جواد الحطاب
بدأت ملامح الفساد المالي في العراق تتضح مع أول 8 مليارات حصل عليها العراقيون في زمن الحاكم الأميركي بول بريمر، كمعونات لإعادة إعمار البنى التحتية التي خربتها قنابل وصواريخ التحالف الدولي، لكن تلك المليارات اختفت ولم يعرف مصيرها إلى اليوم.
ومثلما تكبر الدوائر المائية حين تلقي في النهر حجرا، كبرت دوائر الفساد المالي والإداري إلى الحدّ الذي أصبح فيه العراق في مقدمة بلدان العالم من حيث الفساد والرشوة وابتكار الشركات الوهمية والمشاريع التي لا وجود لها إلا على الورق، بحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية الأخير الصادر في يوليو الماضي، الأمر الذي حدا بشخصية سياسية وحكومية ومن الصف الأول في الكابينة الوزارية الحالية إلى أن يصرّح بأن “العراق خسر خلال سنوات حكم المالكي الثماني 1000 مليار دولار (تريليون دولار) من دون أن ينجز منها شيء”، والكلام موثق في لقاء متلفز وموجود على “يوتيوب” لنائب رئيس الوزراء بهاء الأعرجي.
حلب الوزارات
في عهد الحكومة السابقة انتشر مصطلح “الفضائيين”، وهم الجنود أو الموظفون الذين يقبضون نصف الراتب ونصفه الآخر يذهب إلى رؤسائهم مقابل عدم دوامهم، مثلما كشف سقوط الموصل وفشل القيادات العسكرية في الدفاع عنها أمام “ثلّة” من الإرهابيين، عن واقع عسكري مريع يتمثل بـ”بيع المناصب العسكرية” لكائن من كان، شريطة أن يدفع أكثر لرجال متنفذين في مكتب القائد العام للقوات المسلحة، فكان أن أسندت مناصب عليا لضباط من الدرجة العاشرة، أسقطهم داعش بـ”الإشاعة” فقط، وليس بالمواجهات المسلحة، وكانت رتبهم العالية موضوع تندر لغالبية وكالات الانباء والتلفزة العالمية.
الواقع العسكري كان مسحوبا على الواقع المدني، فيقول عضو البرلمان السابق “فتاح الشيخ” بإمكانك أن تكون وزيرا شريطة أن تقدم “صكا مفتوحا” للجهة التي صارت هذي الوزارة أو تلك من حصتها.
وهكذا شغلت الوظائف الهامة والمراكز الوظيفية العليا بأشخاص غير مؤهلين وغير ذوي كفاءة، مهمتهم الأساسية هي تعويض ما دفعوه من أموال لشراء المنصب، وترتيب فوائد عليه، وهو ما يسميه المراقبون في العراق “حلب الوزارات”.
فساد السمكة من رأسها
يكتب رئيس هيئة النزاهة السابق القاضي موسى فرج، الذي آثر الاستقالة على الانخراط بهذا التيار، وألّف مجموعة من الكتب يفضح فيها ما رآه وما لمسه وما لم يستطع تصحيحه، فيقول في كتابه “قصة الفساد في العراق” إن “موازنات العراق السنوية تفوق موازنات 5 من الدول المجاورة مجتمعة وهي الأردن وسوريا ولبنان ومصر وفلسطين، في حين أن نفوس العراق لا تتجاوز ثلث سكان مصر، لكن معدل الفقر في العراق يفوق معدلات الفقر مجتمعة في تلك الدول”.
ويضيف فرج “الوزارة الأولى في الفساد هي وزارة الدفاع، والثانية هي الداخلية، تليهما النفط ثم الكهرباء فالتجارة فالصحة وآلاف الرواتب الوهمية التي سميت لاحقا بالفضائيين، من بينها 50 ألفا في وزارة الداخلية، أما الأمانة العامة لمجلس الوزراء فقد وصفتها ببؤرة الفساد في الحكومة”.
ولذلك لم تستغرب لجنة النزاهة البرلمانية حلول العراق في المرتبة الرابعة ضمن الدول العشر الأكثر فساداً في العالم وفقا لمؤشر منظمة الشفافية الدولية والذي شمل 174 دولة، وعدته متوقعا.
وأوضح رئيس اللجنة، طلال الزوبعي، في تصريح صحافي، إن “تصدر العراق لهذه المراتب دليل على بقاء المفسدين وتمتعهم بالحرية، بسبب حالات الفساد المستشرية في العراق، والتي كانت من أسبابها غياب الحسابات الختامية وضعف الرقابة على المؤسسات والمشاريع”.
توقعات بعجز متزايد
ووفق آلية ملتبسة رافقها الكثير من الاحتجاج، صوّت مجلس النواب العراقي على ميزانية البلاد العامة للعام الحالي 2015 بقيمة 115 مليار دولار، وبعجز 22 مليار دولار، واعتماد 56 دولارا لبرميل النفط، وخصص منها 26 مليار دولار للأمن والدفاع.
وكانت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي قد توقعت أن نسبة العجز في موازنة العام المقبل 2016 ستتجاوز 30% في حال بقاء واردات النفط العراقي خلال العام المقبل 2016 كما هي عليه في النصف الأول من العام الجاري.