كتب علي الحسيني في “المستقبل”: لا جديد حتّى الساعة في موضوع الزبداني يُمكن أن يُضيفه «حزب الله» إلى سجلّه في الحرب السورية، سوى المزيد من الخسائر في صفوف عناصره، إضافة الى تدمير المدينة وإحراقها وتهجير أهلها، بعد أكثر من شهرين على الحصار شيّع خلالهما الحزب أكثر من مئتي عنصر، نصفهم من قوّات النخبة لديه والنصف الآخر من «التعبئة» و»سرايا المقاومة».
هلّل إعلام «الممانعة» خلال اليومين المنصرمين لإنجاز قال إنه تحقق على أيدي جيش النظام و»حزب الله» في الزبداني، تمثّل بتقدم من الجهة الغربية للمدينة وبصد هجوم لفصائل سورية مسلحة من المُفترض أنها مُحاصرة وبالكاد تستطيع الدفاع عن وجودها في مواجهة أكثر من ثلاثة آلاف عنصر تؤازرهم طائرات حربية ودبابات وبراميل متفجرة، ما يكشف أنه منذ إعلان الحزب بدء معركة الزبداني حتى اليوم، لم يحقق أي «إنجاز« يُذكر، على عكس ما ادعاه طيلة هذه الفترة من انتصارات كانت جميعها تؤشر إلى قرب الانتهاء من هذا المأزق بعدما تحوّل إلى كابوس يفوق حجمه ما سبق أن واجهه في القلمون.
إشارات عدّة تبرز حجم المعاناة التي يواجهها «حزب الله» في معركته في الزبداني، منها اضطراره إلى تحريك جبهة القصير في ريف حمص التي ظلت منذ احتلاله لها بعيدة عن الصراع المسلح والمناوشات لدرجة أن الحزب نفسه كان اعتبرها بمثابة حزام آمن له وجزء أساسي من حدوده الديموغرافية، لكن وبفعل الضغط العسكري الذي يمارسه الثوار من داخل الزبداني وعند أطراف جوسية والقصير حيث دارت منذ أيام اشتباكات بين الجهتين، أعاد الحزب «تزييت» مدافعه ورفع «الشوادر» عن راجماته تحسباً لمعركة قريبة، وقد ترافقت هذه التحركات مع معلومات تحدثت عن استعدادات تقوم بها الفصائل المسلحة لخلق جبهة موحدة في ريفي دمشق وحمص لاسترجاع قرى وبلدات كان النظام والحزب قد سيطرا عليها في السابق.
من عادة «حزب الله» أنه يُعطي لكل مرحلة أهميتها الخاصة أو عنوانها الخاص، لكن هذا المبدأ في التعاطي ما عاد يستحوذ على أولويات الحزب في سوريا في الوقت الراهن، إذ إن كل الجبهات تحوّلت إلى عامل استنزاف له وفي طليعتها جبهة الزبداني التي جعلته يتبع مؤخراً سياسة الأرض المحروقة على غرار ما قام به سابقاً في القصير حيث يعمد إلى حرق المحاصيل الزراعية، إن من خلال قصفها بقذائف مُحرمة دولياً أو من خلال تلفها بمواد سامة ترميها طائرات النظام إلى جانب البرميل المتفجرة لمنع الأهالي والثوار من الصمود بعدما أصبحوا يعتاشون على ما تيسّر لهم من زرع من جرّاء الحصار المفروض عليهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
أزمة الحزب تتفاعل على جميع المستويات، وفي ظل هذا التأزم هناك من يترقب إعلان الحزب في القريب العاجل التعبئة العامة في صفوفه، وسط معلومات تؤكد طلب القيادة العسكرية ضرورة إنهاء كافة دورات التدريب داخل المعسكرات في البقاع والجنوب في أسرع وقت تحسباً للأسوأ، خصوصاً في ظل التقارير التي تتحدث عن مواجهة مُحتملة مع إسرائيل، والتي على أساسها أجرى الحزب الشهر الماضي مناورتين ضخمتين لعناصره في البقاعين الأوسط والشمالي وفي الجنوب، حاكى من خلالهما فرضية إنزالات إسرائيلية من جهة وتقدم للفصائل السورية المسلحة من جهة أخرى، وهو ما فسره بعض الخبراء العسكريين بأنه يندرج ضمن التشتت العسكري الذي يُعانيه الحزب خلال الفترة الحالية.
«حزب الله» على يقين اليوم بأن مشاركته في الحرب السورية تُشبه إلى حد بعيد الوقوع في «الرمال المتحركة« إذ لم يعد الانتصار مطلبه الأساسي بمقدار سعيه الى الحفاظ على وجوده العسكري وعلى صورته وهيبته أمام جمهوره وبيئته. فالحزب الذي سبق أن ادرك استحالة إنتصاره في الداخل اللبناني على الرغم من استمراره في اتباع سياسة التعطيل والهيمنة والتعالي، أصبح متأكداً من صعوبة انتصاره في سوريا ولهذا لجأ في العديد من المرّات إلى إجراء مفاوضات جانبية مع الثوار في العديد من البلدات آخرها إعلان حركة «أحرار الشام« المفاوض عن أهالي الزبداني أمس، «توقف المفاوضات مع إيران بسبب إصرارها على تفريغ المدينة من أهلها«.
أمام الاستنزاف اليومي الذي يُصيبه، يقف «حزب الله» حائراً وعاجزاً عن تأمين أو حماية ما يدّعي بأنها حدوده أو حتى الاحتفاظ ببقعة آمنة خاضعة لسيطرته. العجز هذا يُفسره أحد كوادر الحزب العسكريين بكلام يقول فيه «إن المسلحين اكتسبوا خبرات قتالية عالية، يتفنّون بزرع العبوات وبعمليات قنص من داخل مدينة هم في الأصل أهلها وسكانها ويحفظون شوارعها وزواريبها. إنها فعلاً حرب».