كتب مارك ثيسن في صحيفة “الشرق الاوسط”
كان الرئيس باراك أوباما قد وعد ألا يبني صفقته النووية مع إيران على “أسس من الثقة”، بل على أساس نظام “تفتيش غير مسبوق”، غير أنه اتضح اخيرا أن نظام التفتيش الذي وعد به أوباما، اعتمد على الثقة قبل كل شيء.
فنظام التفتيش اتكأ على الثقة في محتوى اتفاقية أُبرمت بين طرفين، ونوقشت في سرية تامة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم يطلع عليها أي طرف ثالث (حتى إدارة الرئيس أوباما).
الأسوأ هو أن أوباما، عند تقديمه الاتفاقية النووية للكونغرس، لم يكشف تلك الصفقات السرية الجانبية، غير أنها اكتشفت بالكامل بمحض الصدفة عن طريق عضوين بالكونغرس، العضو الجمهوري مايك بومبيو، وعضو مجلس الشيوخ توم كوتون خلال زيارة لفيينا للالتقاء بمسؤولين في وكالة مرتبطة بالأمم المتحدة.
وخلال أحد اللقاءات، أبلغني بومبيو أنه وكوتون قد اجتمعا مع نائب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية واثنين من كبار المفاوضين مع إيران بعد يومين فقط من الإعلان عن توقيع الاتفاق النووي، وأنهما سألا عن كيفية قيام الوكالة بالتفتيش في منشأة إيران العسكرية في برشين، وأن رد مسؤولي الوكالة جاء عفويا حيث أفادا بأن الاتفاقيات الموقعة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحكومة الإيرانية قد اشتملت على كل التفاصيل التي لم يتم الكشف عنها. وكانت تلك هي المرة الأولى التي علم فيها العضوان بأمر الاتفاقيات الجانبية.
وأضاف بومبيو أنهما سألا كذلك إذا كان بإمكانهما الاطلاع على تلك الاتفاقيات، غير أن مسؤولي الوكالة أجابوا “لا لا، بالطبع لا، ليس من حقكم الاطلاع عليها”، وسأل كل الموجودين على جانبنا من الطاولة سؤالا واحدا: “هل اطلع وزير الخارجية جون كيري على تلك الاتفاقيات؟”، وكانت الإجابة: “لا لم يطلع عليها وزير الخارجية كيري، لن يطلع عليها أي شخص أميركي”.
اتضح أن طرفي الاتفاقية، الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، هما فقط من اطلعا على الاتفاقيات الحقيقية (غير أنه بمقدورك أن ترى صورة المسؤولين الإيرانيين ومسؤولي الوكالة ممسكين ما بدا وكأنه الاتفاقيات السرية) بمعنى آخر، يقامر أوباما بأمننا القومي ويسلم إيران ما قيمته 150 مليار دولار أميركي عن طريق رفعه العقوبات عنها، كل ذلك بموجب اتفاقيات سرية أُبرمت بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران لم يطلع عليها مسؤول أميركي واحد.
“نحتاج للاطلاع على هذه الوثائق حتى نحدد إذا كان المجال المتاح للتفتيش يستحق كل تلك التنازلات المقدمة للإيرانيين”، حسب بوبيو، وأضاف “يجب ألا يطلب من أي عضو في الكونغرس التصويت على تلك الاتفاقية التاريخية من دون التيقن من شروط التفتيش”.
في الحقيقة، يعتبر عدم تسليم الإدارة الأميركية لتلك الاتفاقيات الجانبية للكونغرس خرقا لبنود القانون، حيث تنص الاتفاقية النووية الإيرانية التي وقعها الرئيس أوباما كقانون صراحة على أنه يجب على الرئيس تقديم الاتفاقية النووية مع كل المتعلقات والملاحق للكونغرس. ويشمل ذلك بوضوح كل الاتفاقيات الجانبية التي تغطي بنود التفتيش على المنشآت الإيرانية.
وقد أبلغت سوزان رايس الصحافيين أن الإدارة الأميركية قدمت للكونغرس كل الوثائق التي قمنا بصياغتها، أو شاركنا في صياغتها، وكل الوثائق التي قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية باطلاعنا عليها، إلا أنه ليس هذا ما يطلبه القانون.
في الحقيقة، لا تستطيع الإدارة الأميركية تقديم ما لا تملك، إلا أن هذا يثير المزيد من الأسئلة المزعجة في رأس بومبيو، حيث يتساءل “كيف للرئيس أن يسمح للمفاوضات (بشأن التفتيش) أن تتم بوساطة طرف آخر غيرنا؟” كيف للإدارة الأميركية “أن توقع اتفاقا مع أكبر راعية للإرهاب في العالم، مع دولة قضت عمرها كله في الغش، من دون معرفة أي من بنود الاتفاقية؟ الخطأ فادح”.
ما هو مضمون الاتفاقيات الجانبية؟ يقول عضو مجلس الشيوخ بوب منينديز إن “إحدى الاتفاقيات الجانبية التي تتناول موضوع التفتيش في مجمع باشين العسكري، تسمح لإيران بتجميع عينات التربة بنفسها، بدلا من مفتشي وكالة الطاقة الذرية. الأمر يشبه السماح لمتسابق الدراجات لانس آرمسترونغ بأخذ عينة من دمه بنفسه لتسلميها للقائمين على اختبارات المنشطات. أعتقد أنه لو أننا اطلعنا على تلك الاتفاقيات، فسوف تجد نصف دزينة اتفاقيات تجعلك تحملق، وتتعجب من أنك لم تجد بندا عن التفتيش”، حسب بومبيو.
على الكونغرس أن يصر على الاطلاع على الاتفاقيات الجانبية، قبل أن يصوت على الاتفاق النووي مع إيران.
الطريق الوحيد أمام الكونغرس الآن لوقف الاتفاق، هو تجاوز رفض الرئيس، من خلال إصدار قرار بالرفض بأغلبية ثلثي الأعضاء في الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ. وسوف يتطلب ذلك قيام 13 عضوا ديمقراطيا بمجلس الشيوخ و45 عضوا ديمقراطيا بمجلس النواب بالتصويت بلا، وهو أمر كان مستبعدا حتى ظهور الاتفاقيات السرية.ما سوف نراه في الأيام القادمة هو ما إذا كان كشف تلك الاتفاقيات الجانبية السرية سوف يجعل من المستحيل للديمقراطيين التصويت لصالح الاتفاق الإيراني. ويتساءل بومبيو: كيف سيبررون للناخبين قيامهم بالتصويت لصالح اتفاق نووي مع إيران من دون التأكد من كيفية التفتيش؟
“مهمتي خلال الأيام الخمسة والأربعين القادمة هي إقناع 45 عضوا ديمقراطيا بمجلس النواب بتجاوز رفض الرئيس. القفزة سوف تكون كبيرة لكنها مهمة”، حسب بومبيو.