كتب انطوان خوري في صحيفة “الجمهورية”:
الثابت في معادلة الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، الاعتراف بدولة الملالي قوة نووية سلمية على امتداد العقد المقبل، وإبعاد القنبلة النووية مدة مماثلة، بما يتيح لطهران استبدال تقنيات متخلفة راهناً، واكتساب حداثة، تسمح لها إنتاجَ سلاح الرعب خلال اثني عشر شهراً، بعد انتهاء العقد المحدَّد.
إنما غير الثابت في المعادلة الخفية، الاعتراف بحدود الدور الاقليمي المقبول به، والمسموح لإيران فيه، والذي يفتح الشهية على التحاليل بلا سقف.
حدثان يفرضان على المعادلة هذه، حيثيات تؤشر للمستقبل القريب: اليمن وتركيا.
في حال الاولى، انحسار التمدد الحوثي صبيحة توقيع الاتفاق، من عدن كلها، صعوداً الى تعز، وانكفاء النفوذ المباشر وغير المباشر لطهران، عبر عبد الملك الحوثي شريك الرئيس اليمني السابق علي صالح، وتأكيد سلطة الرئيس هادي وحكومته.
وتيرة الحسم في اليمن، قد تفهم باستنفاد طهران الورقة الحوثية، من دون إسقاطها كلياً، وتأكيد الرياض حضورها الفاعل في حديقتها الجنوبية وخاصرتها، بما يعيد حقل المواجهة في اليمن الى مربعات الامر الواقع، بنفوذ سعودي وتسليم ايراني، يدفع ثمنه مباشرة صالح وولده أحمد علي.
في حال تركيا، ليست المعادلة بانقلاب الرئيس اردوغان على داعش، انتقاماً من الهجوم الانتحاري في سوروج، بل بانتفاء القيمة الفعلية لورقة تنظيم الدولة، بين أيدي انقرة، وعلى طاولة مفاوضات النووي الايراني في فيينا.
وسط تقاطع المصالح السياسية الايرانية التركية، وبينهما النظام السوري، وحكومات بغداد، وجد داعش البيئة الملائمة ورئة التنفس السليم، إنما مع تفاعل الخطر الداعشي خارج حدود دولته، ارتدّت أنقرة الى المواجهة على خطين متوازيَين: تقليص حجم التنظيم الارهابي وموارده، بما يلبي الطلبات الغربية، والضغط على الاكراد في سوريا، للجم اقرانهم في تركيا نفسها، بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة، التي منحتهم تسعة وسبعين مقعداً، فيما كان اردوغان يفترض استيعابهم في جعبته.
وانقرة في هذه المعادلة ليست مطلقة الحرية، بل تحاول إمساك العصا الغليظة من الوسط:
فرض منطقة حظر جوّي في العمق السوري، بما يتيح لها وأد شر أيّ خطر داعشي أو كردي، من خلال تطهير الحدود، والقضاء على العدوّ التاريخي، حزب العمال الكردستاني. وفي وقت واحد التماهي مع الاطلسي بمنح واشنطن حرية التحرك عبر قاعدة انجرليك.
هل ثوابت معادلة الاتفاق النووي، تحسم ورقة الحوثي مقابل ورقة داعش، بين طهران وأنقرة؟
قد يسيل حبرُ التحليلات غزيراً للاجابة المستمرة على السؤال، إنما وقائع الاسبوع الاول، بعد الاتفاق، تؤكد ثابتتَين: خفض سقف الطموح الايراني في اليمن، مقابل خفض سقف الطموح الداعشي في سوريا والعراق، من خلال انقرة، من دون إسقاط اوراق الافرقاء واللعبة معاً، بما يمثل جسّ نبض لمدى الالتزام بتطبيق المراحل اللاحقة للإتفاق النووي بالتدريج… وتحت الاختبار والرقابة الحثيثة.