عزة الحاج حسن
كأن الدولة اللبنانية بسياسييها ومؤسساتها اتخذت قراراً بتهجير اللبنانيين من البلد. قد تكون الفكرة “منفّرة” للكثيرين، لكن ما يعانيه المواطن اللبناني في حياته اليومية من مصاعب تصل في كثير من الأحيان الى انعدام مقومات الحياة، لا يشير إلا الى محاولة تهجيره أو الى اختبار سعة صبره في أحسن الأحوال.
لم تكن أزمة النفايات التى اجتاحت بيروت وضواحيها وغالبية المناطق اللبنانية الأزمة الوحيدة التي استحكمت باللبنانيين في الأسابيع الماضية، على الرغم من تعاظمها وارتفاع مستوى مخاطرها على صحة المواطن والبيئة، إذ أضيفت إليها أزمة الكهرباء، المُواكبة دائماً للأزمات المعشية في لبنان. وتزامنت هاتان الأزمتان مع انقطاع نحو 6000 خط هاتف ثابت تابع لهيئة أوجيرو وتوقف خدمة الإنترنت، اثر إشعال النفايات في بعض مناطق العاصمة وتضرّر أربع موزعات أساسية وثانوية. والنتيجة كانت محاصرة سكان بيروت، حيث حضرت النفايات بقوة وغابت الكهرباء والهاتف والإنترنت.
عندما نتحدّث عن أزمة تقنين كهربائي قاس، يتبادر الى أذهاننا فوراً سؤال عن تبريرات المعني الأول بالتغذية الكهربائية، أي مؤسسة كهرباء لبنان، غير أن الأخيرة ما زالت تصر، بحسب مصادر “المدن”، على أن التقنين الكهربائي الحاصل راهناً في بيروت يعود الى أعمال صيانة دورية ولن يقتصر إلا على أيام قليلة، غير أن “الأيام القليلة” لم تنته منذ قرابة الشهر ونصف الشهر. فالتيار الكهربائي يغيب عن أحياء بيروت الإدارية ما لا يقل عن 6 ساعات متقطعة يومياً، من دون الأخذ في الإعتبار القرار الحكومي الذي يستثني بيروت الإدارية من التقنين ويُلزم الشركة بتغذيتها بـ21 ساعة يومياً. أما في ضواحي بيروت فالتقنين يتجاوز الـ 12 ساعة يومياً.
اعتادت مؤسسة كهرباء لبنان على إجراء أعمال الصيانة الدورية للمحولات ولمجموعات التوزيع في فترة الخريف تحضيراً لفصل الشتاء، وفي فصل الربيع تحضيراً لفصل الصيف، وهو ما ينفي حجة الصيانة لتبرير قساوة التقنين. وإذا سلّمنا بضعف الإنتاج، فهذا يستدعي السؤال عن جدوى استقدام بواخر الطاقة التركية منذ سنوات، في حين ان مجموعات الإنتاج الجديدة لم تعمل بعد ولم يتم ربطها بالشبكة. إذاً ما هي الأسباب الحقيقية وراء خفض ساعات التغذية؟
تمارس مؤسسة كهرباء لبنان، بحسب محلّلين، ضغوطاً على المواطنين بخفض ساعات التغذية، في محاولة لتحريك الشارع أملاً باستصدار موافقات من وزارتي المال والطاقة على مشروع المؤسسة القاضي برفع تعرفة الكهرباء هذا العام، وبات من غير المُستبعد رفع ساعات التقنين أكثر في الصيف الجاري في محاولة لطي ملف التعرفة قبل نهاية العام 2015.
ولرفع التعرفة الكهربائية مشروع جاهز في مؤسسة كهرباء لبنان، إذ لا تقل التعرفة المُقترحة عن ثلاثة أضعاف التعرفة الحالية، وإذا أخذنا مثالاً الشطر الأول من التعرفة، فالاستهلاك يصل الى حدود 200 كيلواط فقط بالشهر، والمُقترح أن ترفع التعرفة من 35 ليرة/كيلواط بالساعة الى 100 ليرة/كيلواط بالساعة.
ومع أزمة الكهرباء والهاتف والانترنت، إضافة إلى مشكلة النفايات، يصبح المواطن أمام غياب شبه تام للخدمات العامة وتقصير شبه عمدي من قبل الدولة.