كتبت باسمة عطوي في صحيفة “المستقبل”: ما إن أعلن الرئيس تمام سلام نيته الاستقالة، حتى تسارعت المناشدات والدعوات من كل القوى والأطياف السياسية، سواء الخصوم أو الحلفاء، بالإضافة إلى الحشود الشعبية والوفود الديبلوماسية إلى دعوته للركون إلى الصبر وسعة الصدر التي تحلى بها، لأسباب متعددة، وفي مقدمها أن البلد بعد الاستقالة لن يكون كما قبلها جراء التداعيات السياسية والأمنية والدستورية التي ستحصل، نتيجة الشلل الذي سيغدو مستحكماً في كافة المؤسسات الدستورية في البلاد، علماً أن رئيس الحكومة يقف منذ الأسبوع الماضي، وتحديداً منذ الكباش الحكومي حول ملف التعيينات ثم إعادة البحث في آلية عمل الحكومة وصولاً إلى اندلاع أزمة النفايات، على حافة خيارات متعددة أحدها التلويح بتقديم استقالته، أو الاعتكاف أو إعطاء مجلس الوزراء إجازة قسرية، بعدما بلغ به “القرف” من العرقلة الحاصلة في مجلس الوزراء مرحلة دفعته يلوح جدياً بإمكان إقدامه على هذه الخطوة خلال جلسة اليوم الثلاثاء، واضعاً في الوقت نفسه نصب عينيه أنه “ابن بيت سياسي عريق لا يمكن أن يزن مواقفه وخطواته إلا بميزان المصلحة الوطنية العامة ومصلحة المواطن”، لكنه مستعد لرمي كرة اللهب الحكومية في وجه الجميع وداعياً إياهم إلى تحمل المسؤولية.
وما يمكن تسجيله على هامش المشهد “السوريالي” الذي تعيشه الحكومة اليوم، هو أن القوى كلها تجاهر بالتمسك بالحكومة وباستمرار عملها لكن بلهجات سياسية مختلفة ووفقاً لمنظورها الخاص للمعالجة، إذ يشدد عضو تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ناجي غاريوس لـ”المستقبل” على أن “التيار الوطني الحر لم يهدف يوماً إلى إسقاط الحكومة ولو أراد ذلك لما كان قبل أن يمثّل بثلاثة وزراء كحزب الكتائب مثلاً، على الرغم من فارق التمثيل الشعبي بيننا، نحن نريد النقاش حول حقوقنا كمكون أساسي للوصول إلى نتيجة والرئيس سلام يؤمن بذلك لكنه مكبّل بالحسابات السياسية، وعلى الرغم من كل ذلك نطلب منه عدم الإقدام على هذه الخطوة لما تجر على البلد من تعقيدات”. ويوافقه الرأي عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض الذي يقول “نحن كحزب الله موقفنا واضح من الحكومة وفقاً للكلام الذي أطلقه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله يوم السبت بأن استقالة الحكومة في غير محلها”.
ويشير عضو كتلة “التحرير والتنمية” النائب ميشال موسى إلى أن “الخيارات أمام البلد ضيقة ولذلك ندعو إلى مزيد من التشاور لمتابعة عمل الحكومة، لأن الاستقالة غير مفيدة في المرحلة الحالية”. كما يلفت عضو تكتل “التغيير والإصلاح” النائب آغوب بقرادونيان إلى أن “على جميع الأطراف السياسية التكاتف لتمرير هذه المرحلة وإقناع الرئيس سلام بعدم تقديم الاستقالة”.
على الضفة الأخرى، يشدد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس على أنه “متضامن مع الرئيس سلام في أي خطوة يقوم بها، وهو يملك الحنكة وميزة عدم التهور التي تمنحه القدرة على القيام بما هو مناسب وطنياً”. ويقول عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب هنري حلو “نحن نتفهم الوضع الصعب الذي يعيشه سلام حكومياً، لكن الأولوية بالنسبة لنا تسيير شؤون الناس بعيداً عن الحسابات السياسية”.
ويؤكد عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب طوني أبو خاطر “أننا نحتاج إلى رجالات مثل تمام سلام وحكمته وسعة صدره خصوصاً في هذه المرحلة بحيث لا نعرف ماذا ينتظر البلد إذا أقدم على الاستقالة”. ويرى عضو كتلة “الكتائب” النائب نديم الجميل “أن على الجميع وخصوصا الرئيس سعد الحريري الحريص على البلد والحكومة، مساعدة الرئيس سلام وعدم تركه في مهب الريح لأن مفاعيل إستقالة الحكومة سيئة على البلد ككل”.
إذاً، لا أحد من اللبنانيين سواء قوى سياسية أو شعبية تريد من رئيس الحكومة أن يقدم استقالته، ولكل منهم لغته ورؤيته الخاصة التي تدعوه إلى مطالبة سلام بالتريث، إذ يقول غاريوس “منذ تأليف هذه الحكومة لم يطالب وزراء التيار الرئيس سلام بالاستقالة، فما يريده التكتل هو مناقشة الملفات المطروحة وإعطاؤنا حقوقنا كمكون أساسي في الشارع المسيحي، ولو لم نكن نريد لهذه الحكومة أن تبصر النور وتستمر لما كنا قبلنا بإعطاء كتلة الكتائب ثلاث وزراء (كحصة التيار) على الرغم من فارق التمثيل الشعبي بيننا، وبالتالي نحن نطلب من رئيس الحكومة عدم الإقدام على هذه الخطوة، ويمكن علاج ملف النفايات بخطوات تقنية، لكن العرقلة سياسية وكذلك الأمر بالنسبة لآلية الحكومة والرئيس سلام يعرف هذا الأمر لكنه مكبل بالحسابات السياسية، وما نطلبه هو المشاركة الحقيقية ونسأل لو كان تيار المستقبل مكاننا فماذا يمكن أن يفعل؟”.
من جهته يشير فياض الى أن “لا تعليق جديداً لحزب الله على الموقف الذي أعلنه السيد نصر الله يوم السبت، وفيه تأكيد على رفض استقاله سلام لأنها في غير محلها”.
ويدعو موسى “الرئيس سلام إلى عدم الاستقالة لأن لا مخارج أخرى في حال قام بهذه الخطوة”، ويقول: “أبدى رئيس الحكومة الكثير من الحكمة والصبر في الفترة السابقة لأن الخيارات ضيقة، ولذلك نقول عليه أن يذهب إلى مزيد من التشاور لاستمرار العمل الحكومي لأن الاستقالة غير مفيدة في المرحلة الحالية”.
ويرى أبو خاطر أن “خطوة الاستقالة صعبة وانعكاساتها سلبية على البلد، لكنها بالتأكيد ليست بسبب مزاج الرئيس سلام بل بسبب الضغوط التي يواجهها داخل الحكومة، نحن لا نعرف ما يعانيه بالتفصيل ونتمنى أن لا يأخذ هذا القرار كي لا نصبح في فراغ كامل لأن الحكومة تؤمن نوعاً من الاستقرار والتهدئة الداخلية، ونحن نحتاح إلى رجالات مثل الرئيس سلام الذي يتمتع بالحكمة وسعة الصدر وبعد الاستقالة لا نعرف ماذا ينتظر البلد”.
ويرى درباس “أنه من السابق لأوانه الحديث عن استقالة سلام، لانها أحد خياراته وهو يعرف أن حكومة تصريف الأعمال لن تتمكن من اتخاذ القرارات، والسبب في هذا الوضع هو بعض الأطراف التي تريد إدارة البلد وفقاً لمصالحها الخاصة”.
ويضيف:” أنا متضامن مع الرئيس سلام في أي خطوة يتخذها، لكنه يملك الحنكة وميزة عدم التهور التي تمنعه من اتخاذ اي قرار يجافي المصلحة الوطنية، وفي حال قدم استقالته فهذا يعني أن اليأس بات طاغياً وفقدنا الأمل”.
ويشدد بقرادونيان على “أن الرئيس سلام حين يقول إنه لن يتهور فهو يعني ما يقول لأنه أبن بيت سياسي يعرف كيف يصبر على المشاكل ويعلم تماماً أن هذه الخطوة لا تفيد البلد”.
ويضيف: “يجب على كل الأطراف السياسية التكاتف لتمرير المرحلة الحالية وإقناع الرئيس في حال لديه النية بالاستقالة للعدول عنها من أجل مصلحة اللبنانيين أولاً وأخيراً”.
ويوافق حلو على أن “الرئيس سلام يواجه صعوبات جمة لكنه صبور وحكيم وتحمّل الكثير، وربما لديه معطيات لا نعلمها وقد حاول تنشيط عمل الحكومة لكنه اصطدم بصعوبات، لكن مردود الاستقالة سيئ على البلد، وعلى الرغم من تفهمنا لما يعانيه لكن الأولوية يجب أن تبقى لتسيير شؤون الناس وليس للحسابات السياسية”.
ويعتبر الجميل “أن استقالة سلام في حال حدوثها، هي خطوة في غير مكانها، إذ سبق للحكومة أن مرت بعواصف كثيرة وقاسية لكنها تمكنت من الاستمرار، وبالتالي على الجميع اليوم سياسيين ومسؤولين تقنيين المساهمة في حل مشكلة النفايات، وعلى الرئيس سعد الحريري الحريص على البلد وعلى استمرار الحكومة أن لا يترك الرئيس سلام في مهب الريح، لأن مفاعيل استقالة الحكومة سيئة سياسياً وأمنياً ودستورياً وبعدها لن يكون أمامنا إلا الفراغ ومن غير المقبول أن نصل إلى هذا الوضع”.