Site icon IMLebanon

النمو العالمي في خطر مع احتمال “كساد الصين”

China-Stock
موسى مهدي

هل انتهت موجة انهيار سوق المال الصيني، وهل تعد هذه الانهيارات موجة عابرة أم مقدمة لتسونامي سيجتاح ثاني أكبر سوق للمال عالمياً بعد سوق وول ستريت، وماهي آثار هذا الانهيار على الاقتصاد العالمي؟ رغم ارتفاع سوق الأسهم الصينية أمس، وتعويض جزء من الخسائر الضخمة التي تكبدتها يوم الإثنين، يرى محللون وخبراء اقتصاد دوليون، أن ما يحدث حالياً في سوق المال الصيني هو في الواقع “انفجار فقاعة” الأسهم الصينية التي تباع من حيث القيمة السوقية بأسعار أعلى كثيراً من ثمنها الحقيقي. وتشير أرقام أميركية إلى أن العائد على الأسهم الصينية بلغ حوالى 60% خلال العام الماضي. وهذا معدل كبير يشير إلى تضخم أثمان الأسهم الصينية. وبالتالي فتوقعات المحللين تشير إلى أن هذه الهزات لن تتوقف خلال العام الجاري، رغم تدخل الحكومة الصينية المستمر لدعم السوق.

كازينو الأثرياء

ظل الأثرياء الجدد يتعاملون في سوق الأسهم الصينية، مثل مقامراتهم في الكازينوهات طوال العشر سنوات التي سبقت العام 2013، الذي بدأت فيه الحكومة الصينية تنظيم السوق ومحاولات تحريره وفتحه للمستثمرين الأجانب.
ولذلك ارتفعت القيمة الرأسمالية لأسعار الأسهم في الصين خلال العقد الماضي، بمعدلات كبرى تبعاً لزيادة عدد الأثرياء وتنامي الثروة. وكانت سوق المال الصيني التي تدار بشكل مركزي خلال تلك السنوات، تعاني من انعدام الشفافية وانحرافات الاستثمار بناء على “المعلومات الداخلية”، التي تتيحها العلاقات العائلية بين المستثمرين ورجالات الدولة في المؤسسات الاقتصادية. وبالتالي يلاحظ أن دورة الفساد المالي وانعدام الشفافية ساهمت في بناء جيل من المليارديرات الصينيين، يعتمد على المضاربات في سوق المال، أكثر من اعتماده على الإنتاج. وهذا الجيل يستفيد في بناء إمبراطورياته المالية من الإنفاق الحكومي، وضخها المال في سوق المال أكثر من اعتماده على الإنتاج. ومن هنا بدأت أسعار الأسهم الصينية تعتمد على المضاربات المبنية على توقعات ضخ الحكومة الصينية لليوانات في السوق، أكثر من اعتمادها على التقييم الحقيقي لثمن الأسهم. ولكن إلى جانب هذه العوامل يجب الأخذ في الاعتبار أن ماكينة الإنتاج الضخمة في بناء “الصين الجديدة”، بدأت تفقد دفعها بنهاية العام 2013، كما أن الصادرات الصينية بدأت تقل مقارنة بمستوياتها خلال الأعوام التي تلت الأزمة المالية في العام 2007. من هذا المنطلق لم يستبعد خبراء الاقتصاد حدوث مزيد من التراجعات في الأسهم الأميركية خلال العام الجاري. في هذا الصدد يرى الاقتصادي الأميركي توم دي مارك، أن الأسهم الصينية ستشهد المزيد من الاهتزازات خلال العام الجاري، حتى يكتمل “انفجار الفقاعة” وتصل أسعار الأسهم الصينية إلى القاع بفقدانها 14% من قيمتها السوقية، أي أن المؤشر المجمع للأسهم الصينية سينخفض إلى 3200 نقطة. وكان مؤشر الأسهم الصينية قد انخفض يوم الإثنين إلى 3725 نقطة. ويلاحظ أن سوق الأسهم الصيني منذ موجة الانخفاضات في 12 يونيو/حزيران الماضي فقدت حوالى 38% من قيمتها السوقية.

ويفسر إقتصاديون أميركيون عودة سوق المال الصيني للارتفاع أمس الأربعاء ، بأنه يعود إلى توقعات المستثمرين بتدخل الحكومة لدعم السوق مثلما حدث خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي. وبناء على هذه التوقعات ارتفع سوق الأسهم الصينية بنهاية تداولات أمس الأربعاء، للمرة الأولى في 4 جلسات، بدعم تكهنات حول دعم حكومي لسوق المال في البلاد، وليس بدافع أسباب إيجابية.

وحسب رويترز، خسر مؤشر الأسهم الرئيسي في الصين أمس حوالي 11% في الجلسات الثلاث الماضية، مع مخاوف المستثمرين بشأن معدل نمو الاقتصاد، وتراجع شهية المستثمرين الأفراد نحو السوق. وصعد مؤشر “شنغهاي” المركب بنحو 3.4% ليصل إلى 3789 نقطة عند الإغلاق، ليسجل أرباحا تبلغ 17% منذ بداية العام، رغم التداولات المتذبذبة الشديدة. وكانت الحكومة الصينية قد تعهدت بالتحقيق في الهبوط الكبير الذي تعرض له السوق يوم الإثنين الماضي، بعد أن فقد نحو 8.5% من قيمته، كما أكدت استمرار عمليات الشراء من قبل الشركات الحكومية في السوق. من جانبها ترى مجلة الإيكونومست البريطانية، أن هنالك عاملين، يؤكدان أن انفجار فقاعة الأسهم الصينية سيتواصل، الأول هو ارتفاع نسبة سعر السهم إلى الدخل في مؤشر الأسهم الصينية إلى 130 نقطة، وهو ما يعادل ضعفي المعدل المعقول. والعامل الثاني الفارق الكبير بين سعر أسهم الشركات الصينية في بورصة هونغ كونغ وبين أسعارها في بورصة شنغهاي.

مخاطر التنين

ترتفع حدة المخاوف من انفجار فقاعة الأسهم الصينية على النمو الهش في الاقتصاد العالمي وأسعار السلع، خاصة النفط الذي بات يعتمد على الاقتصاد الصيني الذي يفوق حجم استهلاكه سنوياً 11 مليون برميل، يصل منها حوالى 6 ملايين برميل من الحقول العربية. وتعود هذه المخاوف إلى أن الصين أصبحت لاعباً مهماً في الاقتصاد العالمي، من حيث ثقلها في تحريك النمو العالمي، وضخها للاستثمارات وقوتها الشرائية على صعيد تحريك معدلات النمو الاستهلاكي العالمي ودفع الطلب على إنتاج السلع والخدمات. ويعد سوق المال الصيني الذي يبلغ حجمه 6 ترليونات دولار، ثاني أكبر سوق عالمي بعد سوق المال الأميركي الذي يفوق حجمه 21.5 ترليون دولار. ويعد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، حيث يبلغ حجمه حوالى 10 ترليونات دولار، مقارنة بالاقتصاد الأميركي الذي يبلغ حجمه 18 ترليون دولار. ولكن أهمية الاقتصاد الصيني لا تنبع فقط من حجمه، ولكن من قدرته في التأثير على أسعار السلع الرئيسية مثل النفط والغاز الطبيعي والمعادن التي تدخل في الصناعات. ومن هذا المنطلق، ينظر الاقتصاديون بحذر شديد إلى أية مؤشرات سالبة في الاقتصاد الصيني، الذي ظل طوال سنوات الركود العجاف ماكينة دفع رئيسية للنمو الاقتصادي العالمي. ويلاحظ أن الاقتصاد واصل النمو بمعدلات تفوق 7.0% منذ عام 2008 الذي اندلعت فيه أزمة المال. ومنذ الفتح الجزئي لشراء الأسهم الصينية عبر نافذة سوق هونغ كونغ، ضخ المستثمرون الأميركيون مليارات الدولارات في الأسهم الصينية، كما تستثمر الشركات الأميركية والأوروبية بكثافة في التصنيع بالأسواق الصينية. وبالتالي فإن مخاطر انزلاق السوق الصيني تقلق الساسة ورجال المال في أنحاء العالم.