اشار الصحافي البريطاني مايكل داي في كتابه الى ان رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني رجل ذكي وطموح من عائلة تنتمي الى الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، تجاوز اصوله المتواضعة وصعد ليصبح رجلا صاحب مال وسلطان. ثم توالت الفضائح تلاحقه.
وعما انتهى اليه مآل هذا الشاب الطموح وسقوطه المدوي، قال داي في حديث صحفي: “ان برلسكوني اصبح مليارديرا وفاز في ثلاثة انتخابات وحتى إذا أخذنا في الاعتبار أساليبه المشبوهة ودور الحظ وبؤس المعارضة السياسية خلال الشطر الأعظم من السنوات التي تولى فيها رئاسة الحكومة الايطالية فانه يبقى شخصاً استثنائيا لكي يحقق ذلك كله ولكنه ليس بالضرورة شخصاً اخلاقياً”.
ولفت الى ان الذي استأثر باهتمامه في شخصية برلسكوني هو ما يحدث للشخص حين تكون بيده كل هذه السلطة، متسائلا “مَنْ غير برلسكوني في العالم الغربي كان رئيس حكومة ومليارديرا يمارس سطوة اعلامية هائلة من خلال امبراطوريته الاعلامية؟”
ومَنْ يتابع بعض اشرطة الفيديو لا سيما التهريف الذي بثه برلسكوني بعد ادانته يرى انه حقا يؤمن ببراءته وبأنه كان ضحية حملة ظالمة ضده. ويبدو برلسكوني متأرجحاً بين المعرفة والوهم، يصدِّق ما يقوله من هراء وما ينشره من دعاية عن نفسه، بحسب الصحافي داي.
وعما إذا كان في برلسكوني شيء يثير الاعجاب ويدفع الايطاليين الى القبول به طيلة هذه السنوات، قال: “ان اصدقاء برلسكوني يقولون ان صحبته مسلية وهو سخي مع القريبين منه والأعزاء عليه. وان جسارته الخالصة جسارة مضحكة حتى ان قدرته هذه تجاوزت النفاق الى الوقاحة الاستفزازية. ومن الأمثلة على ذلك تملق برلسكوني الكنيسة الكاثوليكية من أجل كسب الأصوات.
وكان كثير من الميسورين الايطاليين يمنحون اصواتهم الى برلسكوني بأمل ان يدفعوا ضرائب اقل في ظل حكومته.
ويرى الصحافي داي ان هذا يشير الى “الطبيعة القبلية” للسياسة الايطالية حيث كان بعض الايطاليين سيصوتون لبرلسكوني حتى لو كان نسخة من رجل العصابات الاميركي سيئ الصيت الكابوني على ان يمنحوا اصواتهم الى اليسار.
ويقول داي ان من الأسباب الرئيسية وراء الشعبية التي ما زال يتمتع بها برلسكوني بين قطاعات من المجتمع الايطالي هو نظر هؤلاء الايطاليين اليه على انه “واحد منا”، على انه “شخص اعتيادي” رغم ان لا شيء اعتياديا في ملياردير وصاحب امبراطورية اعلامية ومهووس بحجم عضوه الذكري ورئيس وزراء لثلاث ولايات.
ولكن برلسكوني بالمقارنة مع جميع السياسيين ثقيلي الدم الذين جاءوا قبله كان يتكلم بلغة رجل الشارع. كما كان ملايين الايطاليين ممن هم في متوسط العمر يشعرون بالاثارة وهم يتابعون “برلسكا”، كما يلقبونه، يتنقل من حفلة ماجنة الى أخرى.
ويروي داي في كتابه ان برلسكوني امتنع ذات مرة عن حضور حفل افتتاح في دار الاوبرا مفضلا قضاء الأُمسية في دار سينما محلية وانه وقف في نهاية العرض ليحيي الجمهور في الصالة بانحناءة استعراضية.
ويقول داي ان هذه الواقعة “تلخص دور برلسكوني بوصفه المهرج ورجل الشعب في آن واحد” مضيفاً “انك في حالة برلسكوني تستطيع ان تضحك معه أو الأرجح ان تضحك عليه ولكنك على الأقل تضحك”.
وعما إذا كان برلسكوني ما زال يتمتع بنفوذ في السياسة الايطالية، قال داي لموقع “لوكال”: إن “أيام برلسكوني في صدارة السياسة الايطالية انتهت على ما يبدو ولكنه ما زال يقود أكبر كتلة تنتمي الى يمين الوسط في البرلمان ولو ان حزبه بدأ يتفكك الآن”.
ونقل داي عن اشخاص قريبين من برلسكوني قولهم إنه يخطط الآن لتوظيف ثروته الضخمة في احزاب ومشاريع سياسية جديدة ستمكن مصالحه المالية من الازدهار في السنوات المقبلة رغم انه لن يتولى منصباً رسمياً.
ولعل هذا هو السبب في شروعه ببيع بعض ممتلكاته، بما في ذلك بيع حصته البالغة 48 في المئة من نادي أي سي ميلان الكروي إلى رجل أعمال تايلاندي. وقد يستخدم هذه السيولة النقدية الهائلة للضغط من وراء الكواليس بهدف الحيلولة دون اصدار قوانين تهدد احتكاره للاعلام الخاص مثلا.
وحين سُئل الصحافي مايكل داي في ختام المقابلة مَنْ الأسوأ المرشح الجمهوري الاميركي دونالد ترامب أم برلسكوني اجاب “ان شَعَر ترامب حتى اسوأ من شَعَر برلسكوني. إذ يبدو شعر ترامب وكأنه على وشك ان يطير أو ان يعضك، على غرار سياسته المعادية للمهاجرين.
اما برلسكوني فهو ليس صاحب ايديولوجيا ولا يؤمن بالكثير خارج حب اللهو والسهر على مصالحه المالية. ولكن بفضل الحظ وشطارته في عالم المال وسطوته الاعلامية الهائلة كان قادرا على التسبب في اضرار لن يضاهيها معسكر دونالد ترامب ابدا”.