كاد يحصل إجماع على أن الاتفاق النووي الدولي مع إيران شكل نقطة تحول في الشرق الأوسط وفي معادلة ميزان القوى فيه وفي مجرى العلاقات الدولية.. الكل متفقون على أن ما بعد الاتفاق ليس مثل ما قبله، لكن ليس هناك اتفاق على طبيعة مرحلة ما بعد الاتفاق ووجهة الأوضاع فيها، وما إذا ستكون أفضل أم أسوأ.. فالأمر عند البعض يتوقف على إيران وكيف ستتصرف وما إذا كانت سترد على الانفتاح الدولي عليها بالانخراط في الجهود الدولية لإيجاد حلول وتسويات لأزمات المنطقة، أو إذا كانت ستوظف إمكانياتها المالية الكبيرة بعد رفع العقوبات عنها في مشاريع التمدد وتوسيع رقعة النفوذ والتدخل في دول المنطقة.
الأمر يتوقف عند البعض الآخر على دول المنطقة وكيف ستكون ردة فعلها على الاتفاق الذي أرادته الولايات المتحدة مع طهران وبسببه أهملت الكثير من المصالح الإقليمية لحلفائها وانحازت الى طهران وغطت عملية تدخلها ودورها الإقليمي المتعاظم، فهل ستتعامل مع الواقع الجديد في المنطقة وتتكيف مع الحقائق السياسية الجديدة وتنتقل الى خيار الحوار والتسويات مع إيران لتأمين مصالحها وتقاسم النفوذ والحصص؟ أم أنها ستقرر عدم الانصياع للواقع الجديد وأخذ أمورها ومصالحها بيدها والمضي قدما في عملية المواجهة المفتوحة مع إيران وسياسة الأمر الواقع، كما فعلت ايران نفسها وتفعل منذ سنوات بعدما يئست من الرئيس باراك أوباما وسياساته وتنتظر الرئيس الأميركي الجديد.
أيا يكن الأمر فيمكن التأكيد على أمرين:
الأول: أن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة انتقالية جديدة لن يكون تبلور واتضاح معالمها بالأمر السهل والسريع.
فالتوقيع على الاتفاق النووي ليس نهاية المطاف وإنما بداية مرحلة جديدة طويلة ومعقدة، تبدأ من التحديات التي يواجهها تنفيذ الاتفاق والعصي التي ستوضع في دواليبه من داخل أميركا وإيران ومن دول إقليمية متضررة أولاها إسرائيل.
الثاني: ان الرهان على مرحلة انفراجات وتسويات تلي مباشرة الاتفاق النووي وتكون من نتاجه، ليس رهانا في محله.
فالصراع السني ـ الشيعي الذي يترجم حربا تارة باردة وحروبا ساخنة تارة أخرى في ساحات وأرجاء المنطقة، والحرب الدولية على الإرهاب المتفلت والمتفشي والأزمات المتفجرة في دول عربية عدة، كل ذلك أدخل المنطقة في «دينامية صراع وحروب» أقوى من ديناميات الحلول والتسويات، وفي ظل أزمات أفقها السياسي مسدود وحسمها العسكري غير ممكن مع وجود رغبة أميركية وأوروبية عارمة بعدم التدخل وعدم التورط من جديد.
هذا معناه أن فترة الانتظار في لبنان ستطول، وأنه لا انفراجات في مدى منظور بما في ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وأفضل ما يمكن أن يفعله اللبنانيون هو الانتظار على البارد وليس على الساخن والمكافحة للحفاظ على استقرارهم السياسي والأمني مستفيدين من قرار دولي إقليمي مازال ساري المفعول باستقرار لبنان وتحييده عن أزمات المنطقة وأولاها الأزمة السورية.. ولذلك فإن اللعب بالحكومة باتجاه إسقاطها سيكون بمنزلة لعب بالنار ودفع الوضع الى قواعد جديدة للعبة، وإلى سلسلة انهيارات نعرف كيف تبدأ ومن أين ولكن لا يمكن أن نعرف كيف تنتهي ومتى، هل نصل الى «دوحة 2» أم الى «طائف 2»؟ وفي كل الأحوال، فإن الحكومة الحالية، حكومة تمام سلام، أصبحت في حكم المنتهية وفي وضعية تصريف الأعمال سواء استقال رئيسها أو لم يستقل أو كانت استقالته غير معلنة بالتوقف عن الدعوة الى جلسات جديدة لمجلس الوزراء.
هذه الحكومة من السهل أن تجتمع ولكن من الصعب إذا اجتمعت أن تتفق وتقرر.