IMLebanon

شركات النفط تكبح الإنفاق لاختبار قدرة تحمُّل المزوّدين

OilGold

كريستوفر آدمز

على الرغم من كل حمّى صُنع الصفقات التي تسببت فيها عملية استحواذ “رويال داتش شل” البالغة 55 مليار جنيه على مجموعة بي جي المنافسة، سيعاني المرء في سبيل العثور على رئيس تنفيذي في مجال النفط يتوقّع موجة من عمليات الاستحواذ تغير وجه الصناعة. لكن استجابة أكبر شركات الطاقة في العالم لانخفاض أسعار النفط الخام لم تكُن أقل إثارة للعجب.

بدون استثناء تقريباً، تعتقد الشركات الكبرى أن فترة طويلة من أسعار النفط المنخفضة بشكل حاد أمر لا مفر منه. لذلك أقدمت بسرعة وبدون ضجة، على تمزيق ميزانيات الإنفاق وفرضت تخفيضات صارمة على التكاليف، وطالبت بوفورات من المقاولين، واتجهت إلى تسريح العاملين.

وغيرت أيضاً طريقة تخطيطها للمستقبل، فتم رفع الحد الأدنى للموافقة على خطط إنتاج جديدة – المشاريع بمليارات الدولارات التي تُعتبر المصدر الرئيسي لدخلها. وتخلّت الشركات عن سعر “التعادل” البالغ 90 دولارا للبرميل، وهو المستوى الذي من المتوقع أن تتطابق فيه الإيرادات مع التكاليف، باعتباره عقبة أمام النجاح. كذلك تخلت عن سعر 80 دولارا للبرميل.

في الواقع، النقاش حول ماذا سيجري يتركّز الآن على المشاريع التي في مستوى سعر يراوح بين 60 دولارا و70 دولارا للبرميل. وإذا فشل خام برنت، المقياس الدولي للأسعار، في الارتفاع عن سعر 55 دولارا للبرميل، حتى ذلك المستوى لن يكون منخفضاً بما فيه الكفاية.

دراسة جديدة أجرتها شركة استشارات الطاقة، وود ماكينزي، تُظهر حجم الاستجابة. تقول الدراسة إن الشركات أجلت إنفاقا رأسماليا حجمه نحو 200 مليار دولار على مشاريع النفط والغاز – ما يكفي لبناء أسطول من أحدث حاملات الطائرات الأمريكية – نتيجة للانخفاض في أسعار النفط الخام منذ الصيف الماضي.

وكان الأثر إحداث فجوة في برنامج الاستثمار الخاص بالصناعة، انعكست على مستودع مواردها الذي يحتاج إلى تطوير لتلبية الطلب على مدى أعوام من الآن. لقد تم تأجيل تطوير ما يُعادل نحو 20 مليار برميل من النفط الموجود في الاحتياطيات، أكثر من حيازات المكسيك المؤكّدة، إلى مسافة أبعد نحو المستقبل.

تأجيل المشاريع الأكثر تكلفة – أو تأجيل “قرارات الاستثمار النهائية” – هو أحد الإجراءات الأولى التي يتم اتخاذها استجابة لانخفاض أسعار النفط. وهذا يعمل على تحرير رأس المال الذي يُمكن استخدامه في أماكن أخرى وتخفيض الإنفاق، الأمر الذي يجعل من الأسهل استيعاب الضرر من انخفاض النفط الخام.

مثل هذه الإجراءات تعمل على تعزيز التدفّق النقدي الحر، الذي ينبغي أن يُساعد الشركات الكُبرى على تغطية أرباح الأسهم. وهذا هو ما يريد المساهمون سماعه. والسبب في أن توزيعات أرباح الأسهم في مجموعات النفط قد زادت مقابل تلك التي في السوق الأوسع هو الخوف من أن يتم تخفيض الدفعات للمساهمين.

علاوة على ذلك، بإمكان الشركات الكُبرى الآن الانتظار إلى حين انخفاض تكاليف شركات التزويد التي تتعامل معها. وبالنسبة إلى المشاريع الصعبة فنياً، هذه يُمكن أن تكون كبيرة. منصات الحفر في المياه العميقة تُكلّف مئات الآلاف من الدولارات يومياً والأسعار انخفضت أكثر من الثُلث منذ تشرين الأول (أكتوبر). وانخفض عدد المنصات في العالم أكثر من 1100 منصة. الانتظار لعام واحد فقط يُمكن أن يؤدي إلى توفير عشرات الملايين من أجل أعمال التطوير المذكورة.

إذن، ليس من المفاجئ أن أكثر من نصف الاحتياطيات التي حددتها “وود ماك” هي مشاريع في المياه العميقة. وهذه تشمل توسيع مشروع ماد دوج Mad Dog التابع لشركة بريتش بتروليوم في خليج المكسيك، ومشروع دومينو التابع لشركة إكسون موبيل قبالة رومانيا. وتراجعت أيضاً مشاريع الرمال النفطية في كندا، وهو ما يشكل 30 في المائة تقريباً من الاحتياطيات المؤجّلة.

بالنسبة لمحلل مورجان ستانلي، مارتين راتس، استجابة الصناعة تُشبه ما حدث في خريف عام 1986، قبل نحو 30 عاماً، عندما أثارت “أوبك” تراجعا في سعر النفط من خلال محاولة الحصول على حصة سوقية.

في ذلك الحين، كما هي الحال الآن، مع قيام مجموعات النفط بتخفيض الإنفاق، كذلك تقلّصت القوة العاملة على نطاق أوسع وتراجعت التكاليف في سلسلة التوريد. وهو يقول “إن الشركات الكُبرى عززت التدفّق النقدي واستعاد المساهمون ثقتهم بأرباحهم”. وارتفع الطلب على النفط، بينما تباطأ نمو العرض من خارج “أوبك”، الأمر الذي أدى إلى إعادة التوازن إلى السوق.

إذن، هل سيكون هذا التراجع بمثابة تكرار لما حدث؟ بطريقة ما، نعم. الإنفاق الرأسمالي ينخفض، في حين إن الطلب على منتجات النفط بدأ يرتفع. مع ذلك، جانب الطلب هو حيث يُصبح وجه التشابه معتلا.

ففي حين إن الإنتاج الأمريكي، وهو هدف “أوبك” هذه المرة، قد استقر، إلا أن شركات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة تبيّن أنها أكثر براعة ومرونة مما توقّعه كثيرون. وارتفع إنتاج منظمة أوبك أيضاً منذ ذلك الحين، لكن هذا قد يكون بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي السعودي.

مرونة النفط الصخري، وارتفاع الأسهم الأمريكية، واحتمال عودة إيران إلى سوق النفط، تفسّر السبب في تراجُع الأسعار بعد أن ارتفعت باتجاه 70 دولارا في أيار (مايو). ومع العقود الآجلة التي تُشير إلى ارتفاع بطيء باتجاه 60 دولارا، فإن فترة إجراء مزيد من تخفيض التكاليف أمامها مسافة أخرى. علينا أن نتوقّع رؤية تأجيل مزيد من الاستثمارات بقيمة مليارات الدولارات.