تواصل الأزمة الاقتصادية في العراق، صاحب خامس أكبر احتياطي للنفط في العالم، بالتفاقم، مع عجز الحكومة الحالية عن التوصل إلى حلول آنية لها، لا سيما مع زيادة النفقات المالية وخصوصاً العسكرية منها، وتغطية الرواتب، بالتزامن مع انخفاض عائدات النفط، بعد أن شهدت أسعاره تراجعاً منذ العام الماضي، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية”، الذي استولى على مناطق إستراتيجية في البلاد.
وتسببت الأزمة الراهنة في عجز الحكومة عن تسديد الديون المستحقة للشركات الأجنبية والاستثمارية، والديون الدولية المقدرة بمليارات الدولارات، كما أدّت إلى تأخير تسديد رواتب آلاف من موظفي الدولة الذين بدؤوا في تنظيم مظاهرات يومية، للضغط على حكومة حيدر العبادي، لسداد رواتبهم.
ويري خبراء اقتصاديون عراقيون، أن الأزمة الاقتصادية في بلادهم بدأت تتفاقم، مع سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” على مساحات واسعة من المحافظات الشمالية والغربية العام الماضي، وبدء القوات الأمنية في مواجهته، وتسخير الحكومة كافة الطاقات الاقتصادية لخدمة تلك المعارك، وزاد على ذلك دعوة المرجع الشيعي علي السيستاني، إلى الجهاد ضد التنظيم، وتشكيل الحشد الشعبي (مليشيات موالية للحكومة) وتخصيص قسم كبير من الموازنة لها.
فلاح حسن، عضو السياسات الاقتصادية في وزارة التخطيط، اعتبر أن “جذور الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، بدأت منذ عام 2003، لكنها لم تكن ذات تأثير كبير كون عائدات النفط بأسعاره التي تجاوزت سقف الـ 100 دولار للبرميل، كانت تكفي لسداد النفقات المتزايدة، لكنها سرعان ما برزت الأزمة خلال عامي 2014،2015 بعد أن تراجعت أسعار النفط إلى النصف”.
وأضاف حسن في تصريح للأناضول، أن “الأزمة ليست متعلقة بالنفط، وإنما متعلقة بسوء التخطيط، وانعدام الرؤية الإستراتيجية طيلة السنوات الـ 12 الماضية، لبناء اقتصاد داخلي، وتفعيل المؤسسات الإنتاجية، بدلاً من إبقاء اقتصاد البلد معتمداً على إيراد أحادي الجانب”، مشيراً أن “الحركة الصناعية في العراق شبه معطلة، بسبب انعدام الطاقة الكهربائية، رغم أن قطاع الكهرباء أُنفق عليه مليارات الدولارات، لكنه لا يزال متعثراً، بسبب الفساد وسوء التخطيط”، وفقاً لتعبيره.
وقال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، السبت الماضي، خلال اجتماع مع محافظي المحافظات في رئاسة الوزراء ببغداد، ونشر ذلك فيما بعد في بيان، إن إيرادات بلاده المالية للنصف الأول من العام 2015، بلغت 23 تريليون دينار (نحو 20 مليار دولار أمريكي)، وسط ارتفاع نفقات الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية”. فيما ?لم تعلن الحكومة العراقية نفقات النصف الأول من العام الجاري، بخصوص الرواتب، ?بإستثناء ما ذكره العبادي.
ويُعّد الفساد المالي والإداري أحد أبرز الأسباب الرئيسة وراء تدهور الاقتصاد العراقي، وبسببه تعطل تنفيذ أكثر من 9 آلاف مشروع اقتصادي، وتنموي، وصناعي، وخدمي في جميع المحافظات، بحسب وسائل إعلام محلية.
وبسبب العجز في سداد نفقات المشاريع، قررت وزارة التخطيط العراقية في يونيو/حزيران الماضي، التوجه بإعادة النظر بنحو 9 آلاف مشروع في المحافظات بنسب إنجاز (30-60%)، جراء الأزمة المالية التي أثرت على المحافظات وإقليم شمال العراق. فيما خلت موازنة 2015 من أية مبالغ مالية لتنفيذ مشاريع خدمية أو استثمارية في عموم المحافظات.
وحدد قانون الموازنة الاتحادية لعام 2015، آليات تلجأ الحكومة الاتحادية إليها لاحتواء الأزمة المالية، وسداد العجز المالي الذي يبلغ 25 تريليون دينار (نحو 22 مليار دولار)، عبر اللجوء إلى الاقتراض الخارجي.
من جهته، قال سرحان أحمد، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، للأناضول، إن “قانون موازنة 2015 حدد آليات تجاوز العجز المالي في الموازنة من خلال الاقتراض من صندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي، أو البنك الإسلامي، أو إصدار سندات خارجية أو داخلية، أو فرض الضرائب والرسوم على البضائع والسلع المستوردة”.
وأصدرت حكومة العبادي على مدى الأسابيع الماضية، سندات خزينة داخلية وخارجية بملايين الدولارات، كما لجأت إلى تطبيق قانون زيادة الضرائب على البضائع والسلع، لكن تلك الإجراءات واجهت سخطاً شعبياً بمظاهرات واسعة، شهدتها أغلب المحافظات الوسطى والجنوبية.
وأضاف أحمد أن “الأبواب التي حُددت في الموازنة لمعالجة العجز المالي، لن تحقق أهدافها طالما لم تضع الحكومة الاتحادية حلولاً جذرية وآنية لإيقاف الفساد المالي الذي يتسبب بهدر مليارات الدولارات”، كما اعتبر أن “الأزمة المالية والاقتصادية ستتسع في ظل عدم محاربة الفساد، وعزل المسؤولين المتورطين به”.
وفي مسعى لاحتواء أزمة الطاقة الكهربائية، قدّم البرلمان، جملة توصيات عاجلة إلى الحكومة، بعد سلسلة اجتماعات عُقدت على مدى الأسبوعين الماضيين مع المسؤولين في السلطة التنفيذية، وأبهذا الخصوص أوضح محمد حميدي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان للأناضول، إن “لجنتي النزاهة والطاقة البرلمانيتين قدمتا الأسبوع الجاري، جملة توصيات إلى الحكومة تمثلت بتجميد عمل لجنة الطاقة الحكومية، على أن يتولى رئيس الوزراء شخصياً رئاسة اللجنة، والتنسيق بين الوزارات المعنية، مستعيناً بعدد من الخبراء الفنيين والعلميين والاقتصاديين”.
وأوضح حميدي أن “التوصيات تضمنت أيضاً فتح باب الاستثمار للشركات العالمية الرصينة والمعروفة، لإنشاء محطات كهربائية جديدة، وإلزام وزارتي النفط والمالية بتوفير احتياجات وزارة الكهرباء من الوقود والأموال بصورة عاجلة لحل الأزمة آنياً”.
وانعكست الأزمة المالية الاتحادية سريعاً على إقليم شمال العراق، الذي قرر بدء تصدير النفط منذ يونيو/حزيران الماضي، بمعزل عن حكومة بغداد، بعد تعذر الأخيرة من الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه الإقليم، لكن بغداد تسعى لاحتواء الأزمة، وإعادة العمل باتفاق تصدير النفط المبرم مع الإقليم مطلع العام الجاري.