركي- إيراني- عربي في مواجهة تنظيم “داعش”.
وليس بعيدا عن محاربة “داعش”، يبدو التوافق واضحاً بين واشنطن وطهران حول العراق بدءًا بالحرب على “داعش” تحديداً، إنما يبقى موضوع تقاسم السلطة بحاجة الى إعادة نظر لتأكيد الفدرالية المؤكدة.
أما في لبنان فلا شيء واضحاً حتى الساعة. ففي موازاة الاستنزاف الذي يعيشه “حزب الله” في الداخل السوري والذي يضعفه بشكل كبير، تبدو قوى 14 آذار مشتتة وغير قادرة على الاستفادة من اللحظة الإقليمية في حال قرّرت طهران التضحية بـ”حزب الله”. هكذا سيبقى لبنان رهينة الانتظار القاتل لاتضاح الصورة الإقليمية الكاملة، عوض الاستفادة من فترة انعدام الوزن الإيراني بين لحظة توقيع الاتفاق ومرحلة سريان رفع العقوبات الدولية وحصول طهران على حوالى 150 مليار دولار.
أي سيناريو ينتظر لبنان؟ لا أحد يعرف. وما التخبّط الداخلي الذي نشهده على المستويات كافة، من فراغ على مستوى المؤسسات الدستورية بدءًا برئاسة الجمهورية، مرورا بالعجز عن إجراء تعيينات أمنية، وتعثر في عودة الحياة الى مجلس النواب بفعل العجز عن إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، وصولا الى انفجار أزمة النفايات بفعل تلاشي المؤسسات وانهيار القيم والمعايير التي يُفترض أن تحكم في أي دولة.
الثابتة الوحيدة في الملف اللبناني أن الطرفين الإقليميين المعنيين، إيران والمملكة العربية السعودية، لا تبدوان في وارد تقديم تنازلات مهما تكثّفت المساعي الفرنسية- الفاتيكانية، ما يعني أن شدّ الحبال سيستمرّ فوق لبنان وفيه حتى إشعار آخر.
هكذا يتأكد أنّ “ما بعد الاتفاق النووي ليس كما قبله” يصحّ في عدد من الملفات الإقليمية، باستثناء الملف اللبناني الذي لا يبدو أنه سيتأثر بتوقيع الاتفاق النووي في المدى المنظور لا سلباً ولا إيجاباً!