IMLebanon

تعثّر الصين بالركود لا يُفسٍد قوّتها الاقتصادية عالمياً

ChinaMoney
حيدر الحسيني
حصّنت الصين موقعاً لا جدال فيه أقلّه على مدى العقدين الماضيين باعتبارها «مصنع العالم» الذي يستهلك ملايين براميل النفط يومياً ليمدّ الأسواق الاستهلاكية والاستثمارية بكم هائل من المنتجات والخدمات الرخيصة نسبياً، وهذا ما جعل «التنّين» في قلب محرّك الاقتصاد العالمي.

لذلك كان من الطبيعي خلال الأسابيع الماضية أن يدبّ الذعر والهلع حول العالم بعد سلسلة من المؤشرات السلبية التي رأى فيها عدد من المراقبين ركوداً اقتصادياً يشي بإضافة خطرة على الأزمة العالمية المستمرة منذ عام 2008، مع أنه في الواقع أقرب إلى استقرار بلحظ النمو المرتفع الذي لا يزال يتمتع به ثاني اقتصادات العالم بعد الولايات المتحدة. ولعل انحدار جملة من المؤشرات المهمة هو بمثابة نتيجة طبيعية لعوامل خارجية يتصدرها الركود المستحكم باقتصادات الدول المستهلكة للبضائع والسلع الصينية، خاصةً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو يشكل عاملاً مقلقاً ولو إلى حد ما، سواء للمهتمين أو المتأثرين بحركة اقتصاد الصين مباشرة أو غير مباشرة من دول وشركات وحتى أفراد.

دوافع القلق

في رصد بسيط لمؤشرات الاقتصاد الصيني خلال عام، لا سيما في الفترة الأخيرة، يتبيّن فعلاً أن ثمة ما يدل بوضوح على تباطؤ في أكثر من اتجاه، ومن أبرز هذه الملامح:

ـ تراجع النمو الاقتصادي العام المُعبّر عنه بالناتج الداخلي المجمل إلى 7 في المئة خلال الفصل الثاني من العام الجاري، بعد هبوط تدرجي من 7,4 في المئة محققة في الفصل الأول من عام 2014.

ـ انحسار نمو الناتج الصناعي إلى 6,1 في المئة في أيار الفائت، هبوطاً من نمو نسبته 8,8 في المئة قبل سنة.

ـ تقلّص مبيعات السيّارات 3,4 في المئة عما كانت عليه قبل سنة، علماً أن نمو هذه المبيعات تراجع تدريجاً منذ عام 2009، عندما حققت الذروة بزيادة نسبتها 45 في المئة.

ـ انخفاض نمو مبيعات التجزئة إلى 10,1 في المئة في أيار 2015، نزولاً من أكثر من 12 في المئة قبل عام.

ـ هبوط مؤشر مديري المشتريات في حزيران الماضي إلى 49,6 نقطة، من 50,8 نقطة قبل سنة.

ـ انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 9,33 مليارات دولار في أيار الماضي، هبوطاً من حوالى 14 ملياراً في تموز 2014، وإن بتحسن طفيف عن أيار من العام الماضي.

ـ بقاء الميزان التجاري عالقاً في دوامة من المراوحة، تمثل بعودة الصادرات الصينية في حزيران الماضي إلى الانخفاض تقريباً باتجاه المستوى نفسه المسجل قبل سنة دون مستوى مئتي مليار دولار شهرياً، بعدما ارتفع على مدى 6 أشهر ليسجل ذروة تخطت 225 مليار دولار في كانون الأول الماضي على الأرجح لأسباب متعلقة بموسم أعياد نهاية السنة. في المقابل، هوت الواردات دون 150 مليار دولار في حزيران الماضي، بعدما بلغت حوالى 180 ملياراً تقريباً في أيلول الفائت.

ـ انحسار التضخم من حوالى 2,3 في المئة في حزيران 2014 إلى 1,4 في المئة في حزيران المنصرم، بعدما هوى أكثر دون 1 في المئة في بداية العام الجاري.

ـ موجة انخفاض حادة ومفاجئة لأسواق المال الصينية في آخر حزيران الماضي، ليهوي المؤشر المركّب لبورصة شانغهاي وصولاً إلى 4192,87 نقطة في 29 حزيران الماضي، هبوطاً من 5023,1 نقطة في الخامس من الشهر نفسه، ما يعني عودة البورصة إلى مسارها الهبوطي الذي سادها مطلع العام الجاري، عندما هوى المؤشر إلى 3350,52 نقطة في 5 كانون الثاني، ثم إلى 3075,91 نقطة في 6 شباط، قبل أن يلتقط أنفاسه على مدى 3 أشهر، ليهبط مجدداً منتصف العام. المؤشر تابع الهبوط في تموز الفائت قبل أن يرتفع قليلاً في أواخر أيام الأسبوع المنصرم.

عناصر القوة تبقى

ربما أصاب الصين الشيء الكثير من تبعات الأزمة العالمية التي لم تكن سبباً فيها، غير أن عناصر القوة التي اكتسبها اقتصادها ودبلوماسيتها الهادئة على مدى عقود مديدة، يمكن اعتبارها طوق نجاة لها من أي ظروف استثنائية حتى لو دامت أشهراً أو سنوات.

وما تحققه الصين على الخارطة المالية والاقتصادية في الآونة الأخيرة خير دليل على صلابتها، لعل أحدث الأدلة على ذلك نجاحها في قيادة تحالف دولي أفضى إلى إنشاء «البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية« ومقرّه بكين، وقّعت على تأسيسه 50 دولة، بينها فرنسا والمانيا وبريطانيا، في مبادرة أطلقتها الصين وسيكون لها دور مهيمن فيه، ليشكل بديلاً بصفة «المكمّل» للمؤسسات الدولية، التي تتحكم بقراراتها واشنطن إلى حد كبير، ومثله أيضاً انطلاق عمليات «بنك التنمية الجديد« (NDB) الذي أسسته دول مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) برأسمال 100 مليار دولار.

وفي حين تنجح التجارب الصينية (بالتعاون أحياناً مع روسيا) التي تعارضها الولايات المتحدة واليابان، تخفق محاولات واشنطن وطوكيو الحثيثة لاحتواء التمدّد الصيني التجاري، لينتهي يوم الجمعة الماضي بفشل ذريع اجتماع 12 دولة معنية بالتفاوض على اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ (TPP) في هاواي، حيث لم يتوصل المجتمعون الى اتفاق نهائي بشأن بنود خلافية عديدة، وسط اعتراضات كثيرة على مشروع الاتفاقية الكبرى لما فيه من حماية مؤكدة لمصالح الشركات العملاقة العابرة للقارات، مقابل إضرار واسع النطاق بالشركات الصغرى والمتوسطة.

في إنجازاتها على الساحة الاقتصادية العالمية، الصين تتقدّم، كما تبقى مصدراً صناعياً أساسياً يجتاح الأسواق العالمية، فيما تبدو الدول التي ابتكر مفكّروها الاقتصاد الحُرّ عاجزةً عن مجاراة بلد يدخل أسواقها وتلقى منتجاته استحساناً استهلاكياً كبيراً في عقر دارها، بالرغم من اختلافه الكبير عنها فكرياً وسياسياً.

بلد يلبس ممّا ينسج ويأكل ممّا يزرع ولا يكتفي بما يصنع بل يصدّره إلى كافة أصقاع الأرض وأممها، قد يكون أبعد ما يمكن عن «الويلات»!