IMLebanon

تقرير بنك عودة حتى منتصف 2015: تباطؤ القطاع الاقتصادي الحقيقي مع تجنّب فخّ الركود

lebanon-economy
أظهر التقرير الاقتصادي لبنك عودة عن الفصل الثاني من العام 2015، أن الاقتصاد مازال يعمل دون طاقته الإنتاجية، مشيراً إلى ان صندوق النقد الدولي خفض توقعاته للنمو الاقتصادي إلى 2 في المئة للعام الحالي.
أشار التقرير إلى أن عجز الميزان التجاري سجّل تراجعاً خلال النصف الأول من السنة نتيجة تراجع المستوردات حوالي 18.5 في المئة وتراجع الصادرات حوالي 7.8 في المئة كذلك تراجع أسعار النفط التي يستوردها لبنان لحاجة الاستهلاك وحاجة الكهرباء.
بالنسبة على الودائع المصرفية فقد حافظت على نمو مقبول على الرغم من ضعف التسليفات التي زادت حوالي 0.8 في المئة تقريباً.
وسجل القطاع الصناعي والزراعي أداءً باهتاً نتيجة استمراره تحت تأثير الأوضاع الصعبة المحيطة بالبلاد، مما بات يستوجب وضع خطة للقطاعين الصناعي والزراعي إضافة إلى خطوة دعم الصادرات.
ولاحظ التقرير تباطؤ القطاع العقاري وجمود العمليات من دون تراجع الاسعار.مؤكداً أن المبيعات العقارية تراجعت حوالي 20 في المئة لتسجل حوالي 3587.5 مليون دولار.
الحركة السياحية تأثرت من حيث وفود الأجانب مع تسجيل بعض النمو في عدد الوافدين من اللبنانيين وبعض العرب.
بالنسبة إلى المالية العامة فإن وضعها ضعيف جداً لجهة زيادة العجز حوالي 26.4 في المئة نتيجة تراجع عائدات الخزينة حوالي 41.8 في المئة ومن بينها عائدات الضريبة على القيمة المضافة التي تراجعت حوالي 12.1 في المئة.
الدين العام سجل حوالي 69.4 مليارات دولار في خلال الفترة بزيادة 4.2 في المئة مقارنة مع العام الماضي 2014.
الودائع المصرفية زادت حوالي 4.2 مليارات دولار والأموال الخاصة للمصارف حوالي 4.8 في المئة. فالقطاع المصرفي اللبناني متين، مشيراً إلى وجود تحويلات من الدولار الى الليرة. ويشير التقرير إلى ان موجودات مصرف لبنان الخارجية تفوق حوالي 39 مليار دولار من دون الذهب.
ومما جاء في التقرير:
في النصف الأول من العام 2015، شهد الأداء الاقتصادي في لبنان امتداداً لمرحلة التباطؤ السائدة منذ بداية الاضطرابات الإقليمية، مع مزيد من الوهن في أداء القطاع الحقيقي بشكل عام. في هذا السياق، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نسبة 2 في المئة للعام الحالي وكان من الممكن أن يكون أقل من ذلك لولا انخفاض أسعار النفط العالمية والذي من شأنه أن يخفّف من الاختلالات الماكرو اقتصادية القائمة في لبنان. هذا وإن استمرار التوترات الجيوسياسية يؤثر سلباً على أداء الاقتصاد بشكل عام. ولكن، مع أن آفاق النهوض الاقتصادي في الأمد القصير لا تزال محدودة، فإن الاقتصاد اللبناني ما زال قادراً على جبه التحديات وعلى تجنيب البلاد الوقوع في فخ الركود.
إن تطوّر معظم مؤشرات القطاع الحقيقي خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2015 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2014 يتماشى مع النمو المتواضع نسبياً لهذا العام. فالنمو الاقتصادي لا يزال دون إمكاناته المطلقة، بحيث إن الاقتصاد يعمل دون طاقته الإنتاجية في سياق الهوة الكبيرة بين الناتج المحلي الإجمالي المسجل والناتج الممكن تحقيقه والتي تقدّر بما لا يقل عن 20 في المئة من الناتج الممكن. في الواقع، إن نمو النشاط الاقتصادي الإيجابي وإن كان ضعيفاً بعض الشيء يُعزى إلى نمو الاستهلاك المحلي، حيث إن انخفاض أسعار النفط يولّد استهلاكاً إضافياً من قبل الأسر، ناهيك عن تأثيره الإيجابي على كلفة الإنتاج لدى المؤسسات اللبنانية. في المقابل، لم يسجل أيُّ تحسّن في الاستثمار الخاص لاسيما في ظل حالة الترقب والتريث السائدة في أوساط المستثمرين المحليين وما رافقها من تأجيل للقرارات الاستثمارية الكبرى وسط استمرار تلبّد الأجواء المحيطة.
وكانعكاس لمعظم مؤشرات القطاع الحقيقي، فإن نمو المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان قد ضعُف نسبياً هذا العام. إذ بلغ متوسّط المؤشر 285.0 في أيار 2015 مقابل 283.8 في أيار 2014، لينمو بنسبة 0.4 في المئة على أساس سنوي. إلا أن متوسط المؤشر العام بلغ 277.2 في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015، أي بانخفاض نسبته 0.5 في المئة من متوسط قدره 278.7 في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015. تجدر الإشارة إلى أن الأشهر الأولى من هذا العام، أي شهري كانون الثاني وشباط قد سجلا انخفاضات ملحوظة على أساس سنوي، ليليهما نمو إيجابي في المؤشر خلال أشهر آذار ونيسان وأيار.
أما على الصعيد القطاعي الخارجي، فقد سُجل في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015 انخفاض ملحوظ بنسبة 20.5 في المئة في عجز الميزان التجاري للبلاد وذلك نتيجة تراجع الواردات بنسبة 18.5 في المئة في حين تراجعت الصادرات بنسبة 7.8 في المئة على أساس سنوي. وتراجع العجز التجاري يأتي في سياق التراجع الكبير في أسعار النفط الذي خفض الواردات النفطية بشكل رئيسي، ناهيك عن مفاعيل تحسُّن قيمة الدولار الأميركي بالمقارنة مع العملات الأخرى لعدد من أسواق الاستيراد للبنان. عليه، إذا ما صُحّحت الواردات على أساس تغيّر أسعار النفط وسعر صرف العملات، تكون الواردات الحقيقية قد نمت بنسبة 6.5 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2014. الجدير بالذكر أن انخفاض العجز التجاري لم يؤدِّ إلى تحسّنٍ في ميزان المدفوعات لا سيما في ظل الانخفاض الصافي في تدفقات الأموال الوافدة، بل سجل ميزان المدفوعات عجزاً قيمته 1319 مليون دولار في الأشهر الستة الأولى من العام 2015، في مقابل فائض قيمته 215 مليون دولار في الفترة المماثلة من العام 2014.
أما أداء القطاع المصرفي فقد كان متماشياً نسبياً مع النشاط الاقتصادي ككل. ففي ظل مناخ من التباطؤ السائد في القطاع الحقيقي، ورغم أن الودائع المصرفية حافظت على نمو مقبول نسبياً، ضعُف نمو التسليفات المصرفية، مما أرخى بثقله على الربحية المصرفية المحلية في سياق عوائد سلبية على سيولة المصارف بشكل عام. في هذا السياق، نمت التسليفات المصرفية بقيمة 0.8 مليار دولار فقط خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2015، مقابل 1.8 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام الماضي. كما تراجعت الأرباح المصرفية المحلية بنسبة 2 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015، مما زاد من حدّة المنحى الانكماشي السائد مؤخراً في نسب المردودية بشكل عام.
على صعيد أسواق الرساميل في لبنان لا يزال النشاط واهناً نسبياً. فقد ارتفعت أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 1.9 في المئة فقط في النصف الأول من العام 2015. لا تزال سوق الأسهم تفتقر إلى الفعالية والسيولة، بحيث بلغت نسبة قيمة التداول السنوية إلى الرسملة البورصية 4.1 في المئة في سياق حجم تداول بلغ 221 مليون دولار في النصف الأول من العام 2015. أما سوق السندات فقد شهدت بعض التحسن في النظرة السوقية للمخاطر السيادية، إذ تقلصت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية في لبنان من فئة خمس سنوات بمقدار 40 نقطة أساس لتصل إلى 355 نقطة أساس في نهاية حزيران 2015. وحقق مردوداً أعلى على سنداته، ما جعله مرشّحاً مثالياً لتوظيفات المستثمرين في سندات اليوربوند.
الخلاصة:
لمَ لا ينطبق السيناريو اليوناني على لبنان؟
على مدى الأسابيع القليلة الماضية، عادت أزمة الديون في اليونان إلى الواجهة من جديد، لاسيما في ظل المفاوضات الشاقة حول خطة الإنقاذ الأوروبية والمترافقة مع شروط إصلاحية جمّة، لتغلق المصارف المحلية فروعها على مدى ثلاثة أسابيع وتتخلّف اليونان عن سداد استحقاقها لصندوق النقد الدولي في 30 حزيران وتصبح بذلك أول دولة متقدّمة تتخلف عن سداد مستحقاتها للصندوق. وكانت هذه التطورات قد وضعت اليونان في مهبّ أزمة حالكة كادت أن تُخرج البلاد من منطقة اليورو وتعيدها إلى إصدار عملتها الخاصة.
في هذا السياق، ارتفعت هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية في اليونان من فئة خمس سنوات إلى أعلى مستوياتها القياسية لتتجاوز عتبة 8500 نقطة أساس في منتصف الأزمة، مما أدّى إلى اتساع تلك الهوامش في عدد من بلدان العالم. وقد كانت البلدان الرازحة تحت مخاطر الديون السيادية الأكثر تضرراً من تداعيات تلك الأزمة. أما لبنان، الذي يُعدّ من بين تلك الدول المثقلة بالديون، فكان بالإمكان أن يكون عرضة لاتساع في هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية، إلا أن الهــوامش بقيت بحــدود 350 نقطة أساس. أما أسباب هذا الثبات النسبي في لبنان فهي عديدة، من أهمّها ما يلي:
بدايةً، يُعدّ لبنان من بين البلدان القليلة جداً التي تتسم بقاعدة مهمة ومستدامة من تدفقات الأموال الوافدة على مدى فترات زمنية طويلة. إذ إن نسبة تدفقات الأموال الوافدة إلى الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بلغت متوسطاً يفوق 47 في المئة خلال العقود الخمسة الماضية، ما دعم الاقتصاد الوطني في جميع الأوقات. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تدفقات الأموال الوافدة إلى لبنان تعدّ هيكلية الطابع ولا ترتبط بفترات أو مراحل زمنية محددة، وإن يمكن لبعض الأحداث العابرة أن تعزز أو تُضعف من أحجامها. إن الأموال الوافدة إلى لبنان تتأتى بشكل خاص من اللبنانيين المقيمين الذين يتمتعون تاريخياً بمستويات جيدة من الادخار في الخارج، ومن اللبنانيين غير المقيمين الذين يفضلون المصارف المحلية نظراً لسمعتها العالمية والمشهود لها. هذا ويظهر توزع الأموال الوافدة إلى لبنان أنها تتأتى بشكل رئيسي من تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والتي تستحوذ على نسبة 45 في المئة من إجمالي الأموال الوافدة، في حين تستحوذ الاستثمارات الأجنبية المباشرة على نسبة 25 في المئة، وتتأتى النسبة المتبقية أي 30 في المئة من الإيرادات السياحية. في الواقع، يعتمد لبنان بشكل كبير على المغتربين اللبنانيين الذين تربطهم علاقات وطيدة باقتصادهم الأم والمنتشرين في معظم أنحاء العالم، وهم يثابرون باستمرار وانتظام على تحويل الأموال إلى لبنان. فإن نسبة تلك التحويلات المالية إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 18 في المئة اليوم وهي واحدة من أعلى النسب في العالم، مقابل نسبة 0.3 في المئة فقط في اليونان.
من ناحية أخرى، لا شك في أن اليونان قد شهدت ركوداً اقتصادياً حاداً، فاقتصادها الحقيقي تقلّص بنسبة 25 في المئة في السنوات القليلة الماضية منذ بداية الأزمة المالية العالمية في العام 2008، في حين نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي التراكمي في لبنان بنسبة 30 في المئة خلال الفترة نفسها. عليه، فقد كان لبنان قادراً على تجنب الوقوع في فخ الركود في ظل نمو الاستهلاك المحلي المطرد والدعم القوي المتواصل من المغتربين اللبنانيين.
أما على صعيد المديونية، فإن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليونان أعلى من تلك المسجلة في لبنان وذلك على الرغم من خطط إنقاذ عدة خلال السنوات الماضية، فهي تبلغ اليوم 177 في المئة مقابل 134 في المئة في لبنان. وفي حين أن الديون الخارجية لليونان تصل إلى حدود 87 في المئة من إجمالي دينها العام، إلا أن دين لبنان الخارجي لا يتجاوز نسبة 13 في المئة من إجمالي الدين العام. فالدين اللبناني يحمله في المقام الأول المستثمرون اللبنانيون من أفراد ومؤسسات، مما يجنب البلاد خروجاً سريعاً وكبيراً للدائنين من السوق المحلية لاسيما أن المستثمرين المحليين على يقين بطبيعة المخاطر اللبنانية وهم على استعداد لتحمل مثل هذه المخاطر ولا يتسرعون بالخروج من السوق المحلية مع أولى إشارات الاضطراب. كما شهدت بنية الدين العام في لبنان تحسناً من حيث العملات. فانخفضت نسبة الديون بالعملات الأجنبية من إجمالي الدين من أكثر من 50 في المئة قبل بضع سنوات إلى أقل من 40 في المئة اليوم، مع ما يترتب على ذلك من قدرة على تسديد المستحقات من قبل السلطات اللبنانية التي تتحكم بعملتها المحلية بشكل تام.
هذا ويستفيد لبنان اليوم من وضعية خارجية جيدة على الرغم من العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات في السنوات القليلة الماضية. فقد تجاوزت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان عتبة الـ39 مليار دولار (باستثناء الذهب)، وهو رقم قياسي جديد، يمثل نسبة 78 في المئة من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وحوالي 24 شهراً من الاستيراد. وعند احتساب الذهب، تصل هذه الموجودات الخارجية إلى ما يقارب عتبة الـ50 مليار دولار، أي ما يقارب زهاء مرتين ديون لبنان بالعملات الأجنبية ونسبة 70 في المئة من إجمالي الدين العام للبلاد. كما ويعدّ القطاع المصرفي اللبناني متيناً أيضاً، لاسيما في ظل مؤشرات قوية لمكانته المالية بالمقارنة مع المصارف اليونانية الواهنة. فالسيولة الأولية تتجاوز نسبة 40 في المئة في لبنان بالمقارنة مع نسبة تقلّ عن 10 في المئة في اليونان. وعلى مستوى نوعية الموجودات، تبلغ نسبة التسليفات المشكوك في تحصيلها إلى إجمالي التسليفات 3.6 في المئة في لبنان مقابل نسبة 9.1 في المئة في اليونان، في حين تصل نسبة التغطية بالمؤونات إلى 70.5 في المئة من التسليفات المشكوك في تحصيلها في لبنان مقابل 54.0 في المئة في اليونان. أما نسبة المردود على متوسط الموجودات فهي إيجابية في لبنان أي بحدود 1.0 في المئة (11 في المئة لنسبة المردود على متوسط الأموال الخاصة)، في حين أن تلك النسبة سلبية في اليونان بحدود -0.4 في المئة (-4.1 في المئة لنسبة المردود على متوسط الأموال الخاصة). في هذا السياق، نمت الودائع المصرفية في لبنان بمتوسط سنوي قدره 8.4 في المئة على مدى السنوات الخمس الماضية (من 96 مليار دولار إلى 148 مليار دولار) في حين انخفضت الودائع المصرفية في اليونان بمعدل 13.1 في المئة سنوياً خلال الفترة نفسها (من 400 مليار دولار إلى 187 مليار دولار).
في الختام، يجدر ذِكْر أن هذه الاعتبارات الخاصة لا تعني أنه لا توجد تحديات جمة مرتبطة بديون لبنان السيادية في الأفق. والبيان الختامي لبعثة المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي في لبنان للعام 2015 أشار بشكل واضح إلى أن جمود السياسات في البلاد من شأنه أن يُرخي بثقله بشكل متزايد على الاقتصاد الوطني، وبالتالي يهدد مناعة لبنان بشكل عام لا سيما في ظل تداعيات الأزمة السورية المستفحلة والتي دخلت عامها الخامس. في هذا السياق، هناك حاجة ملحّة في لبنان للشروع في إطلاق العديد من الإصلاحات الهيكلية الجذرية في محاولة لضمان سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة بغية الوصول إلى نسب مستدامة وملائمة لحماية المناعة الاقتصادية والمالية والنقدية للبلاد في الأجلين المتوسط والطويل.