بقيت ازمة النفايات في يومها الخامس عشر في طور المراوحة، فيما تخللها في اليومين الأخيرين اتصالات وعروضات وتحركات وتصريحات، أشبه بالعروضات المسرحية، تتحدث عن إمكانية شحن النفايات الى الخارج، لاسيما الى بلدان اوروبية!
وسط ذلك، أكدت مصادر معنية لصحيفة “السفير” أن قدرة مكان التجميع لنفايات بيروت في الكرنتينا قد أوشكت على النفاد، مؤكدة أن “لا افق لإيجاد أماكن في منطقتي المتن وكسروان من دون اعتراضات الأهالي، ومن دون الضرر بالمياه الجوفية لاسيما على المرتفعات، وبالتالي ما تزال النفايات في الشوارع في الكثير من المناطق، او تم التخلص منها بالحرق المضر جدا بالصحة العامة او بالرمي العشوائي في الوديان والأنهر”.
وسألت “السفير” رئيس الحكومة تمام سلام اذا كانت مشكلة النفايات على طريق الحل، في ضوء الاقتراح الذي نقله اليه امس الاول وزير الاقتصاد الان حكيم بنقلها الى دول اوروبية، أجاب بالقول: “إنه اقتراح ندرسه من ضمن اقتراحات أخرى”.
أما حكيم فقال لـ “السفير” بعد لقائه سلام أمس الاول: “وضعت رئيس الحكومة في نتائج اتصالاتي مع السلطات الالمانية وسفارتها في بيروت وجمعية معالجة النفايات الالمانية (itat) التي أبدت استعدادها لنقل النفايات، وهناك أربع شركات أجابتنا رسميا بالموافقة المبدئية، علما ان كل شركة منها تستطيع نقل أربعين ألف طن شهرياً”.
أضاف حكيم: “أرسلت كل المعلومات التي وافتني بها السلطات والشركات الالمانية الى الرئيس سلام ووزير البيئة محمد المشنوق، وننتظر درس الموضوع في جلسة مجلس الوزراء الاربعاء المقبل، علماً انه اذا لم تتم الموافقة على نقل النفايات الى المانيا، ففرنسا والسويد مستعدتان ايضا للتعاون في هذا الموضوع”.
وأوضح حكيم أن “كلفة نقل وحرق او معالجة الطن الواحد تبلغ تقريبا 150 دولارا، لكن هذا الامر خاضع للنقاش والعروض التي لم تصلنا رسميا ويمكن تخفيض الكلفة بالمفاوضات، لكن هذا الكلفة هي تقريبا موازية او اقل قليلا من كلفة ما تدفعه الحكومة في لبنان لشركة سوكلين”.
ونقلت مصادر بيئية شاركت أمس الأول بعشاء لوداع سفير المانيا في لبنان عن الأخير استغرابه باتصال وزير لبناني به وعرضه نقل نفايات لبنان الى المانيا، معتبراً أن “الموضوع ليس بهذه البساطة، بل يحتاج الى اتصالات مع الشركات الألمانية المعنية ودراسة الكيفية، بالإضافة الى دراسة خطوط النقل البحري وكيفية مراقبة الحمولات ومرورها على محطات كثيرة والمسافات والوقت”.
وساه بعض المشاركين في الحوار ليذكر ان النقل البحري قد يستغرق أسابيع وليس أياما، وان أفكاراً مماثلة ستبدو خيالية عندما تخرج الى الواقع. ولا تستبعد مصادر بيئية إمكانية نقل نفايات من دولة الى أخرى، لاسيما من بلدان نامية الى بلدان صناعية، لكن “الفكرة المعقولة هي ان يتم نقل ما يسمى نفايات خاصة، تكون عادة مصنفة خطرة وصغيرة الحجم، وليس كل انواع النفايات كما يتخيل البعض في لبنان”.
ومبرر نقل هكذا أنواع من النفايات، يكمن في ان البلدان النامية ليس لديها القدرة على معالجة هذه الأنواع من النفايات، ولا تستطيع ان تدفع كلفة معالجتها والتي تحتاج الى تجهيزات استثنائية، بالإضافة إلى ان البلدان الصناعية الكبرى هي التي أنتجت هذه المواد (كالنفايات الالكترونية)، التي تتحول الى نفايات خطرة، وعليها بالتالي ان تساهم في معالجتها.
لكن لو كان لدينا دولة ووزراء يعرفون كيف يتعاملون مع القضايا البيئية والتجارية، ومع الأزمات عامة، لكانوا عرفوا كيف يديرون نفاياتنا المنزلية العادية وكيف يتفاوضون مع الدول الصناعية لاسترداد منتجاتهم الخطرة، عبر إيجاد نظام متكامل للإيجار والاسترداد، وحماية المستهلك والبيئة معا.
وفي كل الأحوال، لا تبدو فكرة شحن النفايات الى الخارج، لاسيما الى بلدان أوروبية، مدروسة كفاية حتى الآن، على الأخص لناحية الكلفة، إذ ليس صحيحا أيضا ان كلفة التصدير اقل من الكلفة العالية التي ندفعها حاليا.
ويبدو ان من يحسب كلفة الشحن الى الخارج، لا يحسب كلفة الكنس والجمع والنقل على الأراضي اللبنانية، بالإضافة الى كلفة الفرز الضرورية، والتي أيضا لا يتم التطرق اليها، فضلاً عن كلفة معالجة العصارة الناجمة عن عمليات الكبس قبل التوضيب والشحن.
وبالتالي، فان كلفة شحن الطن الواحد ستتجاوز ال200$ بكثير في كل المعايير، فهل نعود الى المعقول من الطروحات التي تقوم على استراتيجيات التخفيف والفرز البعيدة.