كثيرةٌ هي الألقاب التي رافقت خالد قاسم العجمي (مواليد 1988)، من «خالد رحومي» (لقب منذ صغره)، ثمّ اتخذ لنفسه اسم «أبو مصعب» حتى تموز العام 2013، مروراً بـ «أبو المجد»، إلى أن استقرّ لقبه على «أبو عائشة».
وليس العجمي من محبي الألقاب تيمناً بكبار الإرهابيين، وإنّما كانت تتغيّر بحسب تغيّر انتماءاته الأصوليّة. فابن الـ27 عاماً، انضوى تحت لواء عدد من المجموعات الإرهابيّة وألقي عليه القبض ثلاث مرات بالتهمة نفسها، وتمّ إطلاق سراحه في المرتين السابقتين من دون معرفة الأسباب أو الجهات التي وقفت خلف إطلاق سراحه!
ولكن يظهر بشكل جليّ أن المرّة الثالثة هي ثابتة، بعد أن تأكد للأمنيين أن «أبو عائشة» هو أحد قياديي «كتائب عبدالله عزّام» التي سقطت أذرعها تباعاً بعد إلقاء القبض على زعيمها ماجد الماجد خلال العام 2014.
ومن دون ضربة كفّ، كان العجمي يجلس أمام الضابط المحقّق ويعترف بكلّ ما لديه من أسرار، وفي فترة زمنيّة قياسيّة تقل عن أربعة أيّام، كان قد انتهى من اعترافاته وأحيل إلى قاضي التحقيق العسكريّ في المحكمة العسكريّة في 30 تموز الماضي. «نعيم عباس 2» لم يعذّب المحققين بل اعترف سريعاً أنّه كان مكلفاً مع آخرين بالتحضير لعمليات أمنية ضخمة في بعض المناطق اللبنانية، وأخرى تستهدف مواقع الجيش اللبناني، بالإضافة إلى التحضير لعمليات خطف لقاء فدية تستهدف رجال اعمال ورؤساء مؤسسات تجارية.
بتوقيفه، منعت مخابرات الجيش تنفيذ عملية كانت على وشك التنفيذ، لتحقق بذلك انجازاً أمنياً يضاف إلى انجازاتها السابقة بالكشف عن الرؤوس المدبّرة في المجموعات الإرهابيّة العاملة في الداخل اللبناني.
كانت المخابرات ترصد «أبو عائشة» خلال الفترة الأخيرة وتراقب تحرّكاته، خصوصاً بعد أن وصلتها معلومات تفيد أن والده قاسم العجمي يرقد في «مستشفى المقاصد» في بيروت.
وزّع الجيش عيونه الأمنيّة جيداً حول المستشفى وفي داخلها ليتأكّد أن «أبو عائشة» يتردّد على المستشفى للاطمئنان على صحّة والده. وبسرعة فائقة، أعدت مخابرات الجيش خطّة محكمة لإيقاع العجمي، ولم تترك مجالاً لأي ثغرة تسمح للعجمي بالنفاد منها، فوقع العجمي في أحد الكمائن، وتحديداً في منطقة الأوزاعي وفي منزل أحد أقربائه يوم الأحد 26 تمّوز الماضي.
وبالسرعة نفسها، تمّ استجواب العجمي الذي روى تفاصيل حياته التي عاشها متنقلاً بين عدّة مجموعات إرهابيّة. ففي آب العام 2011، كان «أبو مصعب» أحد أفراد مجموعة درويش فخر التي كانت لها يد طولى في تجنيد العناصر اللبنانيّة لإرسالها إلى الجهاد في سوريا. ولم يكتفِ ابن مجدل عنجر بهذه المهمّة، بل وسّع بيكاره ليوطّد علاقات مباشرة مع إرهابيي عين الحلوة وأبرزهم محمد الدوخي وهيثم الشعبي، قبل أن يتمّ إلقاء القبض عليه.
وما إن خرج العجمي من السجن حتى سارع إلى الالتحاق بمجموعة حمزة مراد الملقّب بـ «أبو الحور» في أواخر العام 2012، والتي عرفت أيضاً بـ «شبكة مجدل عنجر» ومؤلّفة من عدّة عناصر ألقي القبض على معظمهم وهم: إيهاب حسني الحروك، طارق بيضون، عمر العجمي، بلال يمّين وحسن عبد الرزاق.
كان هدف المجموعة، التي عملت جاهدةً على شراء الأسلحة والذخائر، تنفيذ عمليّات إرهابيّة واستهداف الجيش.
وما إن نمي إلى مسمع «أبو مصعب» أن زملاءه صاروا في عداد الموقوفين، حتى هرب إلى عرسال والتحق بالمجموعات المسلحة التي كانت تحضّر لأعمال إرهابيّة في المناطق اللبنانيّة، متعمداً تغيير لقبه إلى «أبو المجد».
وفي عرسال تعرّف العجمي على أحد أخطر الإرهابيين من آل الأطرش (يعتقد بأنّه أحمد الأطرش الملقّب بنسر عرسال) الذي سهّل له الدخول إلى سوريا، حيث قاتل مع «كتائب بشائر النصر» التابعة لـ«لواء الإسلام» بقيادة زهران علوش. ثمّ تعرّف «أبو المجد» في سوريا على خالد حميد، الذي جنّده في «كتائب عبد الله عزام» وأخبره أن «بشائر النّصر» تُعد أحد فروع هذه «الكتائب».
وبعدها بقي العجمي في سوريا مع «الكتائب»، ليشارك شخصياً في معركة معلولا ويبرود، ومن ثمّ يتركّز نشاطه في الرنكوس على التحضير لأعمال إرهابية وتفخيخ سيارات وإرسالها إلى لبنان، إذ كان يتنقّل دورياً بين لبنان سوريا.
وفي العام 2013 عاد العجمي إلى لبنان واستقرّ فيه متنقلاً بين عرسال ومجدل عنجر وجوسيه. بعد هذه الفترة، لم يعد العجمي فرداً عادياً في «كتائب عبدالله عزّام»، بل صار «أبو عائشة» قيادياً فيها ويعمل إلى جانب القيادي الآخر أبو عبد الرحمن الدرعاوي، قبل أن يتحوّل إلى «الوريث الشرعي» لخالد حميّد الملقّب بـ «أبو عزّام»، والذي قتل على يد الجيش اللبناني في عرسال في شباط 2013.
.. وحينها صار العجمي رسمياً «رأساً كبيراً» في «الكتائب» مكلّفاً بالإعداد لعدّة أعمال إرهابيّة. وعندما شعر أنّه ملاحق بشكل دقيق من قبل الجيش سارع للهرب من جديد من مسقط رأسه مجدل عنجر إلى سوريا عبر عرسال في أواخر العام 2013… إلى أن سقط في «مصيدة الجيش» أواخر تموز الماضي بعد سنوات الهروب الطويلة!