IMLebanon

نظريان يتمسك بالعدادات.. من دون الرقابة والمحاسبة

Nazarian

خضر حسان

سلسلة الانقطاعات الكهربائية التي لم تنفك ترخي بظلالها على اللبنانيين تعيد الحديث عن الإنجازات التي سجلها مقدمو الخدمات، على مدى نحو 3 سنوات ونصف. ومع اقتراب موعد انتهاء العقود بين مؤسسة الكهرباء والشركات (بعد حوالي 6 أشهر)، تزداد الضبابية حول مصير هذا القطاع. لكن الواضح هو البقاء على نهج الخصخصة، وعدم طرح امكانية تولي المؤسسة بشكل مباشر المهام الموكلة الى الشركات.

وما يثير السخرية، هو استمرار وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، بمعاملة الشركات على انها “لم تبلغ بعد سن الرشد”، وهي بالتالي بحاجة الى العناية وتقديم الخدمات والتنازلات، بهدف تأمين الأرضية المطلوبة للإنطلاق نحو تفعيل قطاع الكهرباء. فمنذ استلام الشركات لعملها، تقدم المؤسسة والوزارة التخفيضات المالية وفترات السماح، إضافة الى التعويض عن الوقت المهدور بحجة اعتصامات المياومين وإضراباتهم… أي ان الوزارة والمؤسسة لا تعاملان الشركات بموجب العقود، وهذا ما يزيد من هدر المال العام ويمعن دماراً في مؤسسة الكهرباء.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أن الوزارة، كونها سلطة الوصاية على مؤسسة الكهرباء، وبالضرورة على الشركات عبر المؤسسة، لم تقم بما يلزم لإعادة الأمور الى نصابها، بل دخلت في بازار تمديد المهل والتغاضي عن عدم انجاز الشركات للمهام الموكلة إليها، واكتفت الوزارة بالإستيقاظ متأخرة لمعالجة التفاصيل التي كان من المفترض معالجتها منذ زمن، ومنها تداعيات استقالة أعضاء لجنة إدارة مشروع مقدمي الخدمات، والتي من مهامها الإشراف ومراقبة عمل الشركات. فتلك اللجنة قدمت استقالتها مرتين منذ حوالي سنة ونصف، ورغم ذلك لم تتحرك الوزارة إلا من خلال كتاب موجه من الوزير أرتور نظريان الى المدير العام لمؤسسة الكهرباء كمال الحايك، بتاريخ 31-7-2015، يطلب فيه تعيين أعضاء جدد خلال الأسبوع الأول من شهر آب الجاري.

كما دعا الوزير الى “إنهاء الموافقات لمذكرة التفاهم مع كافة شركات مقدمي الخدمات خلال مدة أقصاها منتصف آب 2015، وإنهاء التسوية المالية مع كافة شركات مقدمي الخدمات في مهلة اقصاها آخر آب 2015، والبت بالسرعة القصوى في المعاملات العالقة لدى رؤساء دوائر التوزيع والمصالح، وغيرها من المشاكل، والعمل في مهلة اقصاها آخر آب 2015 على وضع جدول زمني محدد يتم تزويدنا إياه تجري فيه معالجة جميع الامور الاخرى العالقة مع شركات مقدمي الخدمات”. على ان أهم ما ورد في الكتاب، هو قرار العمل على “إنهاء الموافقات والشروع في تركيب العدادات الذكية بالاضافة لجدولة مراحل التركيب خلال الفترة المتبقية من مشروع مقدمي الخدمات”، أي ان الوزارة لم تأبه لكل النتائج السلبية التي ظهرت حول العدادات الذكية، والتي أخذتها اللجنة المستقيلة في الإعتبار، ورفضت المشروع على أساسها، ومن هذه النتائج ما هو مرتبط بهدر المال العام، هذا اذا استثنينا الحديث عن امكانية التجسس الإسرائيلي عبر العدادات. فهذه العدادات، بحسب مصادر “المدن”، تهدر المال العام لأنها تحتاج في الفترة بين انقطاع التيار وعودته الى 15 دقيقة على الأقل لتعيد توصيل إشارتها الى نقطة المعالجة المركزية، وقد تطول هذه الفترة لتصل إلى ساعة أو أكثر، وخلال فترة الانقطاع، لا يسجل العداد كمية استهلاك الكهرباء. فإذا اعتبرنا أن 2% من مجمل العدادات التي يفترض بأن تبلغ حوالي مليون عداد، تتوقف عن العمل، فإن حوالي 2000 عداد لن يرسل معلوماته. واذا كان الاستهلاك ما بين المنازل والشركات والفنادق وغيرها، بأقل تقدير هو 100 كيلوواط خلال 15 دقيقة، وسعر الكيلوواط حوالي 200 ليرة، فنكون امام هدر لحوالي 40 مليون ليرة، ولأن التقنين هو السمة البارزة لقطاع الكهرباء، فإن الـ 2000 عداد معرضة للتوقف مراراً، أي لتسجيل خسائر بالجملة. ومع ذلك، يصر نظريان على المضي بالمشروع حتى في اللحظات الأخيرة من عمر عقد مقدمي الخدمات. والعدادات هي العصب الأساسي لمشروع مقدمي الخدمات، مما يفسر سبب التمسك به، حتى الرمق الأخير.

من جهة أخرى، اللجنة الأساسية لا تقوم بعملها منذ مدة، اي ان الرقابة غائبة عن الشركات، الا ما خلا مراقبة المؤسسة، والأخيرة، تحوم حولها علامات الإستفهام، نظراً لإرتباط جهات كثيرة داخل المؤسسة بمشروع مقدمي الخدمات، اي ان الرقابة حُكماً غير فعالة، وهذا ما يظهره السكوت عن المشاريع غير المطابقة للمواصفات، وعن أزمة المياومين وأزمة ملء الشواغر، ومؤخراً قيام متنفذين في المؤسسة بتشكيلات إدارية ذات طابع “تأديبي” بحق موظفين يرفضون العدادات الذكية، ووصلت التشكيلات الى حلقة إدارية عليا، وفق ما تؤكده المصادر. وأمام ما يحصل، تشير مصادر إدارية في مؤسسة الكهرباء، لـ”المدن”، الى ان “كل شيء يسير وفق قرار وزير الطاقة، فهو وزير الوصاية، والمؤسسة تلتزم بقراراته”، لافتة الى انه بموجب القرار، “بدأ وضع النقاط على الحروف”.

نقاط وحروف مثلث الوزارة – المؤسسة – مقدمي الخدمات، يختلف عن نقاط المصلحة العامة، اذ ان مشروعاً غارقاً بالشوائب حتى النخاع، لا يستحق القتال لأجله بإستماتة، الاّ اذا كان المقصود ما بعد تركيب العدادات، وإنهاء قطاع الكهرباء. وفي جميع الأحوال، فإن كتاب نظريان “الإصلاحي” يعني ان معاملة الشركات وفق العقود قد بدأ، فهل سنرى المحاسبة؟.