Site icon IMLebanon

حجم انبعاثات النفايات تهدد التغير المناخي!

 

 

دفعت موجة الحر اللاهب التي تضرب لبنان منذ أيام المآزق السياسية الى مرتبة خلفية مع تفاقم تداعيات هذه الموجة وآثارها متسببة بمزيد من الاضرار الخدماتية والبيئية والاجتماعية وخصوصاً على صعيد أزمة انقطاع التيار الكهربائي واتساع الاعطال في مجموعات انتاج الكهرباء.

وإذ سجلت الحرارة مستويات مرتفعة بلغت أربعين درجة في بعض المناطق الداخلية، تعاني معظم المناطق انقطاع التيار الكهربائي كما المياه، فيما انتشرت الحرائق في الكثير من المناطق ايضاً، وسط استمرار معاناة أزمة النفايات التي عادت تنذر بتراكمات اضافية لأكوام النفايات مع دوران المحاولات الحكومية لمعالجة الازمة في الحلقة المفرغة للاسبوع الثالث.

واذا كانت حماوة هذه الملفات تضفي على المناخ العام مزيداً من التشنج عشية جلسة مجلس الوزراء غداً التي يفترض ان تتناول ثلاثة ملفات خلافية هي أزمة النفايات وآلية عمل مجلس الوزراء وموضوع التعيينات العسكرية، فإن أوساطاً معنية بأزمة النفايات قالت لـ”النهار” ان كل تماد في تأخير اعتماد خيار ترحيل النفايات الى الخارج لن يجدي نفعا بعدما تبين ان هذا الخيار وحده قد يكون متاحا بسرعة وسط الانسداد الذي بلغته جهود اللجنة الوزارية المكلفة ملف النفايات الصلبة بدليل انقطاعها عن عقد اجتماعاتها يومياً.

وأشارت الى ان خيار ترحيل النفايات قد لا يكون سهلا وربما كان مكلفاً أيضاً، لكن أي خيار آخر لم يتبلور بعد فيما تتزايد الآثار الخطيرة للازمة وتتكشف اطرادا عن انقسامات وصراعات خفية تتحكم بالمخارج الممكنة لهذه الكارثة.

ولفتت الى ان مؤيدي هذا الخيار يدفعون في اتجاه اعتماده تجريبيا لفترة ثلاثة أشهر يجري خلالها التعاقد مع شركات اوروبية لترحيل النفايات ويصار في ظلها الى الحكم على التجربة واذا نجحت تطرح مناقصة عالمية في انتظار التوصل الى حلول جذرية للازمة. وقد ايد اجتماع نواب بيروت امس قرار المجلس البلدي لمدينة بيروت ترحيل النفايات الى الخارج. وتبلغوا من وزير البيئة محمد المشنوق انه يقوم باتصالات لهذه الغاية وسيطلعهم على النتائج الكاملة خلال أيام.

وقالت مصادر نيابية في كتلة “المستقبل” لـ”النهار” ان واقع أزمة النفايات بلغ حدوداً شديدة القتامة وسط الضياع الذي تتخبط فيه الجهات المعنية بحلها من جهة، والترف غير المقبول الذي يطبع مواقف بعض الجهات السياسية من جهة اخرى. وتوقعت موقفاً صارماً لكتلة “المستقبل” في اجتماعها اليوم من هذه الازمة.

بدوره، حذّر وزير البيئة محمد المشنوق في اتصال مع «الأخبار» من «خطر الحرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة والنفايات التي ترمى بشكل عشوائي»، داعياً البلديات إلى «تفعيل دورها»، من دون أن يشير إلى حلول قريبة في أزمة النفايات، مكرّراً الحديث عن خطورة الأزمة.

إلا أن مصادر في وزارة البيئة أكدت لـ«الأخبار» أن «اليوم وغداً من المرجح أن تتضح الصورة الكاملة لناحية حل أزمة النفايات والعروض التي قد تقدمها الشركات لترحيل النفايات إلى الخارج، بما فيها الكلفة والجمع والفرز الأولي والتوضيب للترحيل».

وعلمت «الأخبار» أن وفداً من شركة فرنسية جال أمس على بعض الأماكن، ومنها شركة سوكلين للاطلاع على الظروف وآليات العمل بغية إعداد دراسة كاملة والتقدم بعرض للدولة اللبنانية.

صحيفة “السفير” كتبت: “ليس هناك من حلول سحرية لمشكلة النفايات على أنواعها. فكل خيار له انعكاساته وآثاره وكلفته. وخير دليل على ذلك دراسة حديثة في الجامعة الأميركية في بيروت لأماني معلوف بإشراف البروفسور معتصم الفاضل، تتحدث عن 15 سيناريو لمعالجة النفايات وتحاول ان تفاضل بينها، لا سيما لناحية تسببها بالانبعاثات المؤثرة في تغير المناخ، خصوصا اننا بتنا على أبواب قمة جديدة للمناخ تعقد نهاية هذا العام في باريس لإنتاج اتفاقية عالمية جديدة تحد من ظاهرة تغير المناخ.

بعد هذه القمة، كما هو متوقع، سيجد لبنان نفسه مع الكثير من الدول النامية والمتقدمة معا، مجبرا وملزما باعتماد سياسات مختلفة، تحد من تغير المناخ، ويكون لها انعكاسات جيدة على الاقتصاد، بدل البحث في إجراءات سطحية كمثل الرمي والحرق العشوائي او التفكير في الشحن الى الخارج كيفما اتفق.

السيناريوهات المقترحة في الدراسة تفاضل بين التقنيات والإجراءات المختلفة في المعالجة لناحية الانبعاثات فقط، وهو مؤشر مهم يجب ان يؤخذ بالاعتبار لا سيما أثناء استخدام الآليات في عمليات الجمع والمعالجة واثناء عمليات نقل النفايات والمسافات التي تقطع داخل الدول او خارجها. واذ تظهر الدراسة ان الانبعاثات من جراء الحرق المتقدم مع توليد الطاقة الكهربائية تنتج انبعاثات اقل من الطمر والرمي العشوائي، الا ان الدراسة لا تتطرق الى الانعكاسات الاخرى للحرق كتوليد الرماد السام وكيفية معالجته، بالإضافة الى الكلفة الفعلية لكل خيار.

كما تجدر الإشارة الى ان المفاضلة بين الخيارات والسيناريوهات المطروحة، لا تحجب ضرورة ان تكون هناك استراتيجية تقوم في الأساس على التخفيف من النفايات كأولويات على اية تقنية للمعالجة، سواء أكانت الطمر او الحرق او حتى الفرز وإعادة التصنيع. فالتخفيف عبر وضع الضريبة والرسوم على المنتجات التي تتحول الى نفايات خطرة او تصعب معالجتها هو حجر الأساس في اية استراتيجية واية خطة لدولة تعتبر مسؤولة عن ديمومة الموارد وعن حماية البيئة وحفظ حقوق الانسان والاجيال الآتية.

فماذا في الدراسة والسيناريوهات المقترحة وكيفية تقييمها على ضوء تسببها بالانبعاثات التي لم تعد تفصيلية في ازمة معالجة النفايات والتي تتساوى مع الانبعاثات المتولدة من القطاع الصناعي في لبنان وتشكل ما يقارب الـ9% من الانبعاثات الإجمالية اللبنانية؟

قلما تناولت الدراسات في العمق حجم ونوع الانبعاثات المتولدة من النفايات المنزلية في لبنان.

يساهم قطاع النفايات الصلبة بتوليد غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) كثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4) وأكسيد النيتروز (N2O)، وعدد قليل من الغازات الأخرى التي لها تأثير طفيف. وتنبعث هذه الغازات من خلال مختلف العمليات ومكونات نظام إدارة النفايات من الجمع والنقل لإعادة الاستعمال والتدوير والتسميد والهضم الهوائي واللاهوائي، والحرق، والطمر.

تعتبر انبعاثات الغازات الدفيئة من قطاع إدارة النفايات الصلبة في لبنان (كما في البلدان النامية اجمالا) عالية جدا، لاحتوائها على جزء كبير من المكونات القابلة للتحلل أو ما يسمى المواد العضوية، وزيادة أنشطة الرمي العشوائي والطمر ومعدل توليدها بشكل عام، مقارنة مع حجم السكان. وبناء على التقرير الوطني في لبنان الصادر العام 2000، يشكل مجموع انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النفايات 9.40 % من انبعاثات غازات الدفيئة الوطنية بالمقارنة مع حجم الانبعاثات العالمية من قطاع النفايات التي لا تتجاوز 3 % من الانبعاثات العالمية، وهي تساوي الانبعاثات المتولدة عن القطاع الصناعي في لبنان أيضا! هذه الارقام وهذه النتيجة، عززت المخاوف بشأن مساهمة الإنسان في ظاهرة الاحتباس الحراري من إدارة النفايات الصلبة والرغبة في إيجاد طرق للحد من هذه الانبعاثات، كما عززت البحوث التي تهدف إلى تتبع وقياس غازات الدفيئة من مصادر مختلفة ولإيضاح حجمها في جميع أنحاء العمليات اللاحقة. وتعرف هذه الممارسة بانبعاثات غازات الدفيئة من قطاع إدارة النفايات الصلبة التي تعتمد على أسلوب معالجة النفايات، ونوع النفايات وتكوينها المادي، وتوزيعها، بالإضافة إلى طريقة حاسبة غازات الدفيئة. بحثت الدراسة عن انبعاثات غازات الدفيئة من إدارة النفايات الصلبة المنزلية من العام 1994 الى العام 2013 في منطقة بيروت والمناطق المحيطة بها التي تشمل حوالي 297 بلدية.

يسكن هذه المنطقة أكثر من مليوني نسمة ينتجون بين 2،800-3،000 طن من النفايات الصلبة يوميا. وتظهر الدراسة انه في 2013 تم انتاج حوالي مليون ومئة طن من النفايات الصلبة التي يتم جمعها وفرزها، تم استرداد حوالي 7% منها لإعادة التدوير و10% تعالج بيولوجيا (composting windrow)، في حين يتم التخلص مما تبقى من 83 % من النفايات الصلبة في مطمر الناعمة، اما غاز الميثان فيتم استخراج جزء منه لحرقه دون استعادة الطاقة (يتم توليد الطاقة منه الآن بشكل جزئي العام 2014).

تمت دراسة سيناريوهات عدة لتقييم تأثير بدائل الخيارات الحكومية في ادارة النفايات كاعتماد التخمير (الهوائي واللاهوائي مع توليد الطاقة) والحرق (مع وبدون استعادة الطاقة) والطمر (مع وبدون استعادة الطاقة) وإعادة التدوير بهدف الحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتحديد سبل إدارة النفايات التي تساهم بنسب أقل من الانبعاثات وتبقى مقبولة اقتصاديا.

نتج عن هذه الدراسة 15 سيناريو وهي:

1ـ يعتمد إضافة استخراج غاز الميثان لتوليد الطاقة على السيناريو الحالي.

2 ـ استخراج كمية اكبر من غاز الميثان الذي يتم استخراجه حاليا.

3 ـ استخراج الغاز مع توليد الطاقة.

4 ـ زيادة نسبة اعادة تدويرها والتسبيخ مع طمر المتبقي.

5 ـ اضافة توليد الطاقة الى السيناريو الرابع.

6 ـ زيادة كمية الغاز المستخرجة على السيناريو الخامس.

7 ـ زيادة توليد الطاقة على السيناريو السادس.

8 ـ اعتماد طمر كل النفايات.

9 ـ اعتماد الطمر مع توليد الطاقة.

10ـ استبدال التخمير الهوائي باللاهوائي مع توليد الطاقة.

11ـاعتماد الحرق بدل الطمر للنسب التي يتم طمرها حاليا.

12ـ حرق كل النفايات.

13ـ حرق كل النفايات مع توليد الطاقة.

14ـ زيادة نسبة اعادة التدوير والتسبيخ مع حرق المتبقي من النفايات.

15ـ توليد الطاقة من حرق النفايات بالاضافة الى السيناريو الرابع عشر.

تمت مقارنة هذه السيناريوهات مع الكلفة المعتمدة حاليا في لبنان بالمقارنة مع معدلات الكلفة العالمية ومع معدل سعر الكربون العالمي المتغير. وقد اخذت الدراسة بالاعتبار الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة التي تـــصدر من خلال عمليات الجمع والنقل والمعالجة واستخـــدام الآليـــات المختلفة في ذلك ومن ضمــنها مولدات الطاقة لتشغيل المعامل.

أظهرت نتائج تحليل السيناريوهات الـ15، ان كل السيناريوهات التي تعتمد الطمر تسهم بشكل اكبر في توليد غازات الدفيئة التي تساهم بتغير المناخ… وانه كلما زادت نسبة إعادة التدوير والتخمير انخفضت نسبة الانبعاثات. وان تحسين نسب النفايات التي يتم تخميرها وإعادة تدويرها مع استعادة الطاقة من الطمر تخفض الانبعاثات بنسبة 34%. ويمكن ان تزداد هذه النسبة اذا تم استخراج كمية اكبر من غاز الميثان لتوليد الطاقة من عملية طمر النفايات. اما زيادة نسب النفايات التي يتم تخميرها وإعادة تدويرها إلى جانب استعادة الطاقة من الحرق تساهم في تخفيض الانبعاثات بالنسبة الكبرى مقارنة مع السيناريوهات الأخرى على حساب الزيادة في الكلفة التي يمكن ان تصل الى حوالي 40% (مع حساب الجدوى الاقتصادية من استعادة الطاقة).

تظهر هذه الدراسة أن الطمر لا يزال مساهما رئيسيا في انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع النفايات، وان زيادة نسبة تحويل النفايات الى إعادة التدوير والتخمير مع استعادة الطاقة لها الأثر الأكبر في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة.

كما تؤكد الدراسة ان أفضل السبل لإدارة النفايات والتي يفترض ان يتم اعتمادها حكوميا ووطنيا هي التخفيف اولا من النفايات ومن ثم تحسين عمليات الفرز الى ابعد الحدود والتخمير وإعادة التدوير.

بين التراكم والتفاقم

بعد 24 او 48 ساعة يصل موقع الكرنتينا الذي تجمع فيه الآن بالات النفايات المجموعة من العاصمة بيروت الى حالة الذروة، وتتم تغطية البالات لعدم انتشار الروائح ولكي لا تأكل الشمس من الغلاف ولعدم بعثرة الموضب من النفايات بانتظار اعادة معالجتها. واذ يتم البحث عن اماكن اخرى على اطراف مدينة بيروت، لحين ايجاد الحلول، تستمر باقي المناطق في جبل لبنان بالتخبط بين الرمي العشوائي وابقاء النفايات في الشوارع او محاولة الفرز. بينما يلهو البعض في البحث عن مخارج خارج الحدود.

من جهة اخرى، فان اقليم الخروب الذي رفض استقبال نفايات العاصمة لا يزال يتخبط حتى في كيفية معالجة نفاياته، وقد بدأت تتفاقم مشكلة تراكم النفايات في المنطقة في ظل عجز البلديات التي ما زال العديد منها يقوم بحلول جزئية، بينما تقف بلديات أخرى امام هول هذه الكارثة التي حلت بها (الاقليم ـ احمد منصور). وقد حصلت خلافات وقطع طرق في كبرى بلداته شحيم، واتهامات بنقل نفايات غير قرى بالاضافة الى الانقسامات داخل البلديات وبين العائلات… مما يؤشر إلى ان مشكلة النفايات يمكن ان تتسبب بمشاكل ليس بين المناطق والمذاهب فقط، بل بين الاحياء والعائلات والبنايات والافراد… اذا لم يتم ايجاد الحلول التي تشرك الجميع في تحمل مسؤوليات انجاحها.