Site icon IMLebanon

اللامركزية بداية حل أزمة النفايات في لبنان !

LebanonWastesSukleen

خليل زهر
في ضوء أزمة النفايات التي انفجرت في لبنان أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن المشكلة الرئيسية في مطامر النفايات في البلاد، باستثناء بعضها، تتمثل في أنها مكبات لا تراعي المعايير الفنية الضرورية في تصميمها واستخدامها وإعادة تأهيلها وفي نوع المخلفات التي تُطمَر فيها وحالتها. فمطمر الناعمة مثلاً، الذي استُخدِم كحل موقت بعد اعتراض لم يخلُ من عنف على مطمر برج حمود في 1997، بلغ طاقته الاستيعابية الفنية قبل فترة طويلة. لكن بدل إقفاله وإعادة تأهيله، كان يُمدَّد العمل به حتى أصبح خطراً واضحاً على البيئة والصحة العامة.
يفترض الاستخدام الصحي للمطامر، أنها أمكنة للتخلص الآمن مما تبقى من مخلفات بعد الفرز والمعالجة والتدوير. فالمخلفات العضوية تُحوَّل إلى سماد أو وقود لتوليد الكهرباء. وتُدوّر المخلفات المعدنية والورقية والبلاستيكية بهدف إعادة استخدامها. ويُطمَر الباقي الذي تصل نسبته في الدول حيث تُفرَز النفايات عند المصدر، إلى نحو 40 في المئة من إجمالي النفايات المعالجة كحد أقصى.
أما الوضع في لبنان فبعيد كل البعد عن ذلك. فالنفايات الصلبة في لبنان، بناء على تقرير للمؤسسة الألمانية للتعاون الفني الدولي صدر في 2014، بلغت في 2013 نحو مليوني طن وتكونت من 52.2 في المئة مواد عضوية و16 في المئة ورقاً وكرتوناً و11.5 في المئة مواد بلاستيكية و5.5 في المئة معادن و3.5 في المئة زجاجاً و11 في المئة مواد أخرى، فيما تُحوَّل 15 في المئة فقط إلى سماد وتُدوَّر ثمانية في المئة، بينما تُطمر 48 في المئة وتُرمى 29 في المئة في مكبات.
وتُقدَّر الكميات التي ترفعها «سوكلين» في بيروت وجبل لبنان اللذين يشكلان، باستثناء قضاء جبيل، نطاق عمليات الشركة، بنحو نصف الحجم الإجمالي للنفايات الصلبة في لبنان أو مليون طن في السنة. وتُحوَّل 13 في المئة فقط إلى سماد، وتُطمَر 80 في المئة في الناعمة. ويُقدَّر أن الشركة تتقاضى نحو 143 دولاراً عن كل طن من النفايات، وهي تكلفة تفوق أربعة أضعاف تكلفة الطن في قضاء زحلة أو جبيل مثلاً. ويُشار إلى أن «سوكلين» فازت في 1994 بعطاء تنافسي لإدارة نفايات العاصمة ومحافظة جبل لبنان لسنة وجُدِّد عقدها ست سنوات بعد ذلك، ثم مُدِّد لها سنة فسنة من دون أي منافسة.
وإن كانت الأزمة الحالية الناتجة عن التوقف القسري لمطمر الناعمة وما نتج عنه من تكدس للنفايات في محافظتي بيروت وجبل لبنان سلطت الأضواء على قضية النفايات الصلبة وأخطارها، فثمة أخطار أخرى مزمنة غير مرئية قد تكون أشد خطورة على الصحة العامة وتطاول المقيمين في لبنان، ناتجة عن التقصير الفادح في إدارة هذا القطاع كما في معظم القطاعات الخدمية الأخرى. فالمطامر غير الصحية تؤدي إلى تلوث مصادر المياه الجوفية وكذلك المكبات التي تنشر السموم وتلوث الهواء نتيجة حرقها في الخلاء. وثمة مخلفات صناعية خطرة تُقدَّر بنحو ثلاثة أطنان في السنة، ونظراً إلى غياب التشريعات المحددة لإدارتها فضلاً عن ضعف تطبيق القوانين إن وجدت، يُتخلَّص منها في مستوعبات النفايات البلدية قبل أن تُطمَر أو تُرمى في المكبات.
أما المخلفات الطبية، خصوصاً الخطرة والمعدية منها التي تقدر بنحو 14 طناً يومياً، وعلى رغم الإنجازات المحققة في السنوات الأخيرة، لا تُعالَج إلا 60 في المئة منها، بينما يُرمى الباقي في حاويات النفايات البلدية. أما الكميات التي تُعالَج فيُعاد رميها مع النفايات البلدية. ويُذكَر أن اثنين في المئة من المختبرات الخاصة و20 في المئة من المستشفيات الحكومية و23 في المئة من المستشفيات الخاصة فقط تعالج نفاياتها.
تتعدد العوامل التي أدت إلى الأوضاع المتردية التي تعتري إدارة النفايات، وكثير منها مشترك يقف خلف تردي الخدمات العامة تقريباً مثل خدمات الكهرباء والمياه وغيرها. وما يميّز أزمة النفايات هو عدم قدرة المواطن على تجاوزها فردياً كما يتجاوز انقطاع الكهرباء باللجوء إلى المولدات، ونقص المياه بإمدادات الصهاريج أو حفر الآبار. لكن التخلص من النفايات بطريقة فردية، وإن كان ممكناً لأبناء القرى والأرياف وهذا ما يحدث، فهو أمر مستحيل لأبناء المدينة.
تفتقر إدارة النفايات الصلبة إلى إطار قانوني وتشريعي متكامل ينظم نشاطاتها المختلفة المتعددة. هناك ثلاثة قوانين فقط في هذا المجال، اثنان منها يُعنيان مباشرة بهذا القطاع. هناك قانون 8735 الصادر عام 1974 ويعهد إلى البلديات مسؤولية إدارة النفايات، والقانون رقم 9093 الصادر في 2002 الذي يحدد حوافز للبلديات لاستضافة مرافق إدارة النفايات. أما الثالث فهو قانون 444 الصادر في 2002 الذي يضع أسس حماية البيئة لكنه يخلو من أي تنظيم لإدارة النفايات الصلبة. وأعدت وزارة البيئة في 2005 مسودة قانون حول الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة بهدف تطوير إدارة النفايات، خصوصاً لرفع معدلات التدوير وخفض الكميات المخصصة للطمر وغيرها من الإجراءات. وأُحيل مشروع القانون إلى مجلس الوزراء في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، وفي مثال على «الكفاءة» الحكومية في لبنان، وافق عليه مجلس الوزراء بعد سبع سنوات أي كانون الثاني (يناير) 2012، وأحاله إلى مجلس النواب للتصديق عليه. وكما يُتوقَّع، لا يزال مشروع القانون في أدراج مجلس النواب. ومشروع القانون هذا يعد وزير البيئة به كحل لمشكلة مطمر الناعمة في محاولة لإقناع المعترضين على استقبال نفايات العاصمة. ولو اعتمد مجلس النواب الحالي القانون، لن يكون ذلك كافياً إذ يجب أيضاً وضع آليات تنفيذية للتمويل وإقامة الإطار المؤسسي الملائم واعتماد الاستراتيجيات والخطط التطويرية المطلوبة.
أما العامل الآخر المؤثر سلباً في أوضاع القطاع فهو تعدد الجهات ذات العلاقة وتداخل صلاحياتها. وهذا يساهم في بطء اتخاذ الإجراءات ويخفض الفاعلية المالية والإدارية. يخضع القطاع في شكل مباشر إلى ثلاث جهات هي وزارة البيئة، ووزارة الداخلية والبلديات، ووزارة التطوير الإداري فضلاً عن مجلس الإنماء والإعمار، المسؤول التنفيذي والإداري عن إدارة النفايات الصلبة في بيروت وجبل لبنان وكذلك في مدينة طرابلس. بالإضافة إلى هذه الجهات هناك أيضاً البلديات واتحاداتها وعدد من المنظمات غير الحكومية الناشطة في القطاع.
قد يكون العامل الأهم خلف فشل إدارة النفايات الصلبة في محافظتي بيروت وجبل لبنان هو النموذج المتبع خلافاً للقانون 8735، فهو ألغى دور البلديات في نشاطات ذات طبيعة لامركزية بامتياز وركزه في شركة خاصة تحت الإشراف المباشر لمجلس الإنماء والإعمار. فتنظيف الشوارع وجمع النفايات وفرزها نشاطات طبيعية للبلديات، بينما تصنيع النفايات أو تدويرها أمر قد يُعهَد به إلى شركات خاصة تختارها البلديات ذات العلاقة من دون حرمان البلديات عائداتها عبر الصندوق البلدي المستقل كما هو حاصل اليوم لتمويل المعالجة المركزية للنفايات.
لا حلول سريعة وكفوءة الوقت لقضية النفايات الصلبة، لكن أي حل يتجاوز البلديات المعنية ومن ضمنها الحلول المطروحة حالياً لن يصب في المصلحة العامة ولن يحل المشكلة. ونظراً إلى شرعية تمثيل المجالس البلدية، في مقابل المجلس النيابي الممدد لنفسه، فالبلديات أقدر على ضمان الشفافية بالتعاقد مع الشركات الخاصة. وهي الأقدر على حفز السكان على فرز النفايات قبل جمعها عند المصدر، وهو أمر ضروري لضمان صحة البيئة في المرافق وتوفير الاستدامة المالية للقطاع. ولتمكين البلديات واتحاداتها من القيام بدورها لا بد من بناء قدراتها الفنية والإدارية.