إنفاذاً للمرسوم رقم 66 الصادر في العام 2012، باشرت حكومة النظام بتنفيذ مشروع بناء أبراج سكنية في منطقة “المزة بساتين” “كفرسوسة”، “القنوات بساتين”، “داريا” و”القدم”.
مشروع الأبراج، الذي يسميه ابناء العاصمة مرسوم “التنظيم”، سيشهد بناء 168 برجاً سكنياً بإرتفاعات بين 11 و22 طابقاً، فضلاً عن 17 منشأة تربوية، لم توضح الحكومة بعد ماهيتها، اضافة الى “مول” تجاري هو الأكبر في سوريا، وأكبر مدرج للعرض المسرحي والسينمائي في العاصمة مبني في الهواء الطلق، ومركز ثقافي كبير. وسيُخصص 30% من مساحة المشروع لبناء حديقة، وحزام أخضر يبلغ حوالي 75 هكتاراً.
وبحسب محافظة دمشق فإن المشروع “سيخلق ربطاً جديداً بين منطقة مزة شرقية بتنظيم كفرسوسة والموازي تماماً لمنطقة المتحلق الجنوبي، وكذلك الشارع الذي يربط المتحلق الجنوبي بشارع 17 نيسان والموازي للفيلات شرقية، بالإضافة للشارع الرئيسي الذي يقسم التنظيم لمنطقتين غربية وشرقية، وهو يمتد من المتحلق وصولاً إلى خلف رئاسة مجلس الوزراء، ويصل المنطقة الأولى بالمنطقة الثانية جنوب المتحلق، مما سيخفف من زحمة السير والاختناقات المرورية للمنطقة الغربية من مدينة دمشق الممتدة من منطقة الحجاز إلى ساحة الأمويين، والمشروع سيعتمد على نظام إيصال الغاز للمنازل عبر تمديد الشبكات بالتعاون مع وزارة النفط”.
غير ان هذا المشروع الذي خُلق فجأة في عز الحرب والتهجير، يفترض هدم الأبنية والمحال الموجودة ضمن نطاقه، وهذا ما تؤكده محافظة دمشق. والهدم يعني تغيير التركيبة الديموغرافية لمنطقة المزة، الا ان المحافظة، تقول إن المشروع يحقق العدالة الإجتماعية. وأي عدالة إجتماعية تقوم على “إخراج الناس الآمنين من بيوتهم، في ظل وجود أكثر من 600 ألف مهجر داخل دمشق يفترشون الأرض، ويعانون ضائقة سكنية ومادية”، على حد تعبير الصحافي مراد اللحام، الذي يشير في حديث إلى “المدن”، انه “كان الأولى بالحكومة أن تؤمن سكناً للناس بدل خلق مشكلة سكنية أكبر عبر إخلاء 1500 شخص من بيوتهم، لإنشاء أبراج سكنية ميزانيتها 14 مليار ليرة (أكثر من 56 مليون دولار) في ظل ظروف الحرب”.
التدقيق في المشروع وموقعه وتوقيته، يُظهر ان الغاية الحقيقية لا تمت إلى التنمية والعدالة الاجتماعية بصلة. فعلى بعد مئات الأمتار من منطقة المشروع، يقع مشروع “مزة 86” (نسبة الى رقم لواء عسكري كان موجوداً في المنطقة، وخرج منها مانحاً ضباطه وجنوده صلاحيات بإنشاء منازل لهم قرب سجن المزة العسكري الشهير)، وهذا المشروع يعتبر من أكبر العشوائيات في سوريا، ورغم ذلك، لم تلتفت الحكومة اليه بهدف تنظيمه. اما السبب، فهو بحسب اللحام، الكيدية ضد معارضي النظام، إذ أنّ “مزة 86 يضم مناصري النظام، في حين تضم المنطقة المنوي هدمها اناساً شاركوا في الانتفاضات التي خرجت ضد النظام في 2011”. وتجدر الاشارة الى ان الحكومة “حاولت في وقت سابق تنفيذ مثل هذه المشاريع في مخيم الفلسطينين في جرمانا وفي دويلعة والكباس وأجزاء اخرى من جرمانا، وتم إيقافها بسبب رفض الناس لها”.
تحضيرات النظام لقيام المشروع بدأت بجولة على الاهالي لإخبارهم بضرورة ترك المنطقة، وعرض بعض التعويضات عليهم. فمنذ حوالي الاسبوعين، “أتى رجال أمن، عرفنا لاحقاً انهم من الفرع 215 التابع للأمن العسكري، برفقة مختار الحي أبو لؤي خمم وقاموا بإبلاغنا بمراجعة المحافظة لإخلاء المنزل بعد شهر، والبحث عن بديل سكني لأنهم سوف يقومون بمشروع سكني في الحي، وذلك ريثما يتم إنجازه لنعود إليه”، وفق ما يقول أبو ماجد (55 عاماً) لـ “المدن”. ويتابع “يبصم الناس على بلاغ المراجعة تحت تهديد التبليغ لصقاً، أي تكون العائلة بحكم المتبلغة سواء بصمت على البلاغ أم لم تبصم، وسيتم تعويضنا بمبلغ 25 ألف ليرة (حوالي 100 دولار) لكل بيت لإيجاد سكن بديل”. ومبلغ التعويض لا يكفي لاستئجار منزل في دمشق أو ضواحيها، “فالايجار هناك لا يقل عن 50 ألف ليرة شهرياً”.
لكن السؤال، من يضمن عودة من يخلون منازلهم إلى المشروع بعد إتمامه؟ وهل يُعيد النظام معارضين له الى منطقة تحاذي “قصر الشعب” قرب المطار العسكري، والذي يتضمن أحد أهم مراكز المخابرات الجوية، كما يقع على أطراف الحي، مجلس الوزراء ووزارات الخارجية، والإعلام، والعدل والتعليم العالي، وإلى جانبها، أحد أهم مربعات النظام الأمنية في العاصمة.
وتجدر الإشارة الى ان النظام كان قد ارتكب منذ عامين في منطقة “المزة بساتين”، المقصودة بالمشروع، مجزرة راح ضحيتها نحو 25 من أبناء الحي، بحسب تنسيقية المزة المعارضة.