يكاد لا يمرّ أسبوع من دون تسجيل عملية قتل أو خطف في حقّ مواطنين أبرياء عُزَّل. تتعدّد وسائل الإجرام وتتّسِع معها وقاحة الخارجين عن القانون ومخيّلتهم الإجرامية؛ تهديد بالسلاح، نصب كمين، “تشليح” السيارة… وآخِر فصول التسَيُّب الأمني كان خطف الشاب مارك الحاج موسى في العقد الثالث من عمره، فجر أمس.
منذ سَماعهم خبرَ خطفِه، توافد الأهل والأقارب إلى منزل عائلة الحاج موسى المكوَّن من 3 طبقات، واجتمعوا على الشرفة في حيرةٍ من أمرهم ينتظرون أيّ إتصال يُثلِج صدورهم، ويُطَمئنهم عن مصير إبنهم مارك.
وعلى رغم زحمة السيارات، وحركة الزوّار، إلّا أنّ الأجواء، “زِتّ الإبرة بتسمَع رَنّتا”، فالصمت سيّد المكان، لا مراء لأحدٍ في الكلام، فقد آثرَت العائلة عدمَ استقبال أيّ وسيلة إعلامية أو الخوض في ظروف الخطف، مكتفيةً بثلاث كلمات: “الأمن منَعنا نِحكي”. على طول الطريق المؤدّية إلى المنزل، تدابير أمنية مشدّدة، ودوريات مكثّفة، من دون أيّ أمل أو خبر يُعيد للعائلة أنفاسها.
في التفاصيل…
“خِيرَة الأوادم”. بهذه العبارة يحلو لرفاق مارك، وكلّ مَن عرفه، إختصار شخصيّته، فهو “ما بيقتُل نملة”، “وما عندو أعداء”. للوهلة الأولى لم يُصدّق أحد من محبّيه ما حدث.
وفي التفاصيل الأوّلية، أن مارك خرجَ للسهر، مستقلاً سيارته الرباعية الدفع (FJcruiser)، وفي طريق العودة إلى منزله في بكفيا، بعد منتصف الليل، إعترضه مسلحون يستقلّون سيارتين في مزرعة يشوع. وفيما بعد تم العثور على سيارته في منطقة مجدل ترشيش، وبعد الكشف عليها، تبيّن أنها تعرّضت لضربة يُرجّح أن تكون إحدى سيّارتي الخاطفين قد إصطدمت بها.
في موازاة ذلك، نفّذت القوى الأمنية عمليات دهم واسعة في حي الشراونة في بعلبك وفي بلدة دار الواسعة، من دون العثور على أثر للخاطفين.
وبعد طول انتظار، وحَرق أعصاب، تردّد ليلاً أن الجهة الخاطفة “طالبت العائلة بفدية مالية بقيمة مليون دولار للإفراج عن مارك”.
ولكن في اتصال لـ”الجمهورية”، بأحد أقرباء مارك، نفى تبلّغهم أي إتصال من الخاطفين، قائلاً: “ما حدا اتصل فينا، وفي كتير إشاعات وأقاويل، ما عرفنا شي”.
حركة الإتصالات
في وقت تردّد أن مراقبة حركة إتصالات مارك، أظهرت أنّ آخر عملية إتصال سجّلت عند الخامسة فجراً، سرعان ما انطلقت سيناريوهات الخطف مثل النار في الهشيم وتعدّدت الإستفسارات: لماذا مارك تحديداً؟ ما الغاية من تخلّي الخاطفين عن سيارته؟ هل كان مراقباً؟ ماذا يعمل والد المخطوف؟…
“حديثاً، إشترى والد مارك قطعة أرض ليبني عليها منزل العائلة الحالي”، تروي إحدى جارات عائلة الحاج موسى لـ”الجمهورية”، وتضيف: “على رغم الأمتار المعدودة التي تفرّق منزلينا، إلّا أننا نادراً ما نلتقي أفراد تلك العائلة، لأنهم في طبعهم منزوون، “سِرُّن إلن”، منغلقون، ربما تأثروا بالسنوات التي أمضوها في السعودية، ولكن إبنهم مارك نراه أحياناً وهو يخرج”.
يُقاطعها زوجها، مستغرباً ترك الخاطفين للسيارة، قائلاً: “الجماعة مرتاحين عَ وقتُن… بس يمكن الجِيب فِضي من البنزين”. وتُعيد زوجته لتُدير دفة الكلام: “من جهتي إتصلت بـ “كوليت” إم مارك، ولكن لم تقوَ على الكلام، فأعصابها منهارة، وشقيقتها هي من تُجيب على الهاتف”.
السبعلي
“صُدِمنا بالخبر”، يقول رئيس بلدية بكفيا المحامي فيليب السبعلي، الذي وصله الخبر عبر إتصال هاتفي بينما كان في عمله في بيروت. ويوضح لـ”الجمهورية”: “مسلسل الخطف هذا مستجد ونستنكره. لا شك في أن عملية الخطف أثارت الذعر في نفوس الأهالي. مِن جهتنا نقوم بدورنا، نحرص على تسيير دوريات ليلاً ونهاراً، وحراس أمن، وشرطة البلدية، حتى أن بعض الأحياء مُراقبة”.
ويضيف: “حيال الإجرام المتفلّت في البلد قد تعجز التدابير الأمنية على ضبطه بالكامل، والحد من الزعران المنتشرين”. وتأمل خيراً في كشف ملابسات ما حصل: “نأمل أن يعود مارك قريباً إلى أهله بسلامة”.
على أمل أن تتوضح ذيول الخطف في الساعات القريبة، وتنكشف الحقيقة، يبقى السؤال: من يضع حداً لمسلسل الخطف المستشري؟