حاول آلاف اللاجئين في الأيام الأخيرة عبور نفق “يوروتونيل” في كاليه الفرنسية متوجهين إلى بريطانيا. بيرند ريغيرت رافق اللاجئين أثناء رحلة عبورهم ونقل لنا مشاهداته من كاليه.
“هيا، سنبدأ الآن، سنحاول العبور”، هكذا يقول أحد الأشخاص بصوت غليظ لمجموعة تضم نحو 30 شخصا ويطلب منهم اتباعه للمشي فوق ممر زراعي صغير، وذلك بعدما انتظرت المجموعة، التي تضم مهاجرين من إفريقيا، ساعات طويلة في غابة صغيرة بالقرب من نفق “يوروتونيل”.
الوقت هو منتصف الليل، ويحاول المهرّب قطع السياج المعدني العازل عبر آلة قص خاصة شكلها شبيه بالمقص. وينجح المهرب في قطع جزء من أسلاك السور المعدني وينحيها جانبا ويعمل فتحة يمر منها الأشخاص. وفي هذه الفتحة يمر أول اللاجئين مرتديا سترة حمراء ومن ثم يتسلق فوق جدار حديدي آخر ليقفز إلى الجهة الأخرى. وبسرعة يتبعه ثمانية رجال آخرين يحملون أضواء مشعة وهم عاملون في ثلاث محطات تلفزيونية ويحاولون تغطية أخبار الوضع هناك. وبعد دقائق من ذلك تمر سيارة شرطة بصفارات الإنذار في الجانب الآخر. السيارة فيها أربعة رجال من الشرطة وعرفوا أن أحدهم حاول قطع أجزاء من السور الحديدي العازل، كون السور مزود بمتحسسات خاصة. وبعد أن تأتي الشرطة قرب السياج يهرب اللاجئون بعيدا عنهم.
ويعمل في “يوروتونيل” هذه الليلة نحو 200 من عناصر الأمن الموظفين لدى شركة “يوروتونيل”، بالإضافة إلى 300 من الشرطة الفرنسية. ويحاول مئات اللاجئين الهروب عبر مجموعات صغيرة ودخول منطقة تقع على مشارف النفق ومن ثم التسلل إلى السيارات والقطارات العابرة إلى بريطانيا. ونجح 100 إلى نحو 150 منهم هذا اليوم فقط في العبور فوق الأسوار وتمكن عناصر الأمن من القبض عليهم، كما ذكرت شركة “يوروتونيل” صباح هذا اليوم للصحفيين.
ولكن لا يعرف ما هي أرقام الذين نجحوا في الصعود والتسلل إلى إحدى قطارات الشحن أو الشاحنات المتوجهة إلى بريطانيا. ولا توجد أرقام رسمية عن ذلك.
ويحاول اللاجئون المنظمون جيدا في مجموعات صغيرة ومنذ أسابيع إشغال الشرطة عبر فتح ثغرات كثيرة في السور الحديدي العازل وإلهائهم بها لتحاول مجموعات أخرى الهروب من مناطق ثانية من السور ومن ثم العبور إلى مشارف النفق. وتحدثت الشرطة الفرنسية عن نحو 3500 حالة فتح في الجدار هذا الأسبوع فقط، ولكنها خلت من أي حالات لمصادمات أو عنف من الجانبين لغاية الآن.
رحلة طويلة تستمر عدة أشهر للوصول إلى بريطانيا
حامد هو لاجئ سوري وطلب عدم نشر صوره وهو أحد الذين يحاولون العبور إلى بريطانيا عبر كاليه. ويقول حامد إنه سيحاول الليلة الكرة من جديد. وقطع حامد وابن أخته القارة الأوروبية في رحلة استمرت عدة أشهر ووصل إلى كاليه. ويريد أن يكمل مسيرته الطويلة وينهيها في بريطانيا. ويقول حامد ملوحا بيده إلى الساحل الآخر: “هناك تعيش زوجتي وأنا أريد أن أذهب إليها”. ولا يعرف حامد كيف ستتعامل معه السلطات البريطانية حين تقبض عليه ولا يعرف ماذا ينتظره هناك.
ويسكن حامد منذ أسبوع في “الغابة” في كاليه. و”الغابة” هو الاسم الذي يطلقه سكان كاليه واللاجئون على المنطقة التي يتجمع فيها اللاجئين وتقع فيها خيمهم في شرق المدينة. ويعتقد أن عدد اللاجئين هناك هو بين 3000 و 5000 لاجئ. ويقطع العشرات منهم كل ليلة مسيرة 8 كيلومترات على الأقدام وصولا إلى السور الحديدي العازل لمنطقة نفق كاليه. ويحاول حامد وابن أخته الهروب دون مساعدة مهرب هذه الليلة، لأنهم يحاولون الاقتصاد في النفقات وتوفير أجرة المهرب، التي قد تصل إلى مئات الدولارات.
وتحدثت منظمة المساعدة التي تقوم بتوزيع الطعام مجانا على اللاجئين عن زيادة الضغط عليها، لأن أعداد اللاجئين في تزايد مستمر. وأكثر اللاجئين هم من سوريا وإريتريا والسودان. أما الشاحنات المتوجهة إلى بريطانيا، والتي يحاول اللاجئون التعلق بها أو التسلل لداخلها، فهي تحت المراقبة الكثيفة من قبل أعين الشرطة. ويقول حامد بها الصدد: “أعرف أن عملية التسلل صعبة وخطرة جدا، لكنه ليس أمامي خيار آخر”. ويقول حامد متسائلا: هل تعرف أنت طريقا أخرى آمنة؟. ربما مع القوارب والعبارات عبر الميناء؟
كاليه تعيش مع مأساة اللاجئين منذ 16 عاما
وتعيش مدينة كاليه منذ سنة 1999 مع مأساة اللاجئين. وكان مقر اللاجئين يقع في غرب المدينة آنذاك. وفي سنة 2003 قام بإخلاء المقر وزير الداخلية الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي. وبعد ذلك الوقت بقليل شُكل مقر جديد للاجئين في شرق المدينة وبالقرب من الطريق السريع المؤدي إلى ميناء كاليه. ويتجمع اللاجئون أيضا في العراء وفي بعض المناطق الخالية.
وتجمع في ليلة هذا اليوم وخلف أحد الأسواق التجارية بعض اللاجئين بالقرب من أحد منافذ الطريق السريع، من بينهم أطفال ونساء. ويسمح للنساء الأفارقة اللاجئات في أوقات النهار بالتسوق من السوق التجارية، فيما يمنع أزواجهن والرجال الأفارقة اللاجئون من ذلك، إذ يحرص موظفو الأمن، وهم من أصول إفريقية كما تدل بشرتهم، على منع جميع الرجال الأفارقة اللاجئين من دخول السوق.
الحكومة البريطانية تطلب من فرنسا وبشكل مستمر زيادة إجراءات الأمن عند مدخل نفق “يوروتونيل”. وقدمت لندن مساعدات مالية لبناء أسوار حديدية وعوازل في كاليه. أما وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، فتعهد من جانبه أن يعين 120 شرطيا إضافيا في كاليه، وطالب من الشركة المشغلة للنفق اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد اللاجئين. لكن جاك غونون مدير شركة “يوروتونيل” المشغلة للنفق يرى، أن على بريطانيا وفرنسا أن “تكثفا جهودهما بصورة أكبر لحل المشكلة الأوروبية المتعلقة باللاجئين”. ويطالب غونون بمبلغ مالي يصل إلى 10 ملايين يورو تعويضا عن إجراءات الأمن الإضافية التي قامت بها شركته.
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أقحم هذا الأسبوع نفسه في الخلاف الجاري في كاليه. ويخشى كاميرون على السياح البريطانيين الذين يتوقفون لساعات طويلة في مدينة دوفر بانتظار عبور النفق إلى فرنسا، كما قال في تصريح له أثناء زيارته لسنغافورة. فيما طالب حزب الاستقلال اليميني الشعبوي بإنزال الجيش لتخويف اللاجئين.
أما اللاجئ السوري حامد، فلا يصله الكثير عن التداخلات السياسية. ويترتب عليه تنظيم حياته الخاصة ويحاول الاتصال عبر هاتفه النقال بزوجته في بريطانيا، ويجلس بعد أن بان عليه التعب في الحشائش بعد ساعات طويلة من الانتظار. وبعد أخذه لنفس طويل من تدخينه لعقب سيجارة يقول: “في سوريا وقبل الحرب كان لي محل تجاري، والآن أجلس هنا فحسب”.