أزمة حيّرت العقول وتحرّكت معها المساعي المطلبية على أكثر من صعيد، فجاء التحرّك الشعبي بقطع الطرقات وتنفيذ الاعتصامات، فيما التحرّك الرسمي سارع إلى إجراء الاتصالات اللازمة لحل المشكلة…
إنها أزمة انقطاع الكهرباء والمياه عن مدينة صيدا ومحيطها، تلك المعضلة المترابطة مع فصل الصيف، حيث تنقطع الكهرباء ومعها تعجز المياه عن الوصول إلى الأبنية…
مشكلة سعى المواطنون لحلّها عبر تركيب خزانات إضافية للمياه عند مداخل الأبنية، التي بدورها حوّلت الحل إلى مشكلة، فيما توقف مضخات المياه عن العمل بفعل انقطاع الكهرباء وعدم تشغيل المولدات التابعة لمحطات المياه فاقم المشكلة التي وصلت إلى حد لا يطاق…
مشهد يتكرر كل عام خلال فصل الصيف، ليزيد من هموم المواطنين والأعباء المعيشية، ومعه تتعالى الصرخات المطالبة بإيجاد حلول جذرية، فإن كانت صيدا نجحت في التخلّص من مشكلة النفايات لكن بقيت معضلتي انقطاع المياه والكهرباء عن المدينة ومنطقتها…
«لـواء صيدا والجنوب» يسلط الضوء على مشكلة انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب في صيدا ومنطقتها والتحرّكات المطلبية…
حل تحوّل إلى مشكلة!
{ على طول امتداد الطرقات والشوارع في صيدا ومنطقتها، تجد الخزانات قد انتشرت أمام الأبنية، مشهد يترافق مع تأكيد الصبية من امتلاء الخزانات الأرضية كي لا يضطر الأهالي إلى دفع الثمن مرة أخرى.
{ وعن ذلك قال مصطفى طرحة: «العالم كله يعجُّ بالأزمات فليس هناك منطقة «مرتاحة» سواء في لبنان أو خارجه، ولكن انقطاع المياه أزمة لا تحتمل وتستحق التوقف عندها، فهي زادت المشاكل بين الجيران بسبب تأمين المياه بواسطة الخزانات الأرضية التي تحوّلت من حل إلى مشكلة أخرى، لأن وصول المياه إلى الطبقات بات أمراً مستحيلاً».
إستحالة غيّرت الثقافة لدى جيل اليوم الذي بات على اضطلاع بأزمتي الكهرباء والمياه، وإن حُلّت الأولى باستخدام اشتراك الكهرباء وإعادة تسعيره برقابة من السلطة الرسمية، لكن انقطاع الكهرباء يعيد زيادة فاتورة الاشتراك، فيما انقطاع المياه جعل ثقافة عدم الاسراف متأصّلة لدى الصغار قبل الكبار، الذين تُلقى عليهم مهام أخرى منها تفقّد المياه في الخزانات الأرضية.
{ وعن ذلك أشار الأطفال رائد وسارة وغادة رباط خلال تفقّدهم المياه في الخزان الأرضي أمام منزلهم «لا تأتي المياه كثيراً ويقوم أهلنا بوضع «النربيج» لسحب المياه إلى السطح، ونحن نقوم بدورنا بتفقّد المياه للتأكد من مستوى المياه في الخزان، خوفاً من احتراق الشفاط، كما تؤكد علينا والدتنا عدم الإسراف في استخدام المياه لأنها مقطوعة».
{ الأمر نفسه عبّر عنه ربال الحريري وشقيقه مصطفى، حيث دفعتهما الحرارة إلى استخدام مياه الخزانات الأرضية لإطفاء لهيب الصيف بالقول: «لا تصل المياه إلى المنزل بشكل دائم، لذلك فإننا وضعنا خزانات للمياه كي تصل إلى المنزل بعد شفطها».
لقمة عيش مالحة!
{ مشكلة الصغار يشترك بها الكبار، الذين يلقون باللوم على المسؤولين في مؤسستي الكهرباء والمياه، وعن ذلك قال رامي محجوب: «إن واقع الكهرباء «عدم شرعي»، وبالتالي فإن الاشتراك أصبح لا غنى عنه رغم أننا نتكبّد تكاليف إضافية كلما انقطعت المياه، ونحن في سيروب لا نشعر بانقطاع المياه بشكل كبير لأنه يتم تشغيل المولد الكهربائي في محطة الضخ، فتنقطع المياه يوماً وتأتي أخراً».
{ أما الاستغراب من السؤال عن الكهرباء والمياه، فعبّر عنه يوسف شعبان بالقول: «المياه والكهرباء، باتت «نكتة»، فنحن لم نسمع بهما منذ فترة، فأنت تسألنا عن شيء غير موجود حتى نجاوب عليه، ولا يوجد حلول للأسف لأن المسؤولين لا يسألون عن الشعب، فهم لا يشعرون معنا، كما أن الشعب في حالة «بنج» لا يتحرّك بالشكل المطلوب، ففي الماضي كان الناس أكثر تفاعلاً لعلاج مثل هذه المشاكل، فنسأل الله أن يكون الشتاء على مدار العام، لأننا في فصل الصيف نعاني من انقطاع الكهرباء والمياه، والحال نفسه سواء في مكان العمل أو السكن داخل مدينة صيدا، فالناس تعاني من هذه المشكلة، فيما نجلي الذي يسكن في منطقة عبرا يشتري المياه بشكل دائم، وإذا أراد الاغتسال يأتي إلى منزلي بسبب انقطاع المياه، فالمياه لا تصل إلى الأبنية، ورغم أننا وضعنا خزانات للمياه أسفل البناية لكنها أيضاً لا تصل بسبب انقطاع الكهرباء وعدم تشغيل المولدات. وهذا الأمر نعاني منه منذ بداية فصل الصيف، وواقع الكهرباء في لبنان مزرٍ منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحتى يومنا هذا، فالأمر لم يتحسّن بالشكل المطلوب بل يزداد سوءاً».
{ مشكلة تتشارك بها سائر المناطق، وعن ذلك قال فياض غزاوي: «المياه مقطوعة منذ فترة داخل فرن المناقيش الذي أملكه في صيدا، وتزداد المشكلة في مكان سكني في منطقة الهلالية، فهي نادراً ما تأتي، لذلك نقوم بنقل المياه من أحد المعارف الذي يملك بئراً ارتوازياً، وهذا أمر لا يحتمل، ويضرُّ بعملنا، فقد عجزت منذ أيام عن تحلية الجبنة المستخدمة في المناقيش بسبب انقطاع المياه فبقيت مالحة، وللأسف لا حل لدينا بل الحل عند الدولة».
لقمة عيش مالحة ولا حلول لدى الدولة، سؤال يبقى برسم المسؤولين عن معاناة الناس، ولكن من يجد حلولاً لأزمة باتت مزمنة؟ سؤال يتردد على ألسنة المواطنين ويزيد هم الأعباء المعيشية في لبنان، الأمر الذي يستدعي تحرّكات على أكثر من صعيد.
تحرّكات شعبية وبلدية
فالأزمة دعت إلى تحرّكات شعبية وجدت مع صفحات التواصل الاجتماعي مجالاً لإطلاق الصرخة التي تجسّدت من خلال تجمع عدد من أهالي مدينة صيدا أمام مؤسسة الكهرباء في المدينة احتجاجاً على التقنين القاسي وانقطاع المياه عن المدينة وضواحيها بسبب عدم تشغيل المضخات، حيث طالب المحتجون الفاعليات الصيداوية اتخاذ موقف من الإهمال الحاصل تجاه المدينة وأهلها.
تحركات تقاطعت مع أخرى، حيث قام عدد من أهالي البلدة القديمة بقطع الطريق البحرية وشارع رياض الصلح، بعدما قامت إدارة معمل الزهراني الحراري باتخاذ خطوة احترازية بقطع التيار عن دائرة صيدا بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، ليفاقم أزمة انقطاع المياه.
وعلى صعيد تأمين المياه وضعت بلدية صيدا مبلغ 20 مليون ليرة لشراء مادة المازوت لإستخدامها في تغذية المولدات الكهربائية المستعملة لضخ المياه، خطوة جاءت بعد تشاور رئيس البلدية المهندس محمد السعودي مع محافظ الجنوب منصور ضو ونواب المدينة ومع مدير مصلحة مياه صيدا أحمد نظام.
إستياء فاعليات المدينة
{ النائب بهية الحريري أكدت «حق صيدا كما كل منطقة من لبنان على دولتها أن تأخذ حقها في الخدمات الأساسية ولا سيما المياه والكهرباء، خاصة في عزّ الحاجة إليهما»، مطالبة المعنيين بإنصاف المدينة.
وأجرت النائب الحريري لهذه الغاية اتصالات مع المعنيين في مؤسستي كهرباء لبنان ومؤسسة مياه لبنان الجنوبي لمعالجة المشكلة وتبلّغت من رئيس مجلس إدارة مؤسسة مياه لبنان الجنوبي المهندس أحمد نظام البدء بضخ المياه إلى بعض احياء صيدا، كما اطّلعت الحريري من مدير معمل كهرباء الزهراني المهندس أحمد عباس على وضع المعمل في ظل استمرار العطل على المجموعة الأولى.
{ كما شدد مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان على «أن غياب الماء والكهرباء المرتبطين ببعضهما أمر لا يحتمل ولدينا شعور واحساس أن الوضع الاجتماعي أصبح على حافة الانفجار».
{ وتحت عنوان: «نطالب بوضع حد للتسيّب والفساد في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي» عقد أمين عام «التنظيم الشعبي الناصري» الدكتور أسامة سعد مؤتمراً صحافياً أكد خلاله أن قطع المياه عن مدينة صيدا سببه الأساسي هو التسيّب والفساد في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، مطالباً وزير الطاقة والمياه والتفتيش بوضع اليد على ملف المؤسسة لمعالجة أوضاعها بالسرعة القصوى، مؤكداً أن قطع التيار بشكل شبه كامل عن المدينة، هو إجراء ظالم لا مبرر فعلي له، داعياً مؤسسة الكهرباء للعودة عن هذا الإجراء بسرعة.
{ ورأى الدكتور عبد الرحمن البزري «أن الدولة الفاشلة في معالجة ملف النفايات هي نفسها الدولة التي فشلت في تأمين الكهرباء والمياه لمواطنيها، وهي نفسها التي فشلت في حماية المواطنين ومنع الجرائم رغم الجهود المشكورة التي يبذلها الجيش والمؤسسات الأمنية».
{ بدورها «الجماعة الإسلامية» بحثت الأزمة مع البلدية، كما أجرى المسؤول السياسي للجماعة في الجنوب الدكتور بسام حمود اتصالات مع المعنيين في مؤسستي الكهرباء والمياه، مؤكداً أن التبريرات التي تسوقها مؤسسة كهرباء لبنان لأزمة انقطاع التيار الكهربائي بوجود أعطال ينمّ عن الاستهتار والفشل في إدارة هذه المؤسسة بدءا من الوزير وصولاً إلى الإدارات المحلية التي تنتظر الأزمات حتى تبحث عن الحلول، محذراً من ردة فعل المواطن المحقة.
إستياء فاعليات المدينة ترافق مع محاولة إيجاد حلول لمشكلة المياه والكهرباء، لكنها تبقى معضلة بحاجة إلى حلول جذرية.