Site icon IMLebanon

متاعب البورصة الصينية أكثر من مجرد انفجار في مكان بعيد

China-Traders-Stock-Collapse
ديفيد بيلينج

أخيراً استيقظ العالم على ضخامة ما يحدث في الصين. بعد شهور ظلت خلالها الأحداث في أوروبا تلقي بظلالها، أولا على انتفاخ فقاعة سوق الأسهم الصينية ثم انفجارها لاحقا، كان يتم إلقاء اللوم في التذبذبات اليومية في بورصات الصين التي سادها الغموض في الماضي، يُلقى على كل شيء بدءا من ضعف أسعار النفظ إلى انخفاض عملات الأسواق الناشئة.

هذا أمر مُبالغ فيه. فنادراً ما كان أداء البورصات في الصين مرتبطاً بشكل كبير، إن كان مرتبطا أصلا، بالاقتصاد الحقيقي في البلاد، ناهيك عن اقتصاد بقية العالم. البورصة التي بالكاد مضى على وجودها 20 عاماً، التي تتسم بتنظيم سيئ، لا تزال لديها قواسم مشتركة مع كازينوهات ماكاو للقمار أكثر مما لديها مع البورصات العالمية في العواصم الغربية، مثل نيويورك، أو لندن، أو طوكيو. كما أن المستثمرين الأجانب ليست لديهم تعاملات كبيرة في الأسهم الصينية. وبسبب ضآلة الحصص المسموح بها، هناك نسبة ضعيفة جداً من البورصة في الصين – نحو 3 في المائة – مملوكة للأجانب. هذا ينبغي أن يجعل ما يحدث في الأسواق المالية الصينية أقرب ما يكون إلى انفجار في كهف بعيد جداً.

حتى في الصين نفسها الآثار في الاقتصاد الحقيقي لا ينبغي أن تكون كبيرة. فبحسب آرثر كروبر، رئيس شركة جافيكال دراجونوميكس، 7 في المائة فقط من الصينيين في المناطق الحضرية لديهم استثمارات في السوق. وإذا خسر هؤلاء كل ما يملكونه، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك بشكل مُفرط في الإنفاق الكلي. وعلى أي حال، معظم المستثمرين أغنياء. وقد ارتفعت السوق أكثر من الضعف في الشهور الـ 18 قبل أن تبلغ ذروتها في منتصف حزيران (يونيو). ووحدهم آخر المتأخرين هم من شهد استثماراته تتراجع.

هل يعني أنه ليست هناك حاجة إلى القلق؟ بالطبع لا. يُمكن أن يكون هناك كثير من التداعيات الكبيرة. أولاً، التذبذبات القوية عملت على هز الثقة بكفاءة التكنوقراطيين في الصين. لأعوام، ظل البيروقراطيون يتحدّون المتشائمين الذين كانوا يتوقعون أن النظام الهجين الذي يجمع بين التخطيط المركزي وقوى السوق في الصين سينهار بسبب تناقضاته. الآن البيروقراطيون لا يبدون في وضع جيد. في البداية عملوا على تضخيم السوق فيما يبدو أنه محاولة غير مدروسة لتنفيذ ما وُصِف بأنه أكبر تبادل بين السندات والأسهم في العالم. ونظرا لخشية التكنوقراطيين من أن القروض الممنوحة للشركات في إطار برنامج تحفيز ضخم يمكن أن تُصبح متعثرة، شجعوا الانغماس في البورصة. وإجراءاتهم اللاحقة لمنع الفقاعة من الانفجار كانت تبدو قديمة وخرقاء. فمن الناحية العملية قاموا تقريباً بتجريم بيع الأسهم، من خلال منع أي شخص يملك أكثر من 5 في المائة في أي شركة من بيعها.

وبحسب أحد المراقبين عن كثب لأسواق رأس المال في الصين “هذا أعاد البورصة الصينية عشرة أعوام إلى الوراء”. مثل هذه التكتيكات التي تدل على التخبط لم تكشف فقط عن الذعر والغرائز التي عفا عليها الزمن، لكنها أيضاً لم تنجح. فبعد محاولات عبثيّة لزيادة سعر الأسهم بنسبة 15 في المائة، لا بد أن التكنوقراطيين كانوا يراقبون وهم فاغرون أفواههم حين تراجعت السوق بنسبة 8.5 في المائة في جلسة واحدة. مع ذلك، الأسعار لا تزال أعلى 70 في المائة من مستواها العام الماضي، عندما كان الاقتصاد وأرباح الشركات في وضع أفضل بكثير. ويجب أن يكون الافتراض هو أن السلطات في حال أوقفت محاولاتها لدفع الصخرة إلى أعلى التلة، فإن قوى الجاذبية سرعان ما ستفعل فعلها.

ثانياً، افتراض أن الصين ستنتقل تدريجياً نحو نظام قائم أكثر على السوق ربما يحتاج إلى إعادة تقييم. الأحداث الأخيرة يُمكن أن تقنع السلطات بأنها كانت تتحرك بسرعة أكثر من اللازم. هذا يُمكن أن يكون له تأثير في كل شيء، بدءا من الوتيرة التي تعمل بها الصين على فتح حسابها الرأسمالي وجعل الرنمينبي قابلا للتحويل، إلى مدى سرعتها في تحرير أسعار الفائدة المحلية.

يقول فريد نيومان، كبير مختصي اقتصاد منطقة آسيا في “إتش إس بي سي”، “ما يكشفه هذا هو أنه لا يزال هناك توتر أساسي في الصين بين الرغبة في التدخّل والرغبة في ترك قوى السوق تعمل”. هذا يُمكن أن يؤثر في ما إذا كان صندوق النقد الدولي سيدرج الرنمينبي في نظامه لحقوق السحب الخاصة، أو ما إذا كانت الأسهم الصينية ذات التصنيف A ستتمكن من الوصول إلى مؤشر مورجان ستانلي المُركّب للأسواق الناشئة. بالتأكيد، التدخّل الأخرق من قِبل السلطات كان له تأثير سلبي في المعنويات العالمية. لاري فينج، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، قال “إن المستثمرين الأجانب بحاجة إلى إعادة تقييم الوضع”.

التأثير الثالث المُحتمل يتعلق بنمو الصين. صحيح أنه ليس من الواضح كيف ستنتشر التداعيات من انخفاض إحدى الأسواق إلى الاقتصاد الحقيقي. في السابق تغلبت الصين على تراجعات حادة في البورصة، لكن هذه المرة المخاطر أعلى. كثير من المستثمرين اقترضوا بكثرة لشراء الأسهم. وإذا لم تتمكن السلطات من إيقاف التراجع، فإن بعض المصارف وشركات الوساطة المالية يُمكن أن تكون في خطر. إلى جانب ذلك، التذبذبات التي تُضعف الثقة تحدث أيضاً على خلفية اقتصاد أكثر ضعفاً بكثير، اقتصاد من المرجح أنه ينمو بشكل بطيء أكثر مما يوحي به الرقم الرسمي البالغ 7 في المائة. إذا اختفت نقطة أو نقطتان مئويتان من النمو، فهذا يُمكن أن يرسل هزّات حقيقية جداً في جميع أنحاء العالم. منذ عام 2008 ظلت الصين هي محرّك العالم. ومتاعب أسواقها المالية تُضيف إلى الدليل على أن هذا المُحرّك بدأ يضعُف.