كتبت ثريا شاهين في صحيفة “المستقبل”:
بما أنّ القادة اللبنانيين لم يتمكنوا من إيجاد حل لموضوع الرئاسة، حيث كان يُفترض أن يجدوا الحل بمفردهم، بدأ الحديث عن إمكان حصول مساعدة أميركية وخليجية وإيرانية.
وتفيد معطيات ديبلوماسية أنّه في المرحلة الأخيرة، وقبل توقيع الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، بدا أنّ التفاوض كان صعباً. ذلك أنّه إذا ما تزامن مع تفاوض حول ملفات المنطقة، ومنها الملف اللبناني، فستتعقّد المفاوضات أكثر، ويصبح التفاوض مع إيران أصعب ممّا كان عليه. فاتفق الغرب وإيران على أنّه في مرحلة التفاوض يجب عدم عرقلة النووي، وأنّه ينبغي أن لا يتم بحث أي ملف آخر. ولبنان كان من بين الملفات التي أرجئ بحثها.
الآن وبما أنّ الاتفاق قد تم، فإنّه لم يعد هناك من سبب أمام الدول الكبرى والاقليمية من عدم بحث مواضيع المنطقة ومن بينها الملف اللبناني.
هناك وقت مستقطع حتى 18 أيلول من أجل أن يقرّ الكونغرس الأميركي الاتفاق مع إيران. وتكشف المعطيات أنّ الكونغرس سيقرّه، ولو بعد مخاض عسير وصعوبات وتحديات كبرى. والرئيس الأميركي باراك أوباما مرتاح إلى النتيجة منذ الآن.
وتكشف أيضاً أنّ المساعي الغربية الراهنة مع إيران من أجل انتخاب رئيس للجمهورية لا تزال في حدود معينة وعلى مستوى التمنّي. وبالتالي، إذا لم يكن هناك قرار حاسم بالتوجّه إلى إيران والضغط في اتجاه انتخاب الرئيس وفي مدّة محدّدة، وهذا غير موجود حالياً، فإنّ النتيجة تبقى ذاتها، ويبقى الردّ الإيراني بأنّ الأمر مسألة لبنانية داخلية.
لا شك في أنّ تأثير توقيع الاتفاق النووي هو في أنّه خفّف الضغوط في المنطقة، وأنّ الموضوع اللبناني قد يكون على أجندة البحث في أي حوار غربي إيراني. لكن المهم معرفة إذا ما سيكون الموضوع اللبناني أولوية.
من هنا على المسؤولين اللبنانيين تأدية دور على هذا الصعيد، في السعي بشكل دؤوب إلى وضع الملف اللبناني في الأولوية الدولية أولاً، ولفصله عن أية رزمة تفاوضية حول كل المنطقة. وبالتالي السعي إلى فصل الوضع اللبناني عن وضع المنطقة، وهي مسألة بالغة الأهمية ينبغي إقناع الدول بها. فالأمور تأخذ وقتاً وجهداً، وتحتاج إلى محاولة ومسعى تتم بلورته ووضع اطار له، إنّه قرار كبير. الآن هناك تحرّك دولي يعتبر بسيطاً، أمّا الحاجة فهي إلى قرار دولي حاسم وضاغط، يجب أن يقنع لبنان الأطراف الدولية، بأنّ مصلحة لبنان لا تنسجم مع التفاوض حول كل الملفات مجتمعة، وأنّ لبنان لديه طاولة حوار، وحوار قائم بين الأطراف، ولديه وضع خاص يُفترض تحييده سياسياً عن التفاوض حول المنطقة.
وتفيد المعطيات أنّ واشنطن ستقوم قريباً بتحرّك حول الملف الرئاسي مع الأطراف المؤثرة، ولن يكون هذا الملف الوحيد في حوارها مع هذه الأطراف، بل هناك السوري واليمني والعراقي. المهم أن يتحرّك لبنان في اتجاه تثبيت أولوية ملفه، وضرورة حلّه في البداية. وتشير المعطيات إلى أنّ تحرّكات الموفد الفرنسي جان فرانسوا جيرو، والموفدة الخاصة للأمم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ مهمّة، إنّما غير كافية. حتى أنّ تحرّك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في إيران حول لبنان لم يكن مثمراً، وذلك على خلفية أنّ الموقف الفرنسي مع إيران لطالما لم يكن إيجابياً. لكن في حال قيام تحرّك فرنسي، لكن باسم الدول الكبرى التي فاوضت مع إيران، يكون التحرك أفعل وأكثر ضغطاً، لا سيما إذا ما كان حاسماً.
إنّما التمنّي لا يُعطي نتيجة، فضلاً عن أنّه إذا بقيَ اللبنانيون عاجزين عن اتخاذ قرار، فإنّ الوضع الحالي يستمر طويلاً، المهم الآن الضغط في اتجاه حصول قرار حاسم دولي بفصل لبنان عن المنطقة.
الدول مرتاحة إلى موضوع أساسي بالنسبة إلى لبنان، هو أنّه تم فعلاً تحييده أمنياً عن وضع المنطقة، إنّما وضع لبنان السياسي غير مُحيَّد عن وضع المنطقة حيث كل طرف يحاول أن يشدّه في اتجاهه، التحييد الأمني مهم للغاية بدليل أنّه لا توجد أي جهة ترسل سلاحاً، ولا تمويلاً يحرّض على الحرب، بحسب المعطيات نفسها، لكن ليس هناك من قرار كبير بتحييده سياسياً.
إنّ تطورات الوضع اليمني، لم تأتِ بالضرورة نتيجة تفاهم ضمني مع إيران، إنّما جاءت بناء على جهد عربي تواصل منذ أشهر بغطاء من مجلس الأمن، فضلاً عن أنّ إيران في مرحلة التفاوض حول النووي، لم تكن تريد مواجهة في هذا البلد. هذا أدّى إلى استعادة الشرعية اليمنية. وفي جو تفاوضي في المنطقة نتيجة الاتفاق مع إيران، لا بد أن يخلق ظروفاً مؤاتية أكثر لتسهيل العلاقات الخليجية الإيرانية. الأمر لا يزال صعباً والمواقف متباعدة، إنّما لا شيء مستحيلاً، ودينامية التفاوض تبقى أقل كلفة من الحروب.