افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي امس بحضور عدد كبير من القادة العرب والافارقة والاجانب «قناة السويس الجديدة« التي تعقد عليها الآمال لانعاش الاقتصاد المصري المتدهور بعرض جوي وبحري تقدمه على متن يخت «المحروسة« الملكي الذي شارك في افتتاح القناة قبل نحو 150 عاما.
فـ«قناة السويس« تعتبر من القصص الملهمة في التاريخ إذ لم تخلُ مسيرتها الممتدة لأكثر من 150 عاماً من لحظات عصيبة، ولكنها اليوم تشق طريقها عبر سهول مصر كرمز حي لعزيمة وإصرار الشعب المصري وراية خفاقة للازدهار والأمل والتاريخ العريق.
ويتوقع ان تتجاوز ايراداتها الـ11 مليار دولار، اذ قال وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان، إن الدولة تستهدف مضاعفة التدفقات النقدية المحققة من قناة السويس من 5 مليارات دولار سنوياً لتصل إلى ما بين 10.5 و11 مليار دولار، لافتاً إلى أن التوقعات الأولية تُشير إلى ارتفاع إيرادات القناة بنسبة تُجاوز الـ 10% خلال عامها الأول. وأشار سالمان إلى أن مصر تقدم هدية للعالم بخفض 40 في المئة من التكلفة المالية للعبور بعد أن كان العبور طريقاً واحداً، وكانت السفن التي تعبر من الشرق للغرب تحتاج للانتظار في البحيرات المرة لفترة تصل إلى 18 ساعة، ولكن بعد حفر القناة الجديدة تم توفير طريق مزدوج يخفض وقت الرحلة إلى 11 ساعة.
وقد تكللت جهود مصر لتنشيط حركة التجارة العالمية بريادتها كأول دولة تحفر قناة مائية عبر أراضيها. وتتمتع قناة السويس بأهمية كبرى نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي جعل منها حلقة وصل دولية بين الشرق والغرب ومجرى ملاحياً رئيسياً بين البحرين الأحمر والمتوسط. وتعود فكرة إنشاء قناة السويس لأكثر من 40 قرناً مضت بدءاً من عصر الفراعنة ومروراً بالعصر الاسلامي حتى تم حفرها على الشكل الراهن اليوم.
وتم جرف العديد من القنوات بين نهر النيل والبحر الأحمر، وجرى استخدامها بموجب شروط عديدة عبر العصور. وبعد أن تبقى جزء يسير منها، أعاد عمرو بن العاص بناءها بعد الفتح الإسلامي لمصر بهدف ربط النيل مع البحر الأحمر، وتأمين خط امدادات جديد من القاهرة. وكانت القناة تُستخدم بشكل رئيسي لشحن الحبوب ونقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة في الجزيرة العربية؛ وتم إغلاقها مطلع عام 767 ميلادي من قبل الخليفة العباسي المنصور لقطع الإمدادات عن المتمردين في دلتا النيل وتجويع الثوريين في المدينة المنورة.
وبُذلت الجهود الأولى لبناء قناة حديثة خلال حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 بهدف ترك تداعيات مدمّرة على حركة التجارة الإنكليزية. ولم يلبث أن توقف العمل بالمشروع بعد حسابات سيئة أشارت إلى أن البحر الأحمر أعلى بنحو 10 أمتار من مستوى البحر المتوسط.
وفي وقت لاحق، وصلت إلى شواطئ مصر مجموعة من العلماء والمثقفين الفرنسيين وأقاموا فيها بين عامي 1833- 1853. وقد أبدى أولئك العلماء اهتماماً لافتاً بإحياء مشروع قناة السويس، وعندما عاد جزء كبير من مهندسي المجموعة إلى فرنسا، قام من تبقى منهم بتأسيس رابطة حملت اسم «سان سيمون« وركزت على دراسة إمكانية حفر قناة السويس مرة اُخرى. ودحضت الرابطة أي مخاوف بشأن وجود فرق قي المستويات بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، وقامت بإعداد دراسة فنيّة للمشروع.
ولسوء الحظ، ظهرت في ذلك الوقت معارضة انكليزية قوية لمشروع القناة، وكان حاكم مصر محمد علي مريضاً ولم يبد اهتماماً بها آنذاك، وتوقف على إثر ذلك العمل في المشروع. وفي عام 1854، نجح الدبلوماسي الفرنسي والمهندس فرديناند ماري دي ليسبس في حشد انتباه نائب الوالي سعيد باشا للمشروع.
وفي عام 1858، تأسست «الشركة العالمية لقناة السويس البحرية« وحصلت على امتياز لحفر قناة وتشغيلها لمدة 99 عاماً على أن تؤول ملكيتها بعد ذلك إلى الحكومة المصرية. وتأسست الشركة في البداية كمؤسسة مصرية خاصة يملك معظم أسهمها مستثمرين مصريين وفرنسيين. وفي عام 1875، قامت الحكومة البريطانية بشراء أسهم الحكومة المصرية.
وأشارت الدراسة التجريبية للمشروع إلى ضرورة إزالة 2,613 مليون قدم مربعة من الأتربة بما فيها 600 مليون قدم مربعة من التربة الجافة و2,013 مليون قدم مربعة من التربة المجروفة بفعل المياه. وبلغت التكلفة التقديرية الإجمالية للمشروع آنذاك 200 مليون فرنك.
وتسبب ذلك ببعض العراقيل الكبرى وأبرزها مسألة التمويل. وعندها اشترى سعيد باشا 44 في المئة من الشركة للإبقاء على تشغيلها. ومع ذلك كان الإنكليز والأتراك يشعرون بالقلق إزاء المشروع، ورتبوا لوقفه ولو لفترة وجيزة إلى أن تدّخل نابليون الثالث وبدأ حفر القناة فعلياً في 25 نيسان 1859. وبدءاً من ذلك التاريخ وحتى عام 1862، تم استكمال الجزء الأول من القناة. ومع تولي اسماعيل الحكم خلفاً لسعيد باشا في عام 1863، توقف العمل في المشروع مجدداً.
وبعد ذلك لجأ فرديناند دي ليسبس مرة أخرى إلى نابليون الثالث، فتشكلت لجنة دولية في آذار 1864 وقامت بمعالجة المشكلات التي تعيق المشروع ليتم استكمال القناة في غضون 3 سنوات. وفي يوم 17 نوفمبر 1869، أزيل الحاجز عند السويس وتدفقت مياه البحر المتوسط الى البحر الأحمر وتم افتتاح قناة السويس أمام الملاحة العالمية.
وبالرغم من تدفق المياه عبر القناة، إلا أن الانتهاء الكامل من المشروع استغرق 10 سنوات أخرى من الجهود المضنية؛ وتم استدعاء 20 ألف مصري كل 10 أشهر لإتمام أعمال الإنشاءات في الممر المائي البالغ طوله 160 كيلومتراً.
واستضافت مدينة الإسماعيلية احتفالاً مهيباً عند الانتهاء من قناة السويس بحضور 6 آلاف متفرّج والعديد من رؤساء الدول بمن فيهم الإمبراطورة أوجيني، وإمبراطور النمسا، وأمير ويلز، وأمير بروسيا، وأمير هولندا. ودخلت قافلتان من السفن القناة من مداخلها الجنوبية والشمالية والتقتا في الإسماعيلية.
وفي عام 1888، تم افتتاح القناة رسمياً بموجب اتفاقية دولية نصّت على مرور السفن من جميع الدول دون تمييز، وهو ما شكل اتفاقاً تاريخياً برهن على التزام مصر بتسهيل التجارة العالمية. ولكن الحكومة البريطانية قامت بشراء أسهم في القناة بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني، وحافظت فرنسا على حصة الأغلبية فيها. وبذلك استمرت القناة تحت السيطرة الإنكليزية والفرنسية إلى أن قام بتأميمها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في عام 1956، وأصبحت «هيئة قناة السويس» تديرها منذ ذلك الحين.
ومع احتدام الصراعات الإقليمية، تم إغلاق قناة السويس لفترة وجيزة قبل أن يعاد افتتاحها عام 1957. وقد استكملت مصر في عام 1962 مدفوعاتها النهائية تجاه القناة لتعلن سيطرتها الكاملة على المشروع.
واليوم، تعتبر قناتا السويس القديمة والجديدة من أهم الممرات الملاحية في العالم. وقد أثمر الدفاع المستميت عن هذا المشروع الحيوي وأهميته الكبرى على الساحة الدولية في تحقيق عائدات مجزية لمصر التي تفخر اليوم بتشغيل مشروع واعد سيدرّ عليها حوالى 12,5 مليار دولار سنوياً.