ما إن وصل خالد مصطفى محمّد، الملقّب بـ “خالد حبلص” نسبةً لقريته الأم الحبالصة (قضاء عكّار)، إلى المحكمة العسكريّة للإدلاء بإفادته عند قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا، حتى حاول أن يتملّص من الاتهامات الموجّهة له بشأن استهداف العسكريين.
لم يأتِ صاحب “ثورة رفع المظالم واسترداد الحقوق” على ذكر خطاباته الناريّة في “مسجد هارون” في منطقة بحنين، والتي كانت بعضها تدعو للانشقاق عن الجيش.
نسي حبلص هذا كلّه، وتنصّل من عمليات إطلاق النار على الجيش التي قامت بها مجموعته، خصوصاً عند اندلاع معارك بحنين. حصر إمام “مسجد هارون” كلّ هذه الاعتداءات على الجيش بأنها كانت بمبادرة فرديّة من بعض أفراد مجموعته وبعضها الآخر لصقها بجماعة الفار أحمد الأسير ولا سيّما مرافقه من آل النقوزي الملقّب بـ “أبو خالد”!
وأشار حبلص في إفادته الاستنطاقيّة إلى أنّ جلّ ما فكّر به هو إطلاق ثورة للدفاع عن المظلومين بعد إذلال عدد من الشبان على الحواجز والتصرفات الطائفيّة التي كان يقوم بها عناصر الجيش، وذلك بعدما لم يلمس “الشيخ” أي تغيير بعد مراجعة المسؤولين الأمنيين الذين كان على تواصل معهم، وهم: العميد عامر ح. والمقدّم أحمد ع.
بالرغم من ذلك، فإنّ حبلص لم ينف أنّه كان يمتلك أربع مجموعات مسلّحة تتألّف من نحو 50 شخصاً مقسمين على أربع مجموعات بقيادة كل من: فادي عكوش وخالد عكوش وظافر البحصة وأبو يزيد، كما أنّ هذه المجموعات كانت تضمّ عدداً من السوريين الذين التحقوا به بعد سقوط قلعة الحصن بيد النظام السوري، وإلى جانبهم أيمن محيش الذي كان يقاتل معهم في سوريا، عازياً أمر تشكيله مجموعات عسكريّة إلى أنّ “السياسيين ورجال الدين والشخصيات يملكون مجموعات”.
وأبرز ما أدلى به خالد حبلص أنّ أحمد الأسير شارك في معارك بحنين في 24 تشرين الأوّل الماضي، وكشف أنّ مجموعة الأسير التي كانت متمركزة إلى جانب مطعم “الصّديق” بقيادة “أبو خالد النقوزي” هي التي استهدفت الجيش، وطلبت في ما بعد الدعم فأرسل حبلص مجموعة فادي عكوش لمساندة “مجموعة النقوزي”، لتندلع بعد ذلك المعارك، فيما حمى إمام “مسجد هارون” ظهره جيداً، إذ لفت الانتباه إلى أنّه أرسل المجموعة من دون أن يعطي عكوش الأوامر بإطلاق النار على الجيش، وفيما كان أرسل مجموعاته سابقاً لقطع الطرقات بعد إلقاء القبض على أحمد ميقاتي (أبو الهدى)، مؤكّداً في الوقت عينه أنّ لا علاقة بينه وبين ميقاتي على اعتبار أنّ “كلّاً منا له تفكيره”.
وتفيد الرواية التي أدلى بها حبلص أمام القاضي أبو غيدا أن الأسير لجأ إليه في أواخر العام 2013، وعند وصوله إلى الشمال، طلب من عكوش أن ينقله إلى شقة بالقرب من “مدرسة السلام” حيث قطن فيها مع عائلته وشقيقه أمجد وكان يتردّد عليه معتصم قدورة وزوجته.
وبعد أن استقرّ إمام “مسجد بلال بن رباح” في عكّار، بدأ بتمويل حبلص بالمال بغية شراء الأسلحة وتنظيم الصفوف، وعرّفه أيضاً على “ابو أحمد الصيداوي” لأنّه يملك خبرة عسكريّة وقام بتدريب مجموعات حبلص على استخدام السلاح.
وبعد اندلاع المعارك وبدء الجيش اللبناني بقصف مواقع المسلحين بطائرات حربيّة، قام فادي عكوش بتهريب الأسير عبر البساتين باتجاه تربل، من دون أن يعرف وجهته اللاحقة، فيما هو كان آخر الهاربين عبر البساتين نفسها، مشيراً إلى أنّه لم يحمل السلاح إلّا أثناء هروبه حينما استلّ بندقيّة من نوع “ام 16” وهرب من دون أن يتواصل مع أفراد مجموعته لعدم وجود وسائل اتصال.
وبعد هروبه بحوالي الشهر، صار يتنقّل بهويتين مزورتين الأولى لشقيقه من والدته هيثم قبوط والثانية لصهر صهره هيثم خضر، ثم خضع لعمليات تجميليّة في وجهه. ويعزو ابن الأربعين عاماً سبب خضوعه للعمليات إلى كسر في أنفه بعد إصابته أثناء تمارين كمال الأجسام، وما لبث أن قام بشدّ وجهه (لجهة عيونه) لإزالة التجاعيد. وبعد ذلك، صار بإمكان “الشيخ” أن يتنقّل في كلّ أنحاء طرابلس (ما عدا المنية) من دون أن يعرفه أحد.
وإذ ينكر حبلص أن يكون على علاقة تنسيق مع خالد خياط (المسؤول في تنظيم داعش وقبله في جبهة النصرة)، لفت الانتباه إلى أنّ علاقته مع أسامة منصور بدأت حينما طلب منه المقدّم محمد ع. التواصل معه لأنه خطف اثنين من العسكريين.
وروى أن اللقاء الأخير مع منصور (في نيسان الماضي قبيل إلقاء القبض عليه ومقتل منصور) تناول الأحداث الأخيرة والوضع في طرابلس، بالإضافة إلى المفاوضات بشأن العسكريين المخطوفين وإمكان شمولها ملفّ بحنين، مشيراً إلى أنّ منصور أخبره خلال هذا اللقاء أنّه قطع التواصل وارتباطه مع “النصرة” منذ أشهر.
من هو خالد محمّد؟
إنّها القضيّة رقم 78 المدوّنة على الـ “رول” المخصّص للمحاكمات في المحكمة العسكريّة”، أمس، والتي تشير إلى أنّ المدعى عليهما هما: أسامة بخاش وخالد محمّد، بتهمة الانخراط بتنظيم “جند الشام”. ومع ذلك، لم يتوقّف كثيرون عند المدعى عليهما باعتبار أنّ تهمتيهما ليستا حديثتي العهد على ما يبدو.
وما هي إلا دقائق، حتى نادى رئيس المحكمة العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم للمدعى عليهما، ليدخل خالد محمّد، الشاب بهيّ الطلعة بجسم نحيل ورياضي ولحية مرخيّة على عباءة بيضاء شرعيّة زادت من بياض وجه محمّد.
لم تنعقد الجلسة بسبب عدم توكيل بخاش محامٍ عنه، إلا أنّ محمّد رفض أن يعود إلى الداخل قبل أن يعبّر عن انزعاجه بسبب سوقه إلى المحكمة منذ الساعة السابعة صباحاً وتركه في النظارة حتى الساعة الثانية والنصف (موعد جلسته) مكبّل اليدين ومعصوب العينين ما يقلّل من تركيز الموقوف أثناء استجوابه. وتدخّل وكيل محمّد المحامي حسين موسى شارحاً وضعه، ليتجاوب العميد ابراهيم طالباً من العسكريين في المحكمة عدم تكبيل أي موقوف داخل المحكمة أو عصب أعينهم، وطلب منهم أيضاً إعطاء محمّد كوباً من الماء.
حتى هذه الساعة، لم يعرف أحد من المتواجدين داخل “العسكرية” أنّ الماثل تحت القوس ليس إلا خالد حبلص باسمه الحقيقي خالد مصطفى محمّد، بالإضافة إلى تغيّر ملامحه بعد خضوعه لعمليات تجميل في وجهه وخسارته للكثير من وزنه بعد توقيفه. ومن المتوقع أن يصدر القرار الاتهامي بحقّ حبلص خلال الأيام القليلة المقبلة بعد أن أنهى قاضي التحقيق العسكري الأوّل استجوابه.
وكان العميد ابراهيم قد استجوب أيضاً المعاول أوّل السابق فايز عموري، الموقوف منذ حوالي العام، بتهمة إخفائه معلومات أمنيّة يعرفها عن طارق الخياط وزياد الخياط المنتميين إلى تنظيمات إرهابيّة، بالإضافة إلى تصوير شريط فيديو بهدف المس بمعنويات الجيش وعلى التخلّف عن الخدمة.
وقد قررت هيئة المحكمة العسكريّة الحكم على عموري بالسجن سنة ونصف السنة، والحكم على طارق وزياد الخياط غيابياً بالأشغال الشاقة المؤبدة.