في خطوة غير مسبوقة أعلن وزير المالية الجزائري عبد الرحمن بوخالفة أن البنوك مطالبة بالخروج والبحث عن الزبائن، من أجل مواجهة تراجع مداخيل البلاد المتأثرة بتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وكان بوخالفة قد أكد الثلاثاء الماضي في حوار مع وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية أن البنوك ستقوم بتشجيع أصحاب رؤوس الأموال غير الرسمية على وضع أموالهم في المنظومة البنكية في إطار من السرية والأمان.
ومن المنتظر أن تشرع بنوك الجزائر في استقبال هذه الأموال بداية من 15 أغسطس/آب الجاري.
ويأتي قرار الاستنجاد “بأموال مجهولة المصدر بسبب الوضعية المالية الصعبة التي يمر بها اقتصاد الجزائر بسبب تراجع مداخيلها بنسبة 50%، بحكم انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى ما دون خمسين دولارا”.
وقد دفع هذا الوضع الحكومة لإعلان حالة التقشف وتجميد العديد من المشاريع ضمن المخطط الاقتصادي 2014/2019.
ويتم تطبيق هذا القرار ضمن إجراءات قانون المالية التكميلي لعام 2015، ويحدد هذا القانون دفع ضريبة بنسبة 7% على الأموال المودعة في البنوك.
وتسعى الحكومة من وراء هذه الخطوة لاستيعاب وإعادة تشغيل الكتلة النقدية الضخمة التي تتحرك في السوق الموازية، والتي قدرها الوزير الأول عبد المالك سلال بـ7.3 تريليونات دينار جزائري (37 مليار دولار)، في حين يقدرها المستشار الأسبق لوزارة الطاقة عبد الرحمن مبتول بأكثر من 58 مليار دولار، وهي كتلة نقدية تفوق بالضعف قيمة التداولات في السوق الرسمية.
وتواجه البنوك عدة تحديات في سبيل إقناع الجزائريين بإيداع أموالهم فيها، أهمها موقف الأغلبية من الفائدة الربوية وفقدان الثقة في المؤسسات البنكية بعد “الفضائح التي طالت العديد منها وأهمها بنك الخليفة الذي دفع ثمن انهياره الآلاف من المواطنين”.
وقد وصل صدى استنجاد البنوك بالمواطنين لشبكات التواصل الاجتماعي، وكتب المدون محمد من فرجيوة على صفحته في الفيسبوك قائلا “لو تم فتح بنك يتعامل وفق الشريعة الإسلامية في جميع المعاملات الاقتصادية ومن دون أن تفرض عليه قيود من طرف البنوك الربوية لرأيت الناس تقبل عليه أفواجا”.
بينما استغرب عمر من الأمر وتساءل “هل يعتقد النظام أن الشعب يثق به؟ إذا كان كذلك فهو واهم، هل ينسى المواطن فضيحة بنك الخليفة حتى يلدغ مرة أخرى من بنوك النظام؟”.
ورغم القلق الذي أظهره كل من محمد وعمر فإن الخبير الاقتصادي محمد بوجلال اعتبر أن قرار الحكومة باحتواء الأموال المجهولة المصدر “مسعى محمود وممتاز”.
وبرر ذلك بقوله للجزيرة نت إن “الكتلة النقدية التي تتحرك في الجزائر خارج الدوائر الرسمية تمثل نسبة 90% ، في حين لا تتجاوز قيمة الأموال المودعة في البنوك أكثر من 10% من إجمالي الكتلة النقدية”.
لكن بوجلال اعتبر أن المخاوف التي عبر عنها كل من محمود وعمر مخاوف طبيعية، ويشعر بها أغلبية الجزائريين، لذلك ربط نجاح مبادرة الحكومة بضرورة توفير المعاملات الإسلامية في مختلف البنوك.
وأشار إلى أن الفرد الجزائري فقد الثقة في كل مؤسسات الدولة وليس البنوك فقط، لذلك شدد على ضرورة بناء ثقافة مؤسساتية في المجتمع.
لكن البعض يرى أن تطبيق هذا القرار يجعل الجزائر تخرق اتفاقات دولية وقعت عليها لمكافحة تبييض الأموال.
وانتقد النائب الأسبق في البرلمان الجزائري إبراهيم قار علي لجوء حكومة بلاده إلى “الأموال القذرة” لمواجهة آثار الأزمة المالية.
ويقول قار علي “يفترض أن التشريع القانوني -خاصة في المجال الاقتصادي- يحارب تبييض الأموال الحرام، ويحمي المال العام من لصوص الظلام، ولكن الذي حدث أن العفو بالمراسيم الرئاسية استفاد منه أصحاب الجرائم الاقتصادية بعدما كان يقتصر في السابق على جرائم الحق العام”.
وأشار إلى أن مثل هذه الأموال القذرة هي التي تمول الإرهاب والحشيش والمخدرات”، وتساءل “كيف يمكننا أن نصدق أن السلطة تحارب الإرهاب وهي تفتح البنوك أمام أثرياء الأزمة من جنرالات الحرب وأمراء الإرهاب”.