محمد وهبة
رفض وزير الاتصالات بطرس حرب الإجابة عن السؤال الوحيد الذي طرح عليه أمس في المؤتمر الصحافي الذي عقده للكشف عن أسماء الشركات التي قبلت طلباتها للمشاركة في مناقصة تشغيل شبكتي الخلوي. السؤال هو: «هناك فريق يقول إن بنود دفتر الشروط التي تنفّذ على أساسه المناقصة تختلف عن البنود المتفق عليها في مجلس الوزراء، ما يجعلها عرضة للطعن؟». أجاب حرب: «هل هكذا نريد طمأنة اللبنانيين» (؟!).
نعم يحتاج الأمر إلى علامة استفهام وتعجب. فلماذا لا يكون ردّ الوزير على الشكوك المطروحة شفّافاً وبعيداً عن الاستهزاء والاستخفاف، أم أن حرب يعلم أن التعديلات التي يُحكى أنه وضعها على دفتر الشروط بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء هدفها «الحدّ من المنافسة وإقصاء بعض العارضين المحتملين» على حدّ تعبير المتابعين؟ هل أصبحت مناقصة تشغيل شبكتي الخلوي مفصّلة على القياس؟
الشركات المقبولة
عقد الوزير حرب مؤتمراً صحافياً أمس كشف فيه عن أسماء الشركات التي تقدّمت للمشاركة في مناقصة الخلوي، وعن أسماء الشركات التي قبلت من بين المتقدمة. وبحسب المعطيات التي أذاعها حرب، فقد أبدت 7 شركات رغبتها في المشاركة في المناقصة، ورفض عرض شركة واحدة. الشركات المقبولة هي: «فودافون» (بريطانية)، «أورانج» (فرنسية)، «ديتاكوم» (دويتشيه تيليكوم الألمانية)، «ماكسيس» (ماليزية)، «زين» (كويتية)، و«أوراسكوم» (مصرية).
ولفت حرب إلى أن طلب «أوراسكوم» استبعد بسبب تأخرها في تقديم الطلب وتجاوز المهلة المحدّدة. ووزّع حرب كتاباً صادراً عن إدارة المناقصات يؤكد أن «الموعد النهائي لتقديم التعهد بعدم الإفشاء والتعبير عن الاهتمام هو 31 تموز 2015 عند الساعة الرابعة من بعد الظهر، وبالتالي تكون المستندات المقدّمة من قبل شركة «أوراسكوم تيليكوم ميديا أند تكنولوجي»، والمثبت تسلمها من قبل وزارة الاتصالات عند الساعة الخامسة وخمس عشرة دقيقة من بعد ظهر يوم الجمعة 31 تموز 2015، بموجب محضر موقّع من قبل ممثل الشركة السيد مروان حايك، قد وردت إلى الوزارة خارج المهلة المحدّدة في دفتر الشروط الخاص بالصفقة».
كذلك، قال حرب إن جلسة فضّ العروض ستكون في 8 أيلول، وإن الشركات المقبولة بدأت تكشف على الشبكات تمهيداً لطرح الأسئلة وتقديم عروضها، «وسندعوهم للحصول على المعلومات حول آلية استدراج العروض».
التلاعب بدفتر الشروط
انتهى المؤتمر الصحافي على زغل، من دون أن يحصل أي من الصحافيين على إجابة أو توضيح أو حتى موقف من الوزير حرب. لم ينف حرب أيّاً من الشكوك المتداولة أصلاً في الصالونات وبين المعنيين بهذا الملف، ولم يستطع أن يظهر الشفافية أمام الشركات الساعية للتنافس والمشاركة في المناقصة.
الإجابة التي تهرّب منها حرب تكمن في مجموعة معطيات ومراسلات غريبة ومثيرة للشكوك عقب موافقة مجلس الوزراء على دفتر الشروط الذي أقرّته اللجنة الوزارية المؤلفة من الوزراء: بطرس حرب، محمد فنيش، جبران باسيل. فقد تبلّغت إدارة المناقصات من الأمانة العامة لمجلس الوزراء قرار مجلس الوزراء المتعلق بإجراء مناقصة تشغيل شبكتي الخلوي، من دون أن ترفق به دفتر الشروط. والغريب أن الإدارة تلقّت كتاباً آخر من وزارة الاتصالات تطلب منها إطلاق المناقصة على أساس دفتر الشروط المرفق.
هذه «العجيبة» في أصول التبليغ بين الإدارات العامة، أثارت شكوك إدارة المناقصات في ضوء علنية السجال الحاصل حول هذا الملف بالذات وخروج الأمانة العامة عن أصول التبليغ المعتادة التي تبلغ الإدارات المعنية بالتطبيق. لذا، أرسلت إدارة المناقصات كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بناءً على كتاب وزارة الاتصالات الذي يتضمن دفتر الشروط، لإطلاعها عليه والحصول على تأكيد أنه هو نفسه الذي أقرّ في مجلس الوزراء، إلا أنها لم تحصل على أي إجابة رسمية.
رفضُ الأمانة العامة لمجلس الوزراء تسليم إدارة المناقصات نسخة من دفتر الشروط بكامل بنوده، المتفق عليه في مجلس الوزراء، يفتح الباب أمام تكتّل الإصلاح والتغيير للطعن في المناقصة، وخصوصاً أن وزراء التكتّل يقولون إن ما ورد في محاضر مجلس الوزراء التي بين أيديهم هو غير الذي أرسل إلى إدارة المناقصات، لا بل تؤكد مصادر التكتل أن دفتر الشروط الصادر من وزارة الاتصالات إلى إدارة المناقصات جرى التلاعب ببندين فيه.
ورد في الدفتر المتفق عليه في مجلس الوزراء الآتي:
ــ يفرض على العارضين المحتملين أن يكون لديهم عدد مشتركين تراكمي يساوي 5 ملايين مشترك.
ــ أن يكون لدى الشركة العارضة خبرة كافية في مجال شبكات الاتصالات لا تقلّ عن 5 سنوات.
غير أن دفتر الشروط الذي أرسلته وزارة الاتصالات إلى إدارة المناقصات يشير إلى الآتي:
ــ أن يكون لدى الشركات العارضة 10 ملايين مشترك على مدى 5 سنوات.
ــ أن يكون للشركة العارضة خبرة لا تقلّ عن 10 سنوات.
الاستبعاد والهيمنة السياسية
الفرق واضح بين صيغتي البندين، لكن ما الهدف من التلاعب ببنود دفتر الشروط؟ وفق مصادر متابعة، إن رفع درجة القسوة في هذه الشروط لا هدف منه سوى استبعاد بعض المرشحين المحتملين وحصر المنافسة بين عدد من الشركات الكبرى فقط، فيما يحدّ الأمر من المنافسة الممكنة، كنتيجة حتمية. فهل يكون الشرطان الواردان في دفتر شروط بطرس حرب ضروريين تقنياً إلى درجة الحدّ من المنافسة؟
ويأتي هذا الأمر بعد إصرار وزير الاتصالات على أن تجرى المناقصة خارج إدارة المناقصات، علماً بأن هذه الإدارة لا وظيفة لديها سوى إعداد دفاتر الشروط وإعداد المناقصات وتنفيذها، لكن القوى السياسية عملت على تهميش هذه الإدارة وبدأت ترفع دفاتر الشروط إلى مجلس الوزراء لإقرارها وفرض بنودها للتنفيذ، أي إن القوى السياسية استحوذت على صلاحيات درس دفتر الشروط وتفصيله سياسياً على قياس شركائها الملتزمين.