أبدت أوساط متابعة للشأن الديبلوماسي دهشتها من بيان الحكومة الكويتية اخيرا الذي حذّرت فيه رعاياها من إرتياد أماكن محددة في لبنان، أو التقليل من زيارته في الوقت الحاضر الذي لم تتسلم أي تفسير رسمي حوله وقد وضعته في خانة التحذير الذي أطلقته بعض الدول الخليجية العام الماضي لرعاياها تنصحهم عدم السفر إلى لبنان وما زال هذا التحذير قائما وإن كان لم يخضع للتجديد على غرار ما فعلت دولة الكويت التي لم تطرح أسبابا واضحة عدا عن ربط هذا التحذير بالوضع الداخلي اللبناني والوضع على الحدود.
ونقلت صحيفة “الديار” عن مصادر سياسية مطلّعة على حركة الخليجيين في لبنان قولها إن هذه الدعوة لن تؤثر على وجود السوّاح الكويتيين في لبنان الذين يحتلون المرتبة الأولى من بين السيّاح العرب وباتوا يتملكون عقارات يرتادونها على مدار السنة سواء في بيروت أو بعض مناطق الجبل أو في بعض القرى بالمتن حيث يوجد حوالى 80 مبنى يملكه كويتيون وهو يدل على تعلّق الخليجيين لزيارة لبنان وتمضية الإجازات فيه، ولكن التساؤل المطروح هو لماذا تطلق دولة خليجية مثل الكويت هذه التحذيرات وفي هذا التوقيت؟ علما أنها تتشارك مع لبنان بأفضل مستوى من العلاقات التي لم تشوبها ثغرات خلال السنوات الماضية، لا بل على العكس كانت سندا معنويا وإقتصاديا للبنان وأهله داخليا وخارجيا؟ تجيب هذه المصادر قائلة ، إن بعض عمليات الخطف مقابل فِدية التي حصلت مؤخرا وفي مناطق متنوعة رفعت مستوى التحذير لدى بعض الدول العربية – وهو إجراء روتيني إحترازي لا خلفيات له – كما أفادت المصادر الأمنية التي أكدت على العمل لمنع تكرار هذه العمليات التي وفي أغلب الحالات كان يتمّ تعقب الفاعلين وإعادة الأموال إلى أصحابها، وقد تعرّض المواطن الكويتي (عصام الحواط) للخطف مقابل فدية في أحد المصايف ورغم ذلك لم تؤثر هذه الحادثة بشكل كبير على التواجد الخليجي والكويتي في لبنان، وتُبدي هذه المصادر إستهجانها من التحذير الكويتي في ظل كل الأحاديث الدولية وحتى الإقليمية عن أن الوضع اللبناني «ممسوك» رغم كل الخضات السياسية التي يعيشها، فإن المظلّة الدولية التي يحظى بها لبنان قد تبعد عنه شبح الإنفجار الكبير الذي يبدو محصورا بالحدود التي سوف تظلّ الخط الوحيد الساخن في محاربة الإرهابيين، وإن قرارا دوليا يمنع تمدد أي مواجهة إلى الداخل اللبناني، الذي إجتاز ظاهرة التفجيرات الأمنية التي ضربت العاصمة وضواحيها – غير أن إحتمالات التهديد الأمني لا يزال قائما مثل كل الدول العربية والأجنبية، عدا عن الخطر “البيئي” المنتشر اليوم الذي لا يفرّق بين السائح وأهل البيت!
وترجّح هذه المصادر من أن يكون أسباب إطلاق هكذا تحذيرات سببه تخوفات من نتائج إنسداد الأفق السياسي الحاصل في لبنان، عدا عن الوضع الحكومي المتأزم الذي يهدد بالعودة إلى الشارع في تحركات إحتجاجية وشعبية على خلفية ملفات خلافية كثيرة، ما قد يرفع مستوى الخطر الأمني في المرحلة المقبلة ويوحي بأنه هناك معلومات تأتي من دول عربية وخليجية عن عدم وجود حلّ في المدى المنظور سواء في العمل الحكومي أو ملف التعيينات الأمنية أو حتى ملف رئاسة الجمهورية وهذا دليل عن أن البلد مقبل على مشكل قريب لا يستطيع أحد أن يعلم مداه، وتبدي الأوساط اللبنانية دهشتها من هذه التحذيرات التي تطلقها بعض الدول الخليجية من وقت لآخر، علما أن البعض منها سواء في الكويت أو السعودية قد شهدت عمليات إرهابية في الفترة الأخيرة ولم يصدر أي تحذير من لبنان إلى رعاياه تجنب السفر لهذه البلدان التي لم يعد الإرهاب بمنأى عن أرضيها، ولماذا لم تطلب السعودية من رعاياها الحذر من المجيء الى لبنان فيما لو إستشعرت خطرا جدّيا يخيّم على الساحة اللبنانية التي تملك فيه سلطة رأي وقرار أيضا؟ وهل السعودية تملك معطيات معينة حول الوضع الأمني في البلد، وفي حال وجود شيء من هذا القبيل هل تمّ إعلام الحكومة اللبنانية بذلك، حيث يبدو انها فوجئت بالتحذير الكويتي ولا تملك تفاصيل حوله؟
أوساط قريبة من وزارة الخارجية وضعت هذا الموضوع – بعد الإستيضاح من السفارة الكويتية عنه – في خانة الإجراء الروتيني الذي تطلقه كل الدول لرعاياها عند إستشعار بوجود أحداث سياسية وأمنية قريبة، حيث وُضع المشهد الداخلي الحكومي المعقّد وما قد ينتج عنه في دائرة الحسبان، لإن المرحلة المقبلة قد تكون مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها التحرك في الشارع، إضافة إلى أن وقوع بعض عمليات القتل والسرقة والخطف مقابل فديات في بعض المناطق، كلها أمور تدعو إلى رفع منسوب الحذر إلى السوّاح الذين على ما يبدو لم يُظهروا أي تخوف أو تغيير في خطط إقامتهم في لبنان، بل على العكس تضامنوا في البقاء فيه ومواجهة كل التحديات الأمنية والسياسية… وفي ملف النفايات أيضا!