توقّف العمل بسدّ جنة، بعد سنوات من السجالات التقنية حول مدى جدواه، وبعد 15 عاماً من تاريخ طرح إقامته لري منطقتي جبيل وبيروت من نهر إبراهيم، غير أن قرار توقف العمل به، لم يوقف السجالات التي تحوّلت من تقنية الى سياسية بحتة، بين نواب كتلة التغيير والإصلاح من جهة، على اعتبار أن راعي مشروع سد جنة، هو الوزير جبران باسيل، وبين نواب بيروت من جهة أخرى.
المناكفات السياسية وإن طغت على التقارير والآراء التقنية غير أنها لم تغّير من واقع السد وحقيقة عدم جدواه بحسب ما أوردت شركات عالمية وخبراء لبنانيون، بغض النظر عن مواقف السياسيين من إقامته. فللسياسيين حسابات “خاصة” يبنونها في كثير من الأحيان على معطيات، غير مُعلنة، ولعل أبرز ما يشير الى ذلك، تناقض المواقف بين النائب محمد قباني ونواب التيار الوطني الحر في اجتماع لجنة الطاقة والمياه الأخير. ففي حين أكد النائب محمد قباني عدم جدوى السد لأسباب تقنية تتعلّق بالتسريب المائي، أصر النائبان سيمون أبي رميا وحكمت ديب على عدم وجود أي تسرّب في سد جنة ولا بد من استكمال تشييده.
هذا النوع من الخلافات السياسية ليس بجديد على القضايا والمشاريع الحيوية في لبنان، من هنا يصبح من الضرورة العودة الى آراء الخبراء والتقنيين في هذا الملف، ومن بين الذين شاركوا بوضع الدراسات والتقارير حول السدود ومنها سد جنة، الخبير الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا، الذي يستبعد أن يبصر سد جنة النور بسبب المشاكل الفنية والتقنية التي ستواجهه. ويعتبر شاتيلا في حديث إلى “المدن” أن أهم الثغرات التي تشوب إقامة السد هي شدة رشوح الطبقات الجيولوجية التي سيتم تخزين المياه فوقها بسبب تشققها والفجوات المنتشرة فيها. ويذكّر بموقف المؤسسة الألمانية “بي آر” التي اعتبرت أن السد لا يصلح نهائياً لجر المياه من نهر ابراهيم إلى بيروت أي على بعد 50 كيلومتراً من القسم الغربي لمدينة بيروت، لما يواجهه من تسرّب هائل في بنيته.
وإذ يستغرب شاتيلا الإصرار على إقامة سد جنة في ظل وجود بدائل أكثر أماناً وأقل تكلفة، بينها سد الدامور، يشير الى إحدى الدراسات التي وُضعت بتاريخ 3 حزيران 2012 حول موقع سد جنة، وبيّنت أن نسبة التسرّب عند بُحيرة السد تتراوح ما بين 35 الى 52 في المئة، وتبدأ التسرّبات من إرتفاع 800 متر وحتى 860 متراً، وان التسرب الأكبر هو ما بين 810 و820 متراً، والنتيجة أنه يستحيل تحديد نسبة التسرّب بشكل دقيق قبل إنشاء السد، وحينها يكون الأوان قد فات.
وما يطرح التساؤلات أيضاً حول سبب الإصرار على إقامة سد مشكوك في جدواه، هو فارق التكلفة بين سد جنة الذي من المتوقع أن يوفر مئة مليون متر مكعب من المياه، (تذهب 30 مليوناً منها لمنطقة جبيل و70 مليوناً لمنطقة بيروت)، بتكلفة لا تقل عن 250 مليون دولار، إذا تم فصله عن سد بسري (سدا بسري وجنة يندرجان في منظومة مائية واحدة وتبلغ تكلفتهما نحو 950 مليون دولار)، مقابل بديل عن سد جنة وهو سد الدامور الذي تبلغ تكلفته نحو 153 مليون دولار فقط، ويمكن أن يوفر 97 مليون متر مكعب من المياه.