IMLebanon

تفاهم أميركي ـ إيراني واسع يعدّل التوازن الإقليمي

usa-iran

 

 

 

اتفاق سياسي أميركي إيراني في قلب اتفاق فيينا النووي. يقول مصدر أميركي مقرّب من الحزب الديموقراطي، إن إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما، قد ذهبت مع طهران، أبعد من التفاوض التقني على ضبط المشروع النووي الإيراني، وتقييده بحزمة من الاجراءات الرقابية لعقد ونصف العقد، وأن اتفاقاً سياسياً على إعادة تشكيل النظام الاقليمي في المشرق العربي والخليج، يعترف بالمصالح الايرانية فيها، قد وضع في طيّات الاتفاق.

ويقول المصدر الاميركي إن اتفاقاً سياسياً مع ايران قد يكون أحد أفضل الأوراق التي حصلت عليها إدارة أوباما لتمرير الاتفاق النووي وتسويقه في الكونغرس. ذلك أن الاتفاق التقني لا يشكل بحد ذاته ضمانة للمصالح الأميركية في المشرق، أو إطاراً ناجزاً لاعتراف متبادل بها مع ايران، وكان لا بد منه لتنظيم عودة طهران كلاعب إقليمي شرعي مكتمل الحقوق والواجبات.

ويؤكد المصدر أن هذا الجانب السياسي الإقليمي من الاتفاق، يعدّه بعض أركان الحزب الديموقراطي، الورقة الأساسية التي تدفعهم إلى التصويت عليه، وتأمين 34 صوتاً ديموقراطياً كافياً في الكونغرس، لحماية الفيتو الرئاسي الاميركي من النقض الجمهوري المتوقع وتمرير الاتفاق. ويقول المصدر إن بعض المسؤولين في الكونغرس يعتبرونه أفضل من الشق التقني، خصوصا زعيم الكتلة الديموقراطية المقبل (بدءاً من العام 2017) والسيناتور عن ولاية نيويورك، تشاك شومر، لأنه سيشكل اختبارا حقيقيا، بحسب المصدر، لاحترام ايران للمصالح الأميركية في المشرق العربي.

وكانت المفاوضات التقنية قد نضجت منذ شهر آذار الماضي، عندما وضع اتفاق لوزان، الإطار الحقيقي للاتفاق النهائي الذي أعلن عنه في الرابع عشر من تموز الماضي في فيينا. فمنذ عامين، وخلال لقاءات مسقط السرية التي مهدت لاتفاق جنيف المرحلي الأول، في تشرين الثاني العام 2013، كان الاميركيون والايرانيون قد وضعوا الخطوط العريضة لاتفاق فيينا نفسه، وقاعدة الصفقة التي بادلت تقييد البرنامج الايراني، وتخفيض امكانياته، وتعديل منشآته، لا سيما «آراك» و «فورود»، برفع العقوبات، والاعتراف بحق ايران بتخصيب اليورانيوم.

ويقول خبير غربي في الملف النووي الايراني، إن الايرانيين كانوا على الدوام، عند عتبة انتاج القنبلة، وأن الاميركيين يعرفون أن ايران، كانت منذ ثلاثة أعوام قد حصلت على كل التقنيات، البدائية، التي استخدمها الاميركيون في اربعينيات القرن لانتاج قنبلتهم الاولى، إلا أنهم احتفظوا بورقتهم هذه حتى النهاية تحت طاولة المفاوضات حتى صبيحة الرابع عشر من تموز. بيد أن الدخول في إعادة تشكيل النظام الاقليمي وتسوية النزاعات، والنقاش حوله هو الذي استدعى تأجيل التوصل الى الاتفاق، ريثما تكتمل شروط ملحقه السياسي، إيرانيا وأميركيا.

وبالرغم من أن الطرفين يقدمان نفيا لأي صفقة سياسية، وهو أمر طبيعي بسبب تعارض التحالفات التي تقضم الصفقة من أرضيتها. إلا أن مؤشرات كثيرة بدأت تتضافر في الساعات الاخيرة، لتؤكد وجودها، فضلا عن تكذيبها تأجيل أي نقاش إقليمي، كما كان قد كرر المسؤولون الايرانيون والاميركيون، إلى حين إبرام الاميركيين للاتفاق، ووضعه على سكة التنفيذ في تشرين الاول المقبل، بل إن معالم تلك الصفقة بدأت بالظهور بالتوازي مع ذهاب الاتفاق إلى الكونغرس الاميركي، وكجزء من عملية بناء الثقة الاميركية الايرانية، في تسهيل مخارج الملفات المتقاطعة: العراقية، السورية، اللبنانية، واليمنية.

وبالتدرج الزمني، استبق الاتراك التفاهمات الايرانية الاميركية بمحاولة الحصول على دور أكبر في الاقليم، وفي سوريا، حيث تلوح بنظر الاتراك معالم تعاظم الدور الايراني، في مرحلة التسوية المحتملة.

وانعطفت أنقرة بعد طول معاندة نحو التحالف مع الولايات المتحدة ضد «داعش»، وتقديم قاعدة إنجرليك لها للمرة الاولى منذ العام 2013، فيما بدا للوهلة الاولى، مقايضة الاشتراك بضرب «داعش»، بالحد الادنى ومن دون حماس كبير أو تكثيف الغارات على مواقع التنظيم لا سيما في ممر جرابلس منبج الباب، الذي يمنع اتصال كانتون عفرين، ببقية الكانتونات الكردية، فيما يقوم أردوغان بضرب الأكراد و «حزب العمال الكردستاني» في العراق، بحماس منقطع النظير، وبارتكاب مجازر في قرى جبال قنديل.

ولأن السياسة الدولية هي فن إدارة التناقضات، تقوم الولايات المتحدة في الوقت نفسه، ومن قاعدة إنجرليك قريبا، بدعم ذراع العمال الكردستاني السورية، وتقديم مظلة جوية له ضد «داعش»، بما يتناقض مع المصالح التركية، إلى درجة ما، وبجرعة محددة. إذ قال وزير الدفاع آشتون كارتر ورئيس الاستخبارات الأسبق مايكل هايدن، إن أميركا لن تعمل على تقسيم سوريا.

ومن الواضح أن حدود ذلك الحلف لن تذهب أبعد مما تريده واشنطن من استخدام مقاتلي «حزب الاتحاد الديموقراطي» المتمرسين والمنضطبين والمتجانسين حزبيا وعرقيا، أكثر من أي مجموعة سورية معارضة مسلحة، كرأس حربة في قتال «داعش»، من دون المخاطرة بمواكبتهم نحو مشروع سياسي، يغضب الاتراك، ويتجاوز توقعات الأكراد السوريين أنفسهم، الذين باتوا يتمتعون بفائض قوة، تقض مضاجع أنقرة.

وبالأمس، قدم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، في مقالته في صحيفة «السفير»، أول تصور إيراني ما بعد فيينا، للدور الذي يمكن أن تقوم به طهران، لتسهيل الحل في سوريا، وفي اليمن. وهو عرض يعكس بدء انتقال مركز الثقل في تسوية النزاعات إلى المقلب الشرقي من الخليج، واستعداد ايران للعب ذلك الدور، على أن تكون اليمن هي ساحة الاختبار الاولى، لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي.

والأرجح أن الحل اليمني يقوم على تفاهم أميركي إيراني، منذ أشهر، على مدخل سياسي يحفظ التوازنات، ويستبعد الحل العسكري. ولكن مع إعطاء المزيد من الوقت للقوات الخليجية من إماراتية وسعودية، التي أصبحت تقاتل علنا في شوراع عدن، لفرض توازن قوى جديد، يساعد الجميع على تقديم تنازلات، وإنزال السعوديين عن الشجرة، بإقناع الجميع أولا بالذهاب إلى مفاوضات في الرياض، وليس في جنيف أو مسقط، وهي الورقة التي يمكن أن يقدمها الايرانيون وحلفاؤهم.

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني أكثر وضوحاً في استشفاف دور بلاده، ما بعد فيينا، وقبل تصديق الكونغرس على الاتفاق، بأن «الاتفاق النووي مع القوى الكبرى سيخلق مناخاً جديداً لتسوية الأزمات الإقليمية مثل اليمن وسوريا، وأن الاتفاق سيخلق مناخاً جديداً لتسويات سياسية أكثر سرعة للأزمات في المنطقة»، وشدد على أن «الحل في النهاية سيكون سياسياً في اليمن، وفي سوريا أيضاً الحل سيكون سياسياً في النهاية، فإن الإجواء ستكون أفضل قليلا للتحركات التي سنقوم بها، كما سنحافظ على مبادئنا».

وخلال الساعات الماضية، قدم الايرانيون دليلا إضافيا على استعادة المبادرة من أجل تفعيل العملية السياسية في سوريا، والتقدم فيها على الدور الروسي. وهكذا أعلن مساعد وزير الخارجية حسين عبد اللهيان، إطلاق مبادرة ايرانية «معدلة» لتسوية النزاع في سوريا، ودعوة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران، للبحث فيها، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، مع ظريف في طهران، نهاية الاسبوع الحالي.

فبعد ثلاثة أعوام من الانتظار، تعود طهران لطرح مبادرتها، في ظروف أفضل، مع تعديل، يتضمن من دون كبير عناء التحليل، توسعاً أكبر في مكافحة الارهاب، وهي أولوية لم يعد يجادل فيها لا الاميركيون ولا السعوديون، قريبا، كما تضم توضيحا أفضل لموقع الرئيس بشار الاسد، الذي لم يعد بقاؤه في السلطة، موضع اعتراض، لا سعوديا، على ضوء الاتصالات السورية السعودية في القناة الروسية، ولا أميركيا، على ضوء اعتبار الاولوية اليوم هي «مكافحة الارهاب» و «احتواء داعش»، فضلا عما قاله ديبلوماسي أميركي، من أن واشنطن، سلّمت تسوية الملف السوري لموسكو.

وبدا انسحاب الفرنسيين من الملف الرئاسي اللبناني، بليغا في التعبير عن تضاؤل الموقع الديبلوماسي الفرنسي، قياسا للموقع الايراني، ما بعد فيينا. اذ أبلغ الايرانيون بديبلوماسية، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، أن القرار في ذلك يعود إلى المسيحيين في لبنان، فيما كان مرجع لبناني التقاه قبل أسبوع، ينقل عنه قوله إن القرار اللبناني أصبح في عهدة تفاهم ايراني – سعودي قبل كل شيء.

وهكذا لا تبدو لقاءات الدوحة، التي عقدها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، أمس، فرصة للتساؤل عن الضمانات الأمنية التي ستعطى فحسب لدولهم ما بعد فيينا، وهو أمر قام به أوباما في لقاء «كامب دايفد» مع زعمائهم قبيل الاعلان عن الاتفاق النووي الشهر الماضي، ولن تكون مناسبة للتساؤل أيضا عن وجود أو انعدام وجود تفاهمات سياسية أميركية ايرانية، وموقع طهران في النظام الاقليمي، وإنما عن حجم تلك التفاهمات، التي باتت تشكل الهاجس الأساسي لدول الخليج.