حسين مهدي
للجامعة اللبنانية 210 مليارات ليرة في ذمة الدولة وسلطاتها التنفيذية والتشريعية المتعاقبة. هذا الرقم هو مجموع المبالغ التي سحبتها الدولة من ميزانية الجامعة اللبنانية من عام 2005 حتى عام 2014، يضاف إليها 200 مليون ليرة قيمة الاموال المرصودة للجامعة اللبنانية والمحتجزة لدى وزارة المالية. هذه الأرقام، تعطي صورة عن الطريقة التي تتعامل فيها السلطة اللبنانية مع جامعتها الوطنية الوحيدة، في وقت تقدم الدولة نفسها جميع التسهيلات للجامعات الخاصة، وتمنح التراخيص لكل من يريد فتح «دكانة جامعية» من دون حسيب أو رقيب
في كل عام، ترفع الجامعة اللبنانية مشروع موازنتها لوزارة المالية عبر وزير التربية، لكن لم تقتنع وزارة المالية يوماً بما وصلها، ودائماً ما كانت توجد مبررات للتشحيل من هذه الموازنة، حتى بلغ مجموع «التشحيل» المتراكم من عام 2005 الى عام 2014 نحو 210 مليارات ليرة.
«التشحيل» من الموازنة بلغ هذا العام 9.146 مليار ليرة لبنانية، اذ أن تقدير بعض النفقات، بحسب وزارة المالية، «يبدو مرتفعاً ويقتضي تخفيضه»، رغم أن الجامعة سبق لها أن خفضّت من ميزانيتها قبل تحويلها للوزارة، عملاً بتوصيات وزير المال. فما الذي طاوله التخفيض من الموازنة؟
التقت «الأخبار» رئيس الجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين، الذي شرح أن الموازنة تنقسم الى قسمين: رواتب وأجور، وميزانية للأمور التشغيلية. لا يمكن للدولة أن تمس القسم الأول من الموازنة، فتقوم بضرب القسم الثاني منها، الذي يشكل حجر الأساس في تطوير الجامعة الأكاديمي والبحثي واستقرارها الاداري والمالي، وفق السيد حسين. فالجامعة قدرت حاجتها، في موازنة 2015، لانفاق 80 مليون ليرة على استشارات ودراسات، الا أن المالية اقترحت تخفيض 50 مليوناً منها. نفقات الكتب والمجلات والصحف قدّرتها الجامعة بـ 1.200 مليار ليرة جرى تخفيض 400 مليون ليرة منها. نفقات اقامة وتدريب الطلاب ضمن الكلية وخارجها خفضت من 70 مليوناً الى 48 مليون ليرة. نفقات تنظيم رحلات علمية في لبنان خفضت من 125 مليوناً الى 70 مليون ليرة. ونفقات اقامة اشتراك في معارض محلية ودولية من 110 ملايين الى 40 مليون ليرة فقط! علماً أن من شأن هذه النفقات وغيرها أن تنقل صورة حقيقية عن الجامعة اللبنانية ومستواها العلمي داخل لبنان وخارجه، خصوصاً أن الجامعات الخاصة الكبرى والدكاكين الجامعية تتلقى الدعم المالي وتخصص ميزانية مرتفعة للترويج واعلان دراسات ومؤتمرات ورحلات علمية وغيرها. الا أن نظرة الدولة مختلفة، اذ ترى أنه من الممكن أن تخفض نفقات الاشتراك في المؤتمرات الثقافية والجامعية من 300 مليون الى 200 مليون ليرة، ونفقات تنظيم والاشتراك في مؤتمرات وندوات وحفلات من 300 مليون الى 200 مليون ليرة أيضاً. ونفقات مراكز الأبحاث خفضت من 90 مليوناً الى 60 مليون ليرة. ونفقات طبع منشورات الجامعة من 106 ملايين الى 80 مليون ليرة.
ضرب أي امتداد للجامعة
من الواضح أن السلطة يهمها جداً ضرب أي امتداد للجامعة اللبنانية، فأوقفت كامل المساهمات التي تقدمها الجامعة الى الجمعيات والروابط المنبثقة عنها، كرابطة العاملين في الجامعة، الجمعية الجغرافية اللبنانية، نادي خريجي كلية العلوم الاقتصادية وادارة الاعمال، رابطة خريجي معهد الفنون الجميلة. كما خفضّت أيضاً مساعدة الجامعة المخصصة لرابطة الأساتذة المتفرغين من 70 مليوناً الى 50 مليون ليرة. «وإلا ما الهدف الحقيقي وراء وقف المساعدات عنها؟» يسأل السيد حسين، الذي يشرح أثر نقص الموازنة في تطور الجامعة اللبنانية، «فأحد المباني العائدة للجامعة في منطقة المنصورية، لا إمكانية لنا على ترميمه، بسبب الكلفة المرتفعة، وعدم رصد الأموال لذلك، وهناك نزاع قانوني مع مالك مبنى كلية الفنون في الروشة واستعادته تحتاج منا الى دفع مليارين أو 3 مليارات ليرة. كلية الاعلام لم نستطع بعد تجهيز استديو فيها يكلّف حوالى المليار ليرة أيضاً، علماً أن هذا يمكن له أن يرد المال على الجامعة لاحقاً من خلال أعمال التدريب».
يرد السيد حسين السياسة المتبعة من قبل السلطة إلى أنها «لا تريد للجامعة أن تطوّر ما وصلت اليه»، فالسلطة منكبة على الترخيص للـ»دكاكين الجامعية»، في حين تحاول ضرب المؤتمرات والندوات التي تنظمها الجامعة، وتسعى إلى «تطفيش» الأساتذة الزائرين عبر تخفيض الأموال المخصصة لإقامتهم، كما أن مردود الأبحاث بالنسبة للباحث قلّ، «وهذا لا يشجع على البحث العلمي»، بحسب السيد حسين، الذي يتحدث عن «انطلاقة في البحث العلمي ومن الواجب متابعتها، فهذه روح الجامعة».
أموال الجامعة محتجزة
عدا عن التخفيضات في موازنة الجامعة، لدى وزارة المالية سياسة تقيّد الجامعة وتمنعها من الإنفاق وفق موازنتها لفترة طويلة، اذ أن الموازنة لا تقر في الشهر الأول من العام، بل غالباً ما تؤخرها وزارة المالية أشهراً عدة. هذا العام انتهت الوزارة من دراسة الموازنة في الشهر السابع، علماً أنها تعهدت أن تنجزها في الشهر الخامس، وهي أحيلت من قبل الجامعة قبل ذلك بكثير. خلال هذه الفترة، أجبرت الجامعة على الانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية، أي العودة الى موازنة عام 2005، سنة تصديق المجلس النيابي على آخر موازنة للدولة.
حينها كانت ميزانية الجامعة بحدود 150 ملياراً، أما اليوم فتصل حاجتها الى 383 مليار ليرة، وهذا ما أوصل الجامعة سابقاً الى أزمة شح مالي حصرت إنفاقها بدفع أجور ورواتب الموظفين والأساتذة دون سواهم من أجراء وغيرهم، ومن دون القدرة على رصد أي مبلغ لأي كلية تحتاج الى تنفيذ أي نشاط أو ندوة أو لقاء، ونتج من ذلك أيضاً 4 دعاوى قضائية رفعت من قبل مالكي الأبنية المؤجرة على الجامعة بسبب عدم قيام الأخيرة بدفع الإيجار المستحق عليها لعام 2014. التنكيل بالجامعة من قبل الحكومة اللبنانية ووزارة المالية لم يتوقف هنا، 200 مليار ليرة لبنانية، من الـ waa program، محتجزة في وزارة المالية لصالح الجامعة اللبنانية من حكومة فؤاد السنيورة الأولى، وهي مخصصة للأبنية، علماً أن المبلغ أكثر بقليل، ولكن تم الاستعانة بجزء من المبلغ بما لا علاقة للجامعة به.
هناك مصدر آخر لتمويل الجامعة، وفق السيد حسين، هو البنك الاسلامي للتنمية، الذي أعرب عن استعداده لإنشاء كلية تابعة للجامعة سنوياً، ويعتبر السيد حسين أنه «لو كانت هناك ارادة سياسية حقيقية لدعم الجامعة اللبنانية، لكانت ارتاحت من كلفة الايجارات السنوية للأبنية التي تجاوزت الـ 20 مليار سنوياً، عدا عن اعمال الصيانة والتأهيل».
موارد ذاتية لا تكفي
رئيس الجامعة يشرح لـ»الأخبار» أيضا كيف «تدبّر» الجامعة نفسها، فيتحدث عن وفر قامت به الجامعة من خلال المناقصات، ومن خلال قرار إلغاء مخصصات الامتحانات الجزئية (تصحيح ومراقبة). كما هناك أيضاً موارد ذاتية من بيع المنشورات، اقامة نشاطات ثقافية بالتعاون مع وزارة الصحة، الخدمات التي تقدمها كلية طب الأسنان للمواطنين، والمركز الصحي الاجتماعي الذي افتتح أخيراً في الحدث، وقد ارتفعت هذه الموارد الذاتية من 15 الى 28 ملياراً. كما أن الجامعة أحالت على الحكومة مشروع مرسوم رفع رسوم تسجيل الطلاب 100 ألف ليرة في الكليات النظرية و150 ألفاً في الكليات التطبيقية فقط، «لأن هذه الرسوم تعود لعام 2002، وهي أقل من رسوم التسجيل في التعليم الثانوي الرسمي»، يبرر رئيس الجامعة.
الا أن كل ذلك، لا يكفي الجامعة، في ظل سياسة تهجير الطلاب الى الجامعات الخاصة، الذي تمارسه جهات خارج وداخل الجامعة، ويسهم في ذلك قرارات صدرت سابقاً. إلا أن العبء اليوم يقع على عاتق مجلس الجامعة اللبنانية، الذي من واجبه السعي الى تطوير الجامعة أكاديمياً وبحثياً، عبر تطوير مواردها البشرية والضغط على الدولة لتطوير مواردها المالية.