طوني رزق
تجهد الدول الخليجية، وفي مقدمها قطر، في إنجاز مشاريع تحلية مياه البحر لملاقاة حاجاتها الى المياه. وفي المقابل ومع انغماس اللبنانيين في دوّامة التجاذبات السياسية والبطولات الاعلامية يفوّتون فرَص الافادة من ثرواتهم الطبيعية مثل النفط والمياه في الوقت المناسب. فمتى ينتقل لبنان من الدراما الى البراغماتية؟
يتمسّك اللبنانيون بعناد كبير بتوجهاتهم السياسية والطائفية والتزاماتهم الخارجية أكانت اقليمية او دولية على حساب البراغماتيكية الحيوية والضرورية لتطوّر البلاد والمجتمع وحسن سير مختلف الملفات العالقة. ويبدو العناد اقرب الى الرومنطيقية والدراما التراجيدية منه الى الحكمة المدبّرة والمثمرة التي تعتمد الموضوعية في ادارة الشؤون العامة.
لم يعد لبنان بحاجة الى أبطال في السياسة والعسكر ولا الى زعماء يلعبون على وتر الكاريزما الشخصية والشعبية، بل باتَ بحاجة الى رؤوس حكيمة تعالج قضايا البلاد بما توفّره التطورات المدهشة والفعّالة التي اجتاحت العالم.
انّ الادارة الخليجية الذكية كرّست تفوّقها على الكثير من الدول الاخرى، وتقهقرَ اللبنانيون الى الوراء بشكل دراماتيكي وفَوّتوا بذلك سلسلة طويلة من الفرَص الاستثنائية وما زالوا يفوّتون فرصاً أخرى حاضرة ومستقبلية ايضاً. ومع التباطؤ في التعامل في ملفي المياه والنفط، يخسر لبنان الكثير مع تقلّص الجدوى الاقتصادية لهاتين الثروتين.
والى جانب انغماس اللبنانيين في تجاذبات داخلية عقيمة تجعلهم غافلين عمّا يدور حولهم من تطور وازدهار، تنتقل وراثة الزعامات السياسية من الآباء الى البنين في مشهدية تقارب التاريخ العتيق تحمل معها بذوراً عقيمة تجرّ البلاد نحو الشعر والادب والبطولة البريئة بدلاً من ركوب تيارات العِلم والحداثة والموضوعية ونَشر حضارة إنسانية مشرّفة.
وتعمل دول الخليج على حل مشكلة المياه الصالحة للشرب، وفي مقدمتها دولة قطر، حيث يتوقع ان يرتفع الطلب على المياه بنسبة 50 في المئة حتى العام 2022 ويرتكز العمل على تحلية مياه البحر، لأنّ استخدام المياه وحجم استهلاكها هو الاكبر في هذه المنطقة على مستوى العالم للشخص الواحد. علماً انّ العالم ينفق سنوياً نحو 8,6 مليار دولار اميركي على تحلية المياه بزيادة سنوية نسبتها 9 في المئة.
إنّ قيام الدول الخليجية بمجهود كبير لتحلية مياه البحر، الأمر الذي سوف يتعمّم على دول شرق اوسطية كثيرة أخرى، يقلّل من أهمية الثروة المائية اللبنانية الاقتصادية، ما يقلّل من فرَص إفادة لبنان من ثرواته الطبيعية. كما انّ تأخير بتّ ملف النفط يصبّ في الخانة نفسها، وليبقى لبنان واللبنانيون غارقين في الجدل السياسي الذي لا ينتهي على حساب تطور البلاد والمجتمع والانسان ومستوى العيش الكريم.